رؤية في النظام الإنتخابي المحلي في القائمة المغلقة والمفتوحة
تاريخ النشر : 2017-01-23 14:16

تعتبر الإنتخابات تعبير عن النظاام السياسي الذي تتبعه الدولة، حيث يحدد النظام الإنتخابي للدولة حسب ما تريد تحقيقه من أهداف في نظامها السياسي، و الرؤية الكلية التي تتطلع إليها في بناء مؤسساتها وتقديم خدماتها لأفرادا الشعب .

فالنظام الإنتخابي هو التعبير عن ممارسة الديمقراطية التي يقوم عليها من خلال حق أفراد الشعب في إختيار ممثليهم، والمشاركة في صناعة القرار ، والعمل على تحسين الخدمات التي يحتاجونها، لذا كلما كان النظام الإنتخابي أكثر تعزيزاً لمشاركة أفراد الشعب في إختيار الناخبين سيكون الأقرب في توفير الخدمات والحاجات التي يتطلعو إليها، وأكثر نجاحاً في اختيار القيادات الفاعلة لهم، التي ستعمل لأجل الصالح العام  .

إختيار النظام الإنتخابي المحلي بأي نوع من القوائم، يحتاج لتخطيط مسبق، ومعرفة أهم الأهداف التي يراد تحقيقها من ورائه، ووضع الرؤيا العامة التي تسعى الدولة لتحقيقها من خلال مؤسساتها .

فأي نظام إنتخابي يحتاج لعدة معايير وعناصر ليقوم عليها، حيث يبدأ من إعداد سجل الناخبين وتسجيلهم وإحصائهم، ليتبع بعد ذلك الخطوات الأخرى المتعلقة بكل لنظام ، فيحتاج لتحديد طبيعة ورقة الإقتراع، وما يحتوي بها من معلومات حسب النظام، ومعرفة كيفية الإنتخاب، وكيفية الترشح، وكيفية معالجة الإخلال بالنظام، والجرائم الواقعة في الإنتخابات، وتحديد كيفية إدراة الدعاية الإنتخابية، وكيفية فرز الأصوات ومعرفة الفائزين، و تشكيل المجالس المحلية، وتوزيع مقاعدها، وغير ذلك من أمور مهمة في تصميم ونجاح النظام الإنتخابي .

وعندما يقوم النظام الإنتخابي على نظام القائمة المغلقة في التمثيل النسبي، فهو يحدد الأعضاء المرشيحن في قائمته، دون تدخل من الناخبين في الترتيب الذي فرض من الحزب التابع للقائمة، ففي هذه الحالة يتحكم الحزب في توزيع مرشحيه، فيضع في رأس القائمة أو أسفلها من يشاء  بحسب تطلعات الحزب، حيث من في أعلى القائمة يحصل على المناصب العليا والقيادة ومن في أسفلها لعله يبقى مجرد تمثيل شكلي، فالفوز في الإنتخاب بالقائمة المغلقة يتحدد بناء على الترتيب التسلسلي الذي حدد في الحزب، وليس على عدد الأصوات لكل مرشح، وهذا لا يعزز مشاركة الناخبين وحريتهم في اختيار ممثليهم، بل يفرض عليهم إلزامياً ، وفي كثير من الأحيان لا يستطيع الناخب أن يعرف الشخص المرشح، ولا شيء عن تاريخه ومدى فاعليته في العمل، حيث يُمنع عليه التدخل في ترتيب القائمة أو إعادة ترتيبهم بناء على تفضيله ومعرفته للمرشحين، كما يُمنع عليه الإختيار من قوائم أخرى، كون النظام الإنتخابي يقوم على القائمة المغلقة، لذا يبقى برنامج الحزب المطروح للقائمة هو من يشجع الناخبين في إختيار القوائم أو الإنتماءات الحزبية .

ونظام القائمة المغلقة سوف يسمح بتعزيز دور الأحزاب الكبرى التي تحصل على أعلى الأصوات في إنتخابها بالتحكم في الإدراة المحلية، ويمنع حظ الأحزاب الأخرى الصغيرة في المشاركة بصورة أفضل، كما يحجب عملية المشاركة والإندماج في العمل بين المرشحين،  فيقتصر العمل في إدارة المجلس المحلي على مجموعة معينة من حزب واحد أو حزبين، ولا يستطيع غيرهم من المرشحين من أحزاب أخرى، أن يساهموا في تفعيل العمل المؤسسي والخدماتي في الإدراة المحلية والبلديات .

ومن حسنات هذا النظام أن ثقافة المجتمع إذا كانت ترفض مشاركة المرأة أو الأقليات، فإنه يستطيع أن يضع هذه الفئات بأعلى القائمة، ليشجعها على المشاركة والإندماج في العمل المؤسسي العام، كما يستطيع أن يضعها في أسفل القائمة فقط ليكون التمثيل شكلي لها، أو تحظى فقط بدور بسيط بالعمل، فثقافة المجتمع العام هي من تحدد مدى نجاح هذه الفئات أو فشلها، ولكن على الأقل نظام القائمة المغلقة يضمن فوزها بالإنتخابات .

أما النظام الإنتخابي القائم على القائمة المفتوحة، فهو يقوم على السماح للناخبين في إختيار ممثليهم بحرية أكبر،  وترتيبهم بقائمة خاصة تفضيليه، حيث يسمح بإختيار مرشحين من قوائم أخرى فيشكل بمن يشاء ويفضل منهم، أو أنه يعيد ترتيب القائمة التي يفضلها حسب رؤيته للمرشحين عليها، دون التقيد في ترتيب الحزب التابع للقائمة، مما يدعو ذلك أن تختلف العناصر الخاصة بالعملية الإنتخابية، من حيث طريقة الترشح، وفرز الأصوات، وتوزيع المقاعد، واجراء الدعاية الإنتخابية، ومتابعة قضايا الإخلال بالإنتخابات، وعدم الإلتزام بالإجراءات، سواء من الناخبين أو المرشحين، كما يحتاج هذا النظام لورقة إقتراع خاصة به، تكون أكثر معلومات وبيانات عن المرشحين، و تصمم بشكل يفتح المجال للترتيب والتشكيل الجديد، وعملية إختيار مرشح جديد لشاغر ستختلف، كذلك المحافظة على الأمن داخل الدوائر، وممكن إختلاف تقسم الدوائر الإنتخابية، وتوفير أوراق للإقتراع وصناديق، وكيفية المحافظة على حقوق الأميين و وأصحاب الحاجات الخاصة، وغير ذلك من أمور تطرأ في عملية التطبيق للنظام  .

من الواضح أن النظام الإنتخابي القائم على القائمة المفتوحة، يعطي مجالاً أوسع وأكثر حرية للناخبين في اختيار مرشحيهم، والمعرفة بهم، و قرباً لإحتياجاتهم، و تعزيزاً للمشاركة بين المرشحين، فلا يقتصر على ترتيبهم الحزبي، بل يتنوع الفائزين والأعضاء المشكلين لمجلس الإدراة المحلي والبلدي من مختلف الأطياف والأحزاب السياسية .

فهذا النظام يحتاج لوعي وثقافة واسعة بمفهوم الديمقراطية وتقبل الأخر، حيث يعتمد على المشاركة والتعاون بين المرشحين مهما اختلفت أطيافهم السياسية، ولا يركز على مرشحي حزب واحد أو أكثر ، فيسعى نحو تعزيز المشاركة السياسة وانفتاحها ، وإعطاء الفرصة للأحزاب كلها لتصل إلى السلطة، وتمكينها من ممارسة دورها، كما يعزز أن تكون البرامج الإنتخابية قريبة ومبنية بناء على متطلبات وحاجات المجتمع وأفراده، ويعزز التنافس بين الأحزاب والمرشحين بصورة فردية، سواء بنفس القائمة أو القوائم كلها، كما يحتاح لوعي ديمقراطي في المجتمع بشكل عام، وجمهور الناخبين، لكي يتقبل الناخب إختيار من غير حزبه لممثلين لحاجاتهم وخدماتهم .

فإذا أردنا تعزيز مفهوم الديمقراطية، وتطوير النظام السياسي، وتفعيل المؤسسات العامة ونجاحها، علينا أن نبدل النظام الإنتخابي المحلي من نظام يقوم على القائمة المغلقة في التمثيل النسبي، إلى نظام القائمة المفتوح، ويجب أن تحدد الأهداف والرؤيا العامة من وراء ذلك، والعمل على بث الوعي الثقافي بفهوم الديمقراطية الحقيقية، وتقبل الأخر، وتعزيز مفهوم المشاركة الفعلي في الحياة العامة، و إحتساب كافة التكاليف المادية والجهد المبذول باتباع نظام القائمة المفتوحة، ووضع موازنة مناسبة تدعم نجاحة، و توفير الطاقم المساند للعملية الإنتخابية، والمدرب على كافة المعايير الجديدة للنظام، وتحديد أهم القضايا والمشكلات والجرائم التي متوقع حدوثها، ووضع الإجراءات القضائية، والمحكمة الخاصة بجرائم الإنتخابات .

فالنظام الإنتخابي يعبر عن الدولة ومدى تفوقها في ممارستها للديمقراطية الحقيقية، وتعزيزها لمشاركة جميع مواطنيها في صناعة القرار وتأثيره، ووضع البرامج الخدماتية والمشاريع التطويريه، فالدول المتحضرة تبني سياساتها العامة، وبرامج وأهداف مؤسساتها، بمقترحات مواطنيها ومبادراتهم ومشاركاتهم، فكيف بالعملية الإنتخابية التي هي أساس التمثيل والتأثير، فلا يمكن فصل المجتمع وأفراده عن العملية الإنتخابية .

فكلما كان الممثلين من اختيار ناخبيهم، سيكونوا فاعلين نحو العطاء والعمل الجاد وخدمة المجتمع بشكل عام، بعيداً عن تحيزات حزبية وعصبية، وكلما أثبت المجتمع وعيه الديمقراطي، ونجاح مؤسسات، ونظامه السياسي العام  .