جاستن ترودو ، ظاهرة إنسانية مبدعة
تاريخ النشر : 2017-02-02 10:56

 إستطاع رئيس الوزراء الكندي الشاب جاستن ترودو أن يغزو قلوب شعوب العالم بسياسته الإنسانية المنفتحة والواعية والتي تتلازم مع مصداقيته في المواقف الحرجة وتقدير المصلحة العامة لبلاده، مما حذا بالكثيرين في دول العالم ليعبروا صراحةً عن أمنياتهم بأن يكون رؤساء دولهم كرئيس الوزراء الكندي المبدع في أدائه الإنساني جاستن ترودو.

وهنا لابد من التطرق ببعض المعلومات العامة للتعريف به ، حيث أن جاستن ترودو، الشاب البالغ من العمر 46 عاماً، هو رئيس وزراء كندا منذ نهاية عام 2015 وزعيم الحزب الليبرالي الكندي الحاكم.

جاستن ترودو هو الابن البكر لبيير ترودو، رئيس الوزراء الكندي السابق الذي لا زال إسمه محفوراً بالتاريخ نتيجة مواقفه الإنسانية الشجاعة التي سجلها أثناء فترة توليه مهامه كرئيس للوزراء قبل أن يتقاعد في عام 1984.

وهاهو الإبن جاستن الذي انتخب عضواً في مجلس النواب عن الدائرة الانتخابية من بابينو في عام 2008، وأعيد انتخابه عام 2011، حيث شغل مناصب في حكومة ظل الحزب الليبرالي كناقد للشباب والتعددية الثقافية والمواطنة والهجرة، ومرحلة ما بعد التعليم الثانوي والشباب ورياضة الهواه ، انتخب لزعامة الحزب الليبرالي الكندي، في 14 أبريل 2013، وعقب فوز الحزب الليبرالي الكندي بأغلبية ساحقة في الانتخابات الفدرالية يوم 19 أكتوبر عام 2015، أصبح ترودو رئيس وزراء كندا بجدارة وأدى اليمين الدستورية يوم 4 نوفمبر 2015، لينطلق بتسجيل إسمه في التاريخ من خلال مواقفه الإنسانية الوحدوية الواضحة والصريحة.

قبل يومين وبعد أن حصل الإعتداء الإرهابي الجبان على المركز الثقافي الإسلامي في مدينة كويبك ، سارع جاستن ترودو بإرسال رسالة مهمة لأبناء شعبه مفادها بأن الشعب الكندي واحد وموحد بالرغم من تعدد ثقافاته وإختلاف لغاته وعقائده ، وبأن الأقليات في كندا هم جزء أصيل لا يتجزء من مستقبل كندا.

لا بل إتخذ موقفاً إنسانياً متقدماً حينما عبر عن صدمته البالغة مما حصل في المركز الثقافي الإسلامي في مدينة كويبك وإعتبره عملاً إرهابياً مرفوضاً من الكنديين بمختلف ثقافاتهم وأديانهم ، الذين إعتادوا التعايش بأمن وأمان وسلام بعيداً عن اللون أو الجنس أو العقيدة ، وأن كندا بأكملها بما فيها أعضاء البرلمان الكندي ترفض هذا العمل الإرهابي وتؤكد على تضامنها مع عائلات الضحايا ، حيث قال، ندين هذا الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مسلمين موجودين في مكان عبادة وملاذ لهم ، ونعبر عن بالغ تعازينا الحارة الى عائلات وأصدقاء القتلى ، ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى.

كما بعث برسالة قوية إلى مواطنين بلاده بختلف ثقافاتهم وعقائدهم، قائلاً بأن كندا تعتمد على التعددية ولن تنكسر أبداً نتيجة مثل هذه الأعمال الإرهابية لا بل ستقف موحدة في مواجهتها ، وبأن المسلمين الكنديين يشكلون جزءا مهما من النسيج الوطني الكندي، ولا مكان لهذه الأفعال الطائشة في المدن والمجتمعات الكندية.

كما سارع بالذهاب إلى مكان الحادث بنفسه للتعبير عن تضامنه مع أسر الضحايا وللتعبير عن رفض كندا لمثل هذا السلوك الهمجي أي كنا مصدره، لا بل إستكمل ذلك بخطوات إنسانية نوعية وسباقة حينما أكد على التعاطف مع المسلمين الذين منعوا من دخول الولايات المتحدة الأمريكية بسبب السياسات الأمنية الجديدة التي قررها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبلاده مؤخراً ، قائلاً لهم أن كندا كلها مسجداً لكم، وأنها ترحب بكم مجسداً بذلك أفعال إنسانية يسجلها التاريخ ، ويستحق عليها بجدارة أن يكون رئيس وزراء إستثنائي يعمل على تجسيد روح العدالة وإحترام حقوق الإنسان قولاً وفعلاً كنهج وعنوان طالما تباهت به كندا.

أيضاً عبرت مديرة الإتصالات في مكتب رئيس الوزراء الكندي كاتي بيرتشز Kate Purchase عن أن كندا بلد مفتوح ويرحب بكل أبنائه ويقف إلى جانبهم Canada is an open, welcoming country that stands by its citizens ، كما قالت بأننا أمة واحدة من ملايين المهاجرين واللاجئين ، نؤمن بتعدد الثقافات واللغات والأديان ، ولا يؤثر على قوتنا إختلافات ثقافاتنا لا بل نحن أقوياء بسبب ذلك"

الكلام يطول والعاطفة جياشة لا تستطيع أن توقف وصف هذه الظاهرة الإنسانية السامية المتمثلة في جاستن ترودو ، والتي تحرص كل يوم على ضمان عدم المساس بحقوق الأقليات ، لا بل تمارس وعياً سياسياً يسلط الضوء على كندا ليجعل منها نموذجاً راقياً لتصبح حلماً يذهب إليه المهاجرين وطالبي اللجوء.

إن السياسة الكندية الحكيمة والمتوازنة التي يتبعها جاستن ترودو في ظل التحديات التي تواجه العالم باتت تمثل رصيداً في سجله بالرغم من مرور عام واحد على توليه رئاسة الوزراء، وإستطاع خلالها أن يجعل الطاقات تستعيد قوتها من جديد لتخلق لدى الموطنيين الكنديين أملاً جديداً بأن المستقبل في كندا سيكون أكثر إزدهاراً ونمواً ، ليحقق تطلعاتهم ويفتح الأفاق أمام المحرومين والمضطهدين في العالم لتحقيق أحلامهم.

وفي هذا المقام أتمنى على رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن يعيد لكندا مكانتها الطبيعية في السياسة الخارجية، وأن يصاحب نموذج سياساته الإنسانية الرائعة والمشرفة، سياسة أكثر إنفتاحاً في المساهمة في معالجة ملف السلام في الشرق الأوسط كونه الملف الأكثر تعقدياً الذي لا زال يؤرق البشرية ، وكون كندا هي الدولة الرئيسية الراعية لملف اللاجئين الفلسطينين منذ بدء تنفيذ إتفاقية أسلو، حيث أن اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات وفي مخيمات الضفة وقطاع غزة يفتقرون إلى الحدود الدنيا من الحياة الإنسانية الطبيعية.

كما أتمنى على الجاليات العربية والإسلامية في كل أماكن تواجدها في كندا ، أن تقدر هذا الموقف الرائع وهذه المساحة الإنسانية التي تمتلئ بروح الإبداع التي قدمها رئيس الوزراء جاستن ترودو وأن يتم الإلتفاف حول كندا كبلد يفخرون به ويسعون للإندماج في مجتمعاته على أسس إحترام الثقافات المختلفة والقوانين التي تحكم العلاقة بين المواطن والمؤسسات الكندية.

تنويه : بالأمس كان هناك ورشة عمل حول أهمية علاقة الصداقة الكندية الفلسطينية، ولم يكن هناك حضوراً برلمانياً كندياً يُذْكَر ، بالمقابل كان هناك كلمة موفقة من السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور ، ولكن كنت أتمنى أن يتمخض عن ورشة العمل هذه رسالة محددة إلى الجانب الكندي تحمل في طياتها تفهماً واضحاً لموقف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو وتساعده في المضي قدماً عمله من أجل إرساء العدالة ، وتحفزه على المشاركة في عملية السلام بزخم أكبر، وتقدم الرؤية الناضجة التي كان يتوجب بأن تكون واضحة وفي سياق المصالح المتبادلة بين الطرفين!.