العقل السليم
تاريخ النشر : 2017-01-18 10:15

عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ميزه بالعقل، وبين وظيفة العقل بالتأمل والتدبر والتفكير الذي نتيجته العلم والمعرفة والوصول إلى حقائق الأشياء.

وعندما بعث الله الرسل والأنبياء لهداية الناس والإيمان بالله، طلب منهم أن يستعملوا عقلهم ليكون إيمانهم بالله إيمانا يقينيا لا تبعا لأحد.

كما طلب الله من البشر أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض وفي خلق أنفسهم حتى يزدادوا إيمانا مع إيمانهم، رغم أن الله سبحانه وتعالى بين للناس الكثير من أمور دينهم ودنياهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على امتلاك الإنسان لحريته في اختيار طريقه ونهجه في الحياة، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولكل طريق نهايته التي سيصل إليها الإنسان، وليس الله بظلام للعبيد، فالإنسان هو الذي يحدد مصيره من خلال تفكره وتدبره وتأمله.

إذا كانت هذه هي علاقة الإنسان مع الله خالق الكون بكل ما فيه والعالم بكل حركاته وسكونه، فلماذا تخرج علاقة الإنسان بالإنسان من علاقة العقل والتفكير إلى علاقة العبودية والانصياع باعدام العقل وإلغاء التفكر والتدبر والتأمل، لماذا تكون علاقة الإنسان بالإنسان علاقة مغلقة على ذاتها على نقيض علاقة الإنسان مع الله المفتوحة بكل اتجاه، حيث يصبح الإنسان أسير إنسان آخر نتيجة العلاقة الاجتماعية أو التنظيمية والحزبية ، فيلغي الإنسان عقله ويريح نفسه عبء التفكير والتأمل والتدبر، ما دام هناك من يفكر عنه ويخرج بأفكار و رؤى تجعله مؤمنا بها رغم نقيضها مع ما آمن به من نظرية وعقيدة وفكر وفلسفة، وهذا يظهر جليا واضحا في العلاقة الداخلية للأحزاب والتنظيمات والتجمعات والقوى داخل المجتمع، حيث يدافع أعضاؤها عن أخطاء وخطايا قادتهم لكون القادة لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم، فكل تصرفاتهم في نظر تابعيهم تصرفات سليمة لأنهم لا ينطقون عن الهوى لكونهم آلهة داخل أطرهم التنظيمية، وهذا ما يؤدي إلى بروز مبدأ المعاداة الذي يقول من ليس معنا فهو ضدنا، وهذا يؤدي إلى تقويض وحدة المجتمع الذي يسيطر عليه شخص واحد يرفض وجود الفكر الآخر الذي يعتبره تيارا مضادا يجب القضاء عليه، ومن هنا تولد الانقسامات والانشفاقات والصراعات الداخلية في مقابل إضعاف الصراع الحقيقي مع العدو الخارجي الذي ربما يصبح حليفا للإله البشري انطلاقا من تمسك هذا الإله بعرشه الدنيوي والمحافظة عليه لتحقيق مكاسب شخصية تتعارض مع المصلحة العامة للمجتمع.

فمتى يعود الإنسان إلى إنسانيته التي منحها الله حرية التفكر والتدبر والتأمل لتمارس نهجا سليما في بناء المجتمع، فالعقل السليم في المجتمع السليم، والمجتمع السليم هو الذي يتعاون أفراده على البر والتقوى فيما بينهم.