لا كرامة لنبي في وطنه...ولدى بني قومه (الجزء السابع )
تاريخ النشر : 2017-01-26 01:13

هذا القول استقوفني مرات كثيرا،وفي مناسبات عديدة،ويستوقف اي عاقل في الدنيا حكمة مليئة بالألم والخزن والعتب ( لا كرامة لنبي في وطنه ولدى بني قومه ) قول استخدمه سيدنا عيسى عليه السلام بعد قيام اهل الناصره بالمطالبة بطرده منها،عندما وجد معارضة شديدة بين ابناء بلده وبني قومه،وكذلك سيدنا محمد لاقى ايضا معارضة لا تقل شدة عن معارضة اهل الناصره لسيدنا عيسى عليه السلام،عندما خرج للطائف ليدعو اهلها لإعتناق الإسلام فما كان منهم الا ان قذفوه بالحجارة حتى شج رأسه وقدميه وشكى امره لله.

وبالضرورة في عالمنا العربي نجد للنجاح اعداء كثر،وكما قيل ( الشجرة المثمره تقذف بالحجارة ) وبطبيعة الحال هذه الأقوال تعبر عن الألم والحزن الذى يعتمل صدور قائليها ،لأنه لم يجد ابداعهم التقدير والإحترام اللازمين حتى اقرب الناس اليهم،فيقذفون الناجح بشتى العبارات والجمل وقد تصل حد اتهامه بشيء من سوء تصرفاتهم المعبرة عن حجم غيرتهم من الذين يمارسون هوايتهم النقدية عليه،غيرتهم من قدرته على مسك سبل النجاح المتواصل وفشلهم في الوصول الى الحد الأدنى منه،ولذلك يعمدون الى تشويه سمعته او التقليل من حجم انجازاته ونجاحاته.

وما يؤسف اننا نعيش في مجتمع لا يقدر ولا يشجع الناجح بل يعمل على تقويض نجاحاته والتقليل من شأنها فيرمون صاحبها وينعتونه بشتى الأوصاف واقسى العبارات وهذه صفات المتسلقين والذين لا يرغبون في استمرار نجاحات الناجحين فلا غرابة في مجتمعنا خاصه القروي ان تسود هذه الظاهره وتمتد عشرات السنين فالكثير من الكتاب والشعراء والروائيين والأطباء والقادة السياسيين والثوريين وكما قلنا حتى الأنبياء هوجموا وهم اصحاب رسالة بعثوا لمصلحة الناس وخدمة لهم.

ان مجتمعا احد اهم صفاته انه غير قارىء عدد سكانه ( 300 ) مليون نسمه نسبة الأمية فيه تبلغ ( 35% ) تقدر نسبة النساء من هذه النسبة ( 55% ) ومعدل قراءة الفرد فيه حسب تقرير الأمم المتحده فقط ( 6 ) دقائق في السنه اي ما يساوي ( 4 ) صفحات بنعس وينام،ففي سياق المقارنه بين الدول نجد ان الدول العربيه تنتج في السنه حسب احصائية اليونسكو عام 1991 ( 6500 ) كتاب في السنة وفي امريكا الشماليه انتجت ( 102 ) الف كتاب وفي امريكا اللاتينيه ( 42 ) الف كتاب في السنه واحصائية اخرى تقول ان عدد الأمية في العالم العربي هو ( 60 ) مليون امي، ومن صفاتنا الأساسية عندما يترك الطالب المدرسة يترك الكتاب والقلم،وليس هذا فحسب بل ازدهرت المقاهي وزاد عددها وغدى روادها من الشباب الصغار وحتى البنات اصبحن من روادها ،وغدت الأرجيلة هي البرستيج ومن جهة اخرى تراجع رواد المكتبات وعدد قراء الكتب ومشترينه ومقتنيه،هذه صفات ازدادت كالنار في الهشيم بعد العام 1993،نظرا للإحباط الشديد الذى عم البلاد طولها وعرضها،بعد ان منحت المقاهي الليليه ( كالكافيه شوب ) والروفات التى عمت وطمت.

اذن غرابة ان تزداد ذهنية محاربة النجاح والإبداع انتشارا عند شعوب غير قارئه ولا مثقفه تساق مثل هكذا شعوب كما يساق القطيع بكل سهولة ويسر وما يجري في عالمنا العربي اليوم خير دليل على السقوط الإخلاقي والسياسي وحتى الإنساني،جلبنا التهمة للإسلام بأنه دين ارهاب ودين ذبح وغير انساني وانتشرت على ضوئه فكرة ( الإسلام الإرهابي ) من ممارسة الذين يمارسون بإسم الإسلام ممارسات تسيء اليه وتحقن الناس في شرق الأرض وغربها بأفكار تسيء الينا كعرب والى ديننا الإسلامي،فأوجدنا بكل بساطة ويسر عدوا وهميا للإستعمار كان يبحث عنه بديلا عن الإتحاد السوفيتي سايقا ،وبذلك أستمرت الحرب البارده على الإسلام الإرهابي بدلا من الإتحاد السوفيتي،كل هذا بفعل من الصقوا في الدين تهمة الإرهاب من خلال ممارساتهم المتوحشه وبلا رحمة.

ويمكننا ان نأتي بأمثلة من واقعنا على محاربة الناجحين والتقليل من شأنهم، بين اهاليهم وبلداتهم، وهنا استحضر مثالا من مصر ( منقول ) ( "مجدي يعقوب ".. وبدون ألقاب.

العظماء وحدهم، لا تسبق أسماؤهم أية ألقاب، أما إذا أردنا انعاش ذاكرة البعض فهو: جراح القلب العالمى الحاصل علي لقب "سير" (أعظم لقب إنجليزى)، وواحد من أبرز خمسة أساطين فى عالم الجراحة على مستوى العالم كله، أطلق عليه مؤخرا: "ملك القلوب" و"أسطورة الطب". مجدي يعقوب هو أكثر من " رمز " فبعد أن تعرض في بداية حياته العلمية والعملية للاضطهاد – رغم نبوغه وتفوقه – لا لشئ إلا لمجرد أنه " قبطي "، وقرر ترك مصر كغيره من الكفاءات المضطهدة في مختلف المجالات، عاد إلي وطنه وأنشأ "المركز العالمى الخيرى للقلب" في مدينة أسوان، ليقدم خدماته وخبراته بالمجان للفقراء المعدمين من المصريين.

لكن أعداء النجاح والوطن لم ينسوا أنه " مجدي يعقوب "، ولابد من مكيدة جديدة (لتطفيشه) خاصة وأن "الوصفة" جاهزة دائما، إذ يكفي أن تغلف أي اتهام تجاه الآخرين (المختلفين في العقيدة) بصبغة دينية حتي تمرر الأكاذيب والافتراءات، وأنت واثق وضامن مقدما أن يتبعك القطيع المغيب عقليا والمهووس دينيا، فقد تفتق ذهن بعض أطباء أسوان (للأسف) عن أن مجدي يعقوب يستخدم " صمامات الخنازير " في عملياته الجراحية، أما أحدث التهم فهي أن الرجل أستولي على أرض المستشفى العام وأحضر أطباء من الخارج لكي يجري تجارب محرمة على قلوب المرضى المسلمين!

هذه الاتهامات الخطيرة لرجل في قيمة وقامة مجدي يعقوب هي أشبه " بالحدث "، الذي يجب أن نتوقف أمامه طويلا، لأنه يفتح الباب أمام (أحداث) مأساوية أخري قادمة ).

وكذلك يمكننا ان نأتي بأمثلة اخرى عن الناجحين والذين لم يجدوا تقدير واحتراما لمكانتهم ولدورهم في بلدهم بل وجدوه في اماكن اخرى غير بلدهم ك ( خليل اعجاق ) الملقب ( ابو ابراهيم الكبير ) وبالتأكيد لو سألت احدا من اهل بلده من هو ( خليل اعجاق ) لن تجد من يعطيك جوابا رغم دوره ومكانته في تاريخ شعبنا الفلسطيني ونضاله العظيم وكذلك

( ابراهيم بكر ) المحامي القدير وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينيه ودوره العظيم في اسقاط حلف بغداد وفي نجاح القوى الوطنية في الإنتخابات البرلمانيه عام 1956 وتشكيل حكومة سليمان النابلسي الوطنية،وما يقول عنه سجن الجفر الصحرواي في عهد الأردن،فكل زاوية في الأردن تعرفه وتهابه، وكذلك من القادة العظام لهذه البلدة الصامدة

( الشيخ عبد الفتاح زبن ) الذي قاد ثور ( 1936_1939 ) في منطقة رام الله وغرب النهر،وحارب الإنكليز بعزم حديدي قاتل وقتل اشهر قادة الإنجليز المدعو ( اندرسون ) ومعركة شعفاط الذى قتل فيها ( 14 ) من الصهاينة،وتوقفت بعد تدخل ( كلوب باشا ) القائد الإنجليزي في الجيش الأردني ، دخل الثورة فقيرا وخرج منها فقيرا،قدرت دوره ونضالاته بلدية رام الله فأطلقوا على احد شوارع مدينة رام الله مشكورين اسم( الشيخ عبد الفتاح زبن ) ،واما بلده نسيت حتى اسمه واسم خليك اعجاق وابراهيم بكر.

اليوم لا يعرفهم احدا من اهالي بلدتهم خاصه الصغار منهم كنتيجة طبيعية لإغفالهم وإهمالهم وتعرضهم للتهميش ربما المقصود فمن لا يعرف هؤلاء لا يمكنه ان يعرف بلدته،وان سقطت اسماؤهم من صفحات تاريخ شعبنا الكفاحي تكون صفحات التاريخ ناقصة.

النتيجة التى نخرج بها هناك من يحارب النجاح ويقف ضده ويشوهه ويقزمه ولا يعترف به او على اقله يقلل من شأنه،فالناجحون يحملون اعباء كبيرة على اكتافهم وهناك نقيضهم الذى يحاربهم هكذا هي الدنيا.

وهنا اود سرد قصة في عام 1978 كلفت انا والمختار عزيز حميده بالسفر الى دول الخليج لجمع تبرعات لصالح شبكة مياة في البلد نجحنا في ذلك بعزم ونشاط غير محدود من الأخ

( حسن سليمان ابو ايمن )،ونجاحنا جلب للبلد مشروع مياه وتعبيد شوارع وكهربة الشوراع وبناء غرف صفيه لمدرستي الذكور والإناث على حد سواء،ومصاريف شهرين كانت غير متوقعه ( 178 دينار تذاكر طائره و39.5 دينار مصاريف في الأردن ) هذه مصاريف شهرين وغيرها لا شيء كنا في ضيافة الدولة بفضل السيد (حسن سليمان )وعند عودتنا الى عمان طلبت من الأستاذ ( ابراهيم بكر ) ورقة بيضاء سألني عن السبب قلت لا نستطيع حمل دفاتر الإصالات على الجسر ولذلك ساكتب تقريرا نرسله لأمريكا ومن هناك يحمله احد القادمين الى البلد لنقديمه للمجلس ،كان جوابه لي لو عدت الى البلد وبعت اراضي ابوك ووضعتها فوق المال الذى جمعتموه من التبرعات سيقال عنكم انكم سرقتم فارح نفسك من هذا التعب،ولذلك لم اكتب تقريرا بل قدمت التقرير من واقع نشاطنا المفاجأه كانت ان لا احد من الأعضاء صدق هذا الكلام تعرف ذلك من نظراتهم ولم ينطق احدا منهم ولو كلمة واحده، شهرين وبس ( 178 تذكرة طائره و39.5 مصاريف في الأردن ) هذا هو مجتمعنا وسنبقى على هذا الحال الى ان تتغير ثقافتنا البالغ عمرها الاف السنين ولم تتقدم.

واذكر حينها انني استدنت مبلغ ( 50 ) دينار اردني لشراء بدلة لمقابلة المسؤولين بناء على انتقاد وجهة لي على لبس السبورت،وقمت بسداده بعد سنوات وبالتقسيط المريح،ثم عندما عدت الى وظيفتي بعد غياب شهرين تعرضت للفصل من عملي الوظيفي لولا رؤساء البلديات حينها حموني من ذلك ثم اضطررت لأخذ قرضا قدره ( 200 ) دينار لقضاء حاجاتنا للصرف على عائلتي.

ورغم ذلك الناس لا ترحم ولديها استعداد لإتهامك ومحاكمتك في غيابك بناء على اعتقادها السلبي كل ذلك بفعل غيرتها من النجاح،ولذلك ( لا كرامة لنبي في وطنه...ولدى بني قومه )

فبلدة لا تفتخر بأبنائها لا يمكنها ان تحترم النجاح والإبداع والدور والمكانة لمثل هؤلاء ولا يمكنها احترام الكتابة وهي احد اهم اشكال تعبيرات الوعي،فقد قال احد الشعراء ( لا عيب لي غير اني من ديارهم.....وزامر الحي لا تشجى مزامره)

هذه كلمة اوجهها لمن ينشط الأن من اجل بلده في امريكا اعمل ولا تلتفت لهؤلاء الناس الذين لا هم لهم غير التعطيل والتقليل من النجاح.