خطر البيت الأبيض على أوروبا
تاريخ النشر : 2017-01-31 07:58

لم يخفِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته في قلب موازين القوى حول العالم، خصوصًا في أوروبا؛ فدعم ترامب لزعيم حزب الاستقلال البريطاني السابق وعراب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، نايجل فاراج، واستقباله كأول شخصية سياسية أوروبية بعد الفوز بالانتخابات الأميركية، أكبر دليل على ذلك. كما أن تصريحات ترامب حول حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأنه «عفّى عليه الزمن»، أثارت مخاوف الأوروبيين من زعزعة التحالف الأمني الأهم بالنسبة للقارة الأوروبية والأكثر تأثيرًا حول العالم. وأما القرار الأخير لترمب حول الهجرة ودخول الولايات المتحدة، الذي يشمل منع حاملي الجنسية المزدوجة الأوروبية وجنسيات 7 دول ذات غالبية مسلمة، فيستهدف في الصميم مبدأ المواطنة الأوروبية، فالتفريق بين المواطنين الأوروبيين علنًا وبوضع قوانين تستهدف المهاجرين من دول ذات غالبية مسلمة، يهدد الانسجام المجتمعي ويزيد من التفرقة داخله. وبينما يؤثر هذا القرار بالدرجة الأولى على مواطني الدول السبع، خصوصًا من العراق وسوريا، إلا أن تبعاته تصل إلى العالم كله. وإذا كان المتأثر موظفًا رفيع المستوى لشركة «غوغل» من مواليد إيران، أو نائبًا بريطانيًا من أصل عراقي، أو جدة ليبية مقيمة في إيطاليا تريد زيارة أحفادها الذين ولدوا في الولايات المتحدة، فجميع شرائح المجتمع الأوروبي معرضة لتبعات هذا القرار.
ومن الصعب تصور أنه في عام 2017 من الممكن أن يشكل البيت الأبيض خطرًا على أوروبا بعدما كان مصدر استقرارها ونهوضها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وتأتي هذه التطورات بعد 70 عامًا من قيادة واشنطن رؤية لهذا النهوض من خلال دعم سياسي واقتصادي لم يسبق له مثيل؛ فـ«خطة مارشال»، التي أشرفت عليها الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي وصفت بأنها من أنجح السياسات الخارجية الأميركية، كانت أساس استقرار أوروبا... واليوم الولايات المتحدة قد تصبح من أبرز أسباب زعزعة ذلك الاستقرار.
ويتزامن مجيء ترامب إلى سدة الحكم في واشنطن مع تعاظم طموح موسكو لتوسيع نفوذها في أوروبا. ولا يخفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طموحه لإضعاف دول أوروبا الغربية التي تحدته في دول أوروبا الشرقية، خصوصًا مع سياسات توسيع «الناتو» و«الاتحاد الأوروبي». وتحالف ترمب مع بوتين تكرس خلال مكالمة هاتفية بينهما وصفها البيت الأبيض بأنها «تشكل بداية مميزة لتحسين العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تحتاج إلى الإصلاح». وإصلاح تلك العلاقات يشكل شرخًا في الموقف الغربي من بوتين، خصوصًا في ما يخص سياساته تجاه أوروبا، حيث ما زالت أوكرانيا تشهد حربًا في شقها الشرقي، قد تتسع رقعتها مع الضغوط الإقليمية الحالية.
ومن اللافت أن قرار ترمب بمنع دخول اللاجئين وحاملي الجنسية المزدوجة جاء بعد ساعات قليلة من لقائه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي حرصت على أن تكون أول رئيسة دولة أو حكومة أجنبية تلتقي ترمب بعد توليه منصب الرئاسة. وترددها في انتقاد قرارات ترمب، بما في ذلك تعطيل استقبال اللاجئين، يأتي ضمن سياق حرصها على أن تكون حليفة ترمب الأولى، ورؤيتها للتحالف مع ترمب، بدلاً من العلاقات التاريخية مع أوروبا.
وفي كل حال، تعاني قيادات أوروبا ضعفًا استثنائيًا اليوم؛ فرئيسة وزراء بريطانيا تقود بلادًا لم تكسب انتخابات فيها، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تنتهي ولايته خلال أشهر ولن يترشح للانتخابات، وربما عدم الترشح للانتخابات يجعل هولاند من أعلى الأصوات الأوروبية المنتقدة لترمب؛ إذ طالب القيادات الأوروبية بـ«الرد» على سياسات الرئيس الأميركي هذا الأسبوع. إلا أن سياسيي أوروبا منقسمون؛ بين مؤيد لترمب، ومنعزل في مشكلات سياسية داخلية. كما أن ثلاث دول أوروبية رئيسية منشغلة بحملات انتخابات مصيرية؛ إذ تجرى انتخابات في هولندا في شهر مارس (آذار) المقبل، وفي فرنسا في شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) المقبلين، وفي ألمانيا في سبتمبر (أيلول) المقبل. وقد تعرض نتائج تلك الانتخابات أوروبا لاضطرابات سياسية جديدة مع صعود الشعبويين واليمين المتطرف.
وقد أبدى ترمب خلال حملته الانتخابية دعمه اليمين المتطرف في أوروبا، كما انتقد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مرات عدة، بخاصة في ما يخص سياساتها المناصرة للاجئين. وبدورها، انتقدت ميركل الرئيس الأميركي مرات عدة، آخرها السبت الماضي عندما أعلنت أنه من غير المقبول «استهداف أشخاص بسبب دينهم أو خلفيتهم» العرقية.
ولكن يبدو أنه في عهد ترمب سيكون التعامل مع فئات مختلفة؛ بمن فيها بعض مواطني أوروبا، على مبدأ «مذنب حتى تثبت براءته»، وهذه السياسات التعسفية تزيد من انقسامات لا تتحملها أوروبا في المرحلة الحالية.