بعد زيارته الأخيرة لباريس ولقائه كيري المطلوب من الرئيس محمود عباس ... اليوم وليس غداً ..
تاريخ النشر : 2014-02-22 21:13

لا يختلف اثنان على الأهمية البالغة لما يسمى "هجوم السلام" الذي يقوده الرئيس أبو مازن هذه الأيام، ولا يتبادر إلى الأذهان شك في أن هذا الهجوم سيكون له آثاره الإيجابية وتبعاته على المستوى الإقليمي والدولي، دعماً ومساندة للموقف الفلسطيني والتمسك الفلسطيني بالثوابت الوطنية، كما لا يخفى على أحد أن هذا الهجوم يأتي بالتوازي مع مرحلة صعبة وحساسة وحاسمة من المفاوضات التي تجري مع الجانب الإسرائيلي بوساطة مكثفة وإرادة قوية من الإدارة الأمريكية التي يمثلها في هذا الملف الشائك رئيس دبلوماسيتها المخضرم جون كيري، وهي مرحلة تتطلب فلسطينياً أعلى درجات الحذر بالتوازي مع الجاهزية الوطنية والعربية والدولية لمساندة الموقف الفلسطيني الرافض للحلول المجتزأة والاتفاقات المنقوصة.

يمكن للمراقبين أن يفهموا حقيقة التخوفات التي يوردها الرئيس محمود عباس من "تسرّب" المعلومات التي يقدمها في اجتماعات القيادة، سواء تعلّق الأمر باجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو اجتماعات اللجنة المركزية لحركة فتح، لكن الأمر برمته لا يمنع الرئيس أبو مازن من وضع بعض الأشخاص أمام مسؤولياتهم، مناقشة وحواراً وتكتيكاً ليكونوا له سنداً وعوناً في الأيام الصعبة التي تنتظر القيادة الفلسطينية إن بقيت متمسكة بالثوابت ورافضة للحلول الجزئية أو الحلول التي تنقص من الحقوق الوطنية الفلسطينية التي نصت عليها كافة القرارات والمواثيق الدولية.

صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية "تحتكر" ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ انطلاقها في العام 1991، لكن الأمر لا يمنع أن يظل الجانب الفلسطيني متوجهاً في خطابه إلى الرأي العام العالمي وإلى حكومات الدول ذات الوزن على الصعيد الدولي، والتجمّعات الإقليمية الوازنة، مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية، ولا بأس في دول مثل الصين والهند والبرازيل ونمور آسيا كذلك، لأن بقاء الملف في يد الأمريكان يعطي الجانب الإسرائيلي "أفضلية" تفاوضية، بمعنى أن إسرائيل "مطمئنة" أن الجانب الأمريكي لن يفعل إلا ما يرضيها تفاوضياً، على الرغم من تناقص شعبيتها في الكونغرس الأمريكي ولدى الإدارة الأمريكية، وعلى الرغم من سمعتها السيئة في كثير من المنظمات الدولية والإقليمية، ولدى معظم شعوب الأرض، وبالتالي بات مهماً اليوم أن يضع الجانب الفلسطيني المجتمع الدولي برمته أمام مسؤولياته، والحديث هنا يتعلق بالاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، لأن الأوروبيين أسمعوا الرئيس عباس في آخر زياراته أنهم لن يقبلوا اتفاقات منقوصة، ولن يسمحوا بحلول على حساب قضايا جوهرية في الصراع، لأن الاتفاقيات المنقوصة ستؤسس لتأجيج الصراع تارة أخرى، وهذا الحل الذي يقبلونه يتضمن حدود العام 1967 مع تعديلات طفيفة، وأن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية، ولا سبيل لحل الصراع إلا بمقترح عادل لقضية اللاجئين، لأن الأمر سيمس حتماً مصالحهم، ووجودهم في المشهد التفاوضي سيحقق شيئاً من التوازن المفقود في العملية التفاوضية، وسيدفع الأوروبيين إلى الضغط باتجاه مؤتمر دولي على غرار مؤتمرات "جنيف" من أجل حل القضية الفلسطينية إن استوجب الأمر ذلك، لأنه من غير الواضح أن المفاوضات الجارية من شأنها أن تخرج باتفاق يحقق إجماعاً فلسطينياً أو حتى عربياً وإقليمياً.

من هنا بات مطلوباً من الدبلوماسية التي يقودها أبو مازن أن تنهض على أكثر من صعيد من أجل ترسيخ القناعة بأن ضياع هذه الفرصة التفاوضية من شانه أن يعيد الصراع إلى مربعه الأول، وهو أمر سيضر مصالح كافة الأطراف، سواء كانوا في قلب التفاوض أو على هامشه.