أسطورة الفهد: أبو حسن سلامة (4) (بين "إيمز" وأبوالطيب)
تاريخ النشر : 2017-01-27 09:58

في حلقات خمسة نتعرض لحياة ومسيرة الأسطورة الفلسطيني من قيادات حركة فتح أبوحسن سلامة.

أبو حسن (علي حسن سلامة) هو بطل من أبطال فلسطين وأسطورة تحدي لا نظير لها للموساد الاسرائيلي ، هو فارس من فرسان الفتح المبين الذين مزجوا بين الجرأة المفرطة ووثبة الفهد والجسارة مع الإيمان بالشهادة، والانفتاح وعشق الوطن وهدوء النفس.

أبو حسن سلامة القائد الفلسطيني الشاب الذي عاش فترة عنفوان الثورة الفلسطينية في لبنان (حقبة السبعينات من القرن العشرين) امتاز بالذكاء الشديد والشجاعة والإقدام، والكرم مع رجاله ، وكان فذّا في بناء العلاقات الاجتماعية مع المتفقين والمختلفين فنوّع في مستويات علاقاته (وبالتالي في مصادر معلوماته الأمنية كرجل أمن) فلم تقتصر على الفلسطينيين بل تعدتها إلى اللبنانيين والأجانب ومنهم أوعبرهم تم فتح العلاقات مع أنصار فلسطين في أمريكا وتحديدا في الإدارة الأمريكية.

وفي الحلقة الاولى تعرضنا للبدايات للرجل وامتدادا لأبيه المناضل الكبير، وفي الثانية ننتقل الى جهاز ال17 والخروج من الاردن والعمليات الخارجية ضد الاسرائيلي، اما بالثالثة فتعرضنا لعملية ميونخ وعلاقات أبوحسن سلامة الامريكية، وفي الرابعة هذه حول علاقته المميزة مع (روبرت ايمز) ثم شهادة نائبه ابوالطيب

 

"روبرت إيمز" وأبوحسن

يشار لثلاثة من الزيارات التي قام بها أبو حسن سلامة للولايات المتحدة الأمريكية وفي إحداها مع زوجته ملكة جمال العالم جورجينا رزق، وقابل في إحداها رئيس المخابرات المركزية جورج بوش الأب حينها.

لقد كانت العلاقة مميزة بين أبو حسن و"روبرت ايمز" أو "بوب" القريب من هموم وقضايا الشعب الفلسطيني، وهو ذاته أي (إيمز) كان القريب من صانع القرار السياسي الأمريكي بما أدى للتأثير فيه بحيث أن الرئيس الأمريكي كارتر طرح عام 1977 ضرورة "وجود وطن للاجئين الفلسطينيين" لأول مرة، وطرح الرئيس الامريكي رونالد ريغان مبادرته للسلام في الشرق الأوسط [1]لاحقا أي عام 1983 والتي رأى فيها (إن النزاع العربي الإسرائيلي يجب أن يحل بمفاوضات تنطوي على مبادلة الأرض بالسلام)، كما كان لهذه العلاقة أن مهدت ورتبت الطريق لاعتلاء ياسر عرفات منصة الأمم المتحدة.

في آلية التبادل الاستخباري التي تحكم العلاقات الأمنية كان هدف أبو حسن هو تحقيق الاعتراف الأمريكي -والعالمي من ورائه- بمنظمة التحرير الفلسطينية و بحقوق الفلسطينيين، وهدف (إيمز) لحماية السفارة الأمريكية في لبنان وحماية الدبلوماسيين ، وحماية المصالح الأمريكية، وفي ذهنه قطعا تاريخ أبو حسن القريب في ضرب الموساد وتدمير المصالح الإسرائيلية في أوروبا، وفي ذهن أبو حسن التغطي بهذه العلاقة في حرب الاستخبارات المستعِرة.

لم يكن الموقف الإسرائيلي من العلاقة المتصاعدة ولو بالخفاء بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية ليعجب صناع السياسة في "إسرائيل" ، كما لم يُعجب الدوائر الأمنية التي نشطت في محاولة القضاء على أبو حسن سلامة عرّاب هذه العلاقات النامية، والكاشفة لأكاذيب الطرف الآخر.

إن كشف زيف الرواية الإسرائيلية لأي أمد أصبح جليا نتيجة هذه العلاقة لذا اعتبر المسؤولون الصهاينة أن سلامة قد تجاوز الخطوط الحمراء لاسيما وأن نيويورك قد استقبلته مع الخالد ياسر عرفات[2] كما استقبلته واشنطن هو بذاته لأكثر من مرة، ومن هنا دق ناقوس الخطر، وحاولوا أن يأخذوا الموافقات من الولايات المتحدة على قتله وعندما كانوا لا يتلقون الجواب ، كانت تجري المحاولات الفاشلة المتتالية سواء عبر العميلة أمينة المفتي أو العميل أمين عباس الحاج، أو العميل (س) الذي ما زال حيا يرزق حتى اليوم.

بل وكان مثل هذه العلاقة بين "إيمز وأبوحسن" أن اودت بحياة (روبرت إيمز) ذاته إذ يقول أبوالطيب موضحا: (أعاد التاريخ نفسه، وكما وقفت (إسرائيل) وراء اغتيال الرئيس الأمريكي جون كندي، الذي أصر على وضع مفاعل ديمونة تحت الرقابة لوكالة الطاقة الذرية الدولية، وكما قصفت البحرية الإسرائيلية السفينة التجسسية الأمريكية "ليبرتي"، اغتالت روبرت ايمز(بوب) وزملاءه للقضاء على خطة ريغان للسلام والداعمين لها.) [3]

أبو حسن سلامة قائد حرب الاستخبارات الفلسطينية -الذي مع طاقم (أيلول الأسود)- أرهب الإسرائيليين ودمر مصالحهم هو ذاته الذي كسر محرمات العلاقات ففتحها مع حزب الكتائب اللبنانية،[4] كما فتحها مع الأمريكان فلم يعد مستغربا على رئيسة الوزراء الإسرائيلية "جولدا مائير" (ومن بعدها مناحيم بيغن) أن ينسب لها أقاويل عدة تتمنى فيها التخلص منه بحيث أسموه "الأمير الأحمر" ليس تقديرا، وإنما حقدا وتمنيا أن يشتعل بالنار، وما كان الأمير الأحمر إلا ذاك الرجل الذي كان بحق الثائر الجسور المحب لفلسطين الذي وضع روحه بين راحتيه غير آبه بالمخاطر التي تحيط به في عقلية قدرية مؤمنة بالله والقضاء طالما تميز بها قادة الثورة الفلسطينية عامة.[5]

كتاب الجاسوس الجيد (أوالجاسوس الطيب أو النبيل حسب الترجمة إلى العربية) [6] عن سيرة حياة [روبرت إيمز] الذي بنى العلاقة مع أبو حسن ، يعرض هذا الكتاب للكثير من تفاصيل هذه العلاقة الهامة ومحاولات تجنيده الفاشلة قبل التفكير بها، وسعي الموساد لقتله بموافقة أمريكية حيث يذكر المؤلف (كاي بيرد) أنه (في العام 1978) اقترب مسؤول في الموساد الاسرائيلي من مسؤول كبير في وكالة الاستخبارات الأمريكية في مؤتمر بلندن يسأله إن كان أبو حسن يعمل مع الـ(C.I.A) فلم يتلقى الإجابة ، إلا أنه بعد اغتياله اعتبرت الوكالة أنها أخطأت كما يذكر المؤلف نقلا عن (إيمز) (لأن لا جواب يعني جواب).

قام الكثيرون بتحذير أبو حسن أنه مستهدف، وكان منهم أبو الطيب محمود الناطور مساعده كما الحال من كريم بقرادوني نقلا عن بشير الجميل[7] القادة في حزب الكتائب اللبناني ، بل وحذره (روبرت إيمز) ذاته طالبا منه ولو شكليا أن يوافق على صيغة أنه يتعامل مع وكالة الاستخبارات الأمريكية كي لا يقتل فقال بكل إباء وجسارة ووضوح: (لا)[8].

من شهادة اللواء أبوالطيب

يورد اللواء محمود الناطور أنه: (بتاريخ 12/1/1979م أي قبل استشهاده بأحد عشر يوما استدعاني أبو حسن، فذهبت إليه في منزله، وما أن جلست بجواره حتى أخرج من جيبه ورقة، ودفع بها إلي قائلاً.. إقرأ!! كانت الورقة عبارة عن رسالة من كريم بقرادوني يخبره فيها بأن لديه معلومات مصدرها رئيس حزب الكتائب بشير الجميل تفيد بأن "إسرائيل" سوف تقوم بتنفيذ عملية لاغتياله خلال عشرة أيام. بعد أن قرأت الرسالة وضعتها أمامي وقلت له: لا بد من التعامل مع هذه المعلومة بمنتهى الجدية لأن مرسلها على علاقة وطيدة مع (إسرائيل)، وهو صديق لك.

أجاب أبو حسن: وما الذي تراه..؟

قلت: إن اللجوء إلى السفر خارج لبنان غير وارد، فنحن لسنا بصدد مغادرة لبنان كلما جاءنا خبر حول نوايا الإسرائيليين، فلو سلكنا هذا الأسلوب فلسوف يبقى كل القادة خارج لبنان، لكن الحل الأمثل حسب خبرتي هو تنفيذ الاحتياطات الأمنية بأسلوب "التمويه".. وشرعت أشرح له خطة التمويه) ويضيف في إطار هذا اللقاء (جرى بعد ذلك نقاش حول الخطط التي يمكن أن تلجأ إليها "إسرائيل" لتنفيذ عملية الاغتيال، فاستقر الرأي أنها ستلجأ إلى زرع عبوات ناسفة على الطريق التي يسلكها الموكب مما جعل أبو حسن يقر بتركين السيارات أسفل البناية "ويا ليته التزم بذلك"!! فقد كان أبو حسن "قدرياً" يؤمن بقضاء الله وقدره بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى، فكثيرا ما كنت أذهب وإياه لشراء ملابس، وكنا نشتريها من محلات "جورج" أسفل سينما السارولا، وأثناء رجوعنا من رحلة الشراء كان يقول لي: يا أبا الطيب هل تعتقد أننا سنظل أحياء لنشهد أولادنا عندما يكبرون ونذهب برفقتهم لشراء الملابس؟؟ ثم يجيب هو على السؤال قائلاً: لا أعتقد.. لا أعتقد فنحن مشروع شهادة يا أبا الطيب.. ولهذا لم يفكر أبو حسن يوما في شراء منزل، لقد كانت حياته يوما بيوم.. وعندما كان أحدهم ينتقده لعفويته وتعامله اليومي مع الحياة كان يقول لزوجته: اتركيني أتمتع بهذه الأيام القليلة الباقية لي!!)

أما كتاب الجاسوس الطيب فإنه حين بعرض لمقتل بطل حرب الاستخبارات ضد الموساد وأسطورة (أيلول الأسود) وزعيم قوات الـ17 فإنه يورد السبب الذي يراه العامل الرئيس للتصميم على قتله رغم عديد المحاولات السابقة ، حيث يورد على لسان أحد مسؤولي C.I.A "اعتبر الاسرائيليون أن علاقة سلامة السرية مع الأمريكان كانت الخطوة الأولى لرؤية عرفات في البيت الأبيض ، لقد كانوا يريدونه ميتا لهذا السبب فقط" وفعلا فلقد صعد أبو عمار على منبر الأمم المتحدة عام 1974 ، وفي حديقة البيت الأبيض وقع مع "رابين" (اتفاق أوسلو) بعد ذلك بعشرين عاما.[9]

 

 

 

 

________________________________________

[1] يقول محمود الناطور أبوالطيب في مقال الحلم : "مبادرة ريغان جعلت مناحيم بيغن يقول إنها كالخنجر في خاصرتي. وأصبح روبرت ايمز (بوب) معروفا بأنه المؤيد بشدة لخطة ريغان للسلام التي تعيد أراضي 1967 للفلسطينيين وتبحث بالتفاوض حلا لمدينة القدس." ويضيف "وفقد شارون هيج، الذي عندما علم بان التقارير تصل البيت الأبيض مباشرة، توجه لمقابلة الرئيس ريغان وفي اجتماعهما العاصف لوح هيج بالاستقالة فكان جواب الرئيس ريغان الفوري: قبلنا استقالتك. ضعف هيج وقال: لكنني لم أقدم استقالتي فأجاب ريغان "اعتبرك مستقيلا منذ هذه اللحظة". وكان شولتز قد أعلم بالاستعداد لتسلم الخارجية، فاستلم المنصب فورا."

 

[2] في شهادة أبوالطيب الهامة والمثيرة يذكر (رافق أبو حسن سلامه الرئيس عرفات خلال زيارته التاريخية للأمم المتحدة عام 1974م، وخلال المباحثات الأميركية–الفلسطينية التي جرت بداياتها في فندق "والدورف استوريا" وتم بموجبها التنسيق الأمني المشترك، أوكل الرئيس عرفات إدارة هذه المهمة إليه، حيث ترجم هذا التعاون الأمني خلال الحرب الأهلية في لبنان عامي (1975–1976م))

[3] تم تفجير مقر السفارة الأمريكية في بيروت يوم الاثنين الموافق 18/4/1983م حيث قتل ثلاثة وستون شخصاً هم (32 لبنانياً) و (17 أمريكياً) و (14 من الزوار للسفارة) ومن بين القتلى الأمريكيين سبعة يعملون لحساب وكالة الاستخبارات المركزية على رأسهم (كن هاس) رئيس محطة بيروت، و(بوب ايمز) كبير المحللين في وكالة الاستخبارات، (وجون هاريسون) ضابط الاتصال في السفارة، كما قتلت فيليس فيلاتشي السكرتيرة في السفارة، وجين لويس نائب رئيس محطة المخابرات المركزية الأمريكية في بيروت.

[4] لم تكن العلاقة تلك الفترة مع ما كانت تسمى القوى الانعزالية التي ضمت حزب الكتائب (المسيحي) وحزب الأحرار وغيرهما علاقة سويّة إذ اصطفت الثورة الفلسطينية مع القوى الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط في مواجهة المعسكر اللبناني الآخر.

[5] لطالما كان قادة الثورة الفلسطينية من كافة الفصائل شجعانا مقدامين لا يخافون المواجهة، إلى الدرجة التي استهانوا فيها بأمنهم وبالمخاطرمرددين الآية رقم [51] من سورة [التوبة] (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) ، ومرددين عبارة عبارة أبوعمار الشهيرة في حصار بيروت الأسطوري عام 1982 (هبت روائح الجنة)، أو (ما نحن إلا مشاريع شهادة).

[6] موقع المؤلف "كاي بيرد" http://www.kaibird.com/ واسم الكتاب بالانجليزية Good Spy

[7] الاثنان بقرادوني والجميل من قادة حزب الكتائب اللبنانية

[8]http://www.nytimes.com/2014/07/27/books/review/kai-birds-the-good-spy-and-jack-devines-good-hunting.html?_r=0

[9] يورد أبوالطيب عن روبرت إيمز (بوب) في كتابه حركة فتح بين المقاومة و الاغتيالات التالي حول روبرت إيمز: قررت الحكومة الاسرائيلية الانتقام من (بوب) باغتياله عن طريق تفجير السفارة الأميركية في بيروت يوم 18/4/1983م وللأسباب الآتية:

1. مسؤوليته عن فتح العلاقة مع البيت الأبيض وياسر عرفات منذ سنة 1975م.

2. قيامه بترتيب الزيارة الرسمية لـعلي حسن سلامة إلى واشنطن خلال شهر (12/1976م) بدعوة من جورج بوش الأب الذي كان آنذاك مديرا للمخابرات المركزية الأميركية .

3. إن روبرت آيمز هو الذي أعد للرئيس الأميركي رونالد ريغان مبادرته للسلام في الشرق الأوسط عام 1983 والتي تسلمها عرفات قبل خروجه من بيروت، واعتبر مناحيم بيغن رئيس وزراء (إسرائيل) آنذاك تلك المبادرة بأنها (خنجر ضرب في قلبي).

4. إن روبرت آيمز حصل على نسخة من شريط المرئي=الفيديو الذي صورته شبكة (ABC) عن مذبحة صبرا وشاتيلا والذي يكشف دور القوات الإسرائيلية في تلك الجريمة الإنسانية البشعة، وقام بتسليم شريط الفيديو إلى مناحيم بيغن الذي اتخذ قراراً بوقف العمل السياسي منذ ذلك الحين كون الشريط يفضح وزير الدفاع في حينه أريئيل شارون ويشكل سابقة خطيرة لكتلة الليكود وجماعة اليمين الإسرائيلي، وبموجب ذلك فإن زعماء كتلة الليكود لم يغفروا لروبرت آيمز (بوب) ما فعله، وعليه فقد قتلوه بتفجير السفارة الأميركية وقتلوا معه جميع مدراء محطات المخابرات المركزية الأميركية في الشرق الأوسط والذين كانوا في ذلك الحين متعاطفين مع (م.ت.ف