متى يضحك المصريون؟
تاريخ النشر : 2014-02-20 10:22

بلغت درجة تقديس القدماء المصريين للنكتة أنهم جعلوا لها إلها وزوجوها لإله الحكمة. وهذا هو بالضبط التفسير الأقرب لارتباط النكتة لدى المصريين بالتعبير عن موقفهم من الحياة بكل تفاصيلها، وإذا ما تراجعت النكتة فى المجتمع المصرى وسادت روح الاكتئاب فإن هذه علامة خطيرة على أن الأزمة كبيرة. مثل هذه الأجواء كانت قد سيطرت على مصر فى الأشهر الأخيرة لحكم الإخوان، عندما أصيب المصريون جميعا، عدا قلة، بحالة حادة من الاكتئاب كان يمكن أن نلمسها بين المصريين داخل مصر وخارجها.

الضحكة على وجه المصرى الأصيل تبدو كأنها محفورة، عمرها من عمر بدء حضارتهم، الضحكة على الوجه تخفى خلفها تفاصيل حياة بشقائها وحلوها ومرها. وقد استخدم المصريون منذ القدم سلاح الضحكة والنكتة فى مواجهة كل الصعوبات الحياتية، خاصة الاقتصادية والسياسية. مصر رغم غناها البشرى والثروة الطبيعية لم تعش كثيرا فى حالة يسر اقتصادى، بل واجه أهلها أو قطاع كبير منهم صعوبات اقتصادية، وفى مجال السياسة فإن علاقة شديدة الخصوصية والتعقيد ربطت المصرى بالسلطة السياسية، وهذا جدير بحديث آخر فى وقت آخر، هذه العلاقة دفعت المصرى لأن يبحث عن وسائل مختلفة يعبر بها عن مواقفه التى لا يأمن أن يعبر عنها بوضوح وصراحة، كما هو يقاوم ظرفه الاقتصادى الصعب بالضحك عليه واختلاف النكات عن صعوبات حياته.

نظريات علمية حاولت تفسير ظاهرة النكتة، إحداها تعتبرها فرعونية الأصل، فيقال إن المصريين القدماء اعتقدوا أن العالم خلق من الضحك فحين أراد الإله الأكبر أن يخلق الدنيا أطلق ضحكة قوية فظهرت السماوات السبع، وضحكة أخرى فكان النور، والثالثة أوجدت الماء إلى أن وصلنا إلى الأخيرة خلق الروح، وظهرت فى البرديات رسوم كاريكاتورية وعلى قطع الفخار أيضا تنتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية احتفظت بها متاحف العالم، واستخدم المصرى القديم الحيوانات للسخرية من خصومه السياسيين.

لم يستطع من احتل مصر على مر العصور مقاومة النكتة المصرية، الرومان عندما احتلوا مصر حرموا على المحامين المصريين دخول محاكم الإسكندرية لأنهم كانوا يسخرون من القضاة الرومان ويهزأون من ضعفهم فى تحقيق العدالة، فاستخدموا النكتة والقافية للدفاع عن السجناء السياسيين.

عندما جاء الاحتلال العثمانى لمصر كانت السمة الغالبة عليهم الغطرسة والتوتر، وما ميز أشكالهم الكروش الكبيرة التى وضعت عليهم مسحة من الكسل وضيق العقل، فسخر المصريون من (نفختهم الكاذبة). فيقول الجبرتى فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»: لقد نكت المصريون على الباشا التركى وحولوه إلى أغنية لحنوها ورددوها «يا باشا يا عين القملة مين قال لك تعمل دى العملة ويا باشا يا عين الصيرة مين قال لك تدبر دى التدبيرة»، وجاء ذلك كرد فعل على قسوة الأتراك وتعاملهم الفظ مع المصريين كعبيد.

أطلق المصريون (قفشاتهم) اللاذعة التى نالت من المحتل الفرنسى والتى كانت تنال من خلاعة ومجون جنود الاحتلال، فانزعج نابليون بونابرت من سخرية المصريين فأمر أتباعه بإلقاء القبض على من يطلق النكات على الفرنسيين، لتكون النكتة لأول مرة فى التاريخ جريمة يعاقب من يرتكبها بالقتل أو الضرب.

أبدع المصريون فى كيفية تفجير النكتة السياسية، فالمصرى تبدأ ثورته عندما تعجز الفكاهة عن تحمل الواقع، فعندما يتوقف المصريون عن التنكيت فهذا نذير غضب سوف ينفجر سريعًا، وهذا ما حدث وقت حكم الإخوان، بدا وكأن المصرى يفقد سلاح مقاومته للواقع وعجزت كل الضحكات عن أن تجعله يصبر على قسوة ومرارة الواقع الذى كان يعيشه، فخرج ليطيح بهم ويستعيد مصيره، ويستعيد قدرته على الضحك كسلاح لا يسقط من يد المصرى على مر العصور.

عن المصري اليوم