أم الحيران نكبة جديدة أم مواجهات متجددة؟
تاريخ النشر : 2017-01-24 18:53

في مثل هذه الأيام منذ خمسين عاما، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية يومذاك ليفي أشكول، في جلسة للهيئة العامة للكنيست عن خطة لإنهاء الحكم العسكري الذي فرض على ما تبقى من مواطنين فلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب منذ أيام الاحتلال الأولى وإعلان قيام الكيان الصهيوني في مايو/أيار من العام 1948، وذلك كنوع من ضمان الهيمنة على المكان الفلسطيني والسيطرة على إنسانه.

ورغم ذلك استمرت سياسات الهيمنة العسكرية الفاشية، ومخططات السيطرة الدائبة عبر التطهير العرقي والعنصرية والعزل وإقامة الجدران، واستخدام أقسى وأقصى الأساليب عنفا وهمجية، وها هي أجواء وسرديات النكبة، تتكرر مرة جديدة في العديد من الأماكن، وما جرى في قرية العراقيب النقبية وتدمير بيوتها أكثر من مائة مرة، وما جرى ويجري على امتداد الأرض الفلسطينية من تدمير للممتلكات وهدم للبيوت، سوى السياسة العسكرية إياها التي لم تنته بإعلان أشكول انتهاء الحكم العسكري.

وها هو نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الحالية، يعتبر ما جرى في قرية أم الحيران غير المعترف بها، من تدمير لبيوتها وقتل أحد أبنائها، وبأدوات عسكره وشرطته، عملا يقوي ما أسماه "عزيمة إسرائيل"، حين اعتبر مقتل الشرطي الإسرائيلي دهسا جريمة إرهابية، بينما لم يأت على ذكر ما قامت به قواته من قتل وجرح العديد من أهالي القرية، ليدّعي في أعقاب هذا كله، أن "إسرائيل دولة قانون"، قانون أحتلال إحلالي، يحاسب صاحب المكان، لا الذي يحتل هذا المكان بقوة سلاح الأيديولوجيا الإلغائية، عبر سرديات الخرافة والأساطير الزائفة، وسلاح العنف والإرهاب الذي يقف خلفه عقلية لا ترى بالفلسطيني صاحب المكان، سوى الخطر الوجودي المجسد، والخطر الأمني الماثل اليوم وغدا، وكما كان في الأمس، طالما أن "يهودية الدولة" لم تتحقق، بفعل قوة الحضور الفلسطيني الممسك والقابض على جمر هويته الوطنية، وتطويره مجتمعا وطنيا متماسكا نسبيا، على الرغم من محاولات التشتيت والتفرقة والتمييز والسلخ الطائفي المتواصل، منذ جرى اختراع الدرزية ليس كطائفة، بل كقومية مزعومة، فيما تجري محاولات حثيثة أخرى لسلخ مسيحيي فلسطين عن شعبهم وتجريدهم من هويتهم الوطنية، لإدماجهم في مجتمع الإسرائيليين، ومن ثم إجبارهم على التجنيد في جيش الاحتلال، وآخر تلك المحاولات تقديم إغراءات مادية لتسجيل المسيحيين الموارنة كقومية آرامية، وإلحاق المسيحيين الآخرين بتلك القومية المخترعة.

وهكذا مثلما جرى اختراع القومية اليهودية والشعب اليهودي، في نوع من الهندسة الجينية التي هيمنت على جغرافيا وديموغرافيا الوطن الفلسطيني، يجري اليوم تكرار تلك المحاولات الدؤوبة لتصوير كيان التجمعات اليهودية الصهيونية في فلسطين، وكأنه مجتمع تعددي متنوع المذاهب والطوائف والأعراق؛ وتلك قمة الزيف الكولونيالي والتوظيف الاستعماري للوجود الصهيوني في فلسطين.

وإذا كانت جرائم الاحتلال الإسرائيلي لم تتوقف عند حدود بعد، منذ إعلان الكيان الصهيوني في العام 1948، فها هي جرائم الاحتلال على امتداد أرض فلسطين التاريخية تتواصل، وكأنها تملك جرعات الاندفاع الأولى للهيمنة على كامل فضاء المكان الفلسطيني وتشريد أصحابه، وما جريمة أم الحيران الكاملة ومن قبلها العراقيب ومناطق أخرى في القدس والضفة الغربية، سوى محاولة تكرارية لتمثيل نصف نكبة جديدة، بعد مضي ما يقارب السبعين عاما على ارتكاب النكبة شبه الكاملة في المرة السابقة، وحتى اليوم لم تجد من يعاقب كيان الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه الموصوفة.

هي محاولة أخرى لوصل النكبة الأولى بأشتات من نكبات جديدة، يجري من خلالها استكمال ما بدأه هذا الكيان الغاصب، الأمر الذي يحتم مواجهة شاملة تخترق حواجز المستحيل، في استعادة الوحدة الكفاحية لألق الكفاح الوطني التحرري لكامل قطاعات الشعب الفلسطيني في كامل أرض فلسطين التاريخية، في مواجهة عدو لا يساوم على أهدافه ومنطلقات احتلاله الأولى، ولا يفرق بين المكان الفلسطيني هنا والمكان الفلسطيني هناك، ما يستدعي تلك الضرورة الكفاحية في وصل ما انقطع بين الفلسطينيين في كامل أرض فلسطين التاريخية وفي الشتات؛ فليس الفلسطينيون أقل من عدوهم إجادة وبراعة في تكتيل قواهم وتوحيد جهودهم وإطلاق لغة التمرد والمواجهة والثورة على واقعهم المزري