مؤتمر باريس في التوقيت الدولي الملتبس تبرئة ذمة من عجز في زمن اللاحلول!
تاريخ النشر : 2017-01-17 10:23

بدا لافتا بالنسبة الى أوساط سياسية مراقبة انعقاد مؤتمر باريس يوم الاحد المنصرم حول النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، في توقيت وشكل ملتبسين، ولو شاركت فيه 70 دولة. يسلط المؤتمر الضوء على قضية لم تعد منسية، إنما تصدرتها اولويات اخرى في ضوء الانهيار الذي ضرب الدول العربية بحيث غدت القضية الفلسطينية في آخر الاولويات، اذا صح انها لا تزال من ضمن هذه اللائحة. كما أنه يظهر ليس فقط طبيعة الدور الذي تستمر فرنسا تطمح الى أدائه فحسب، بل في واقع ان فرنسا قد تكون وحدها من دون سواها من يولي هذه المسألة الاهمية التي تعبر عنها، بغض النظر عن قدرتها على دفع الامور قدما في هذا الموضوع ام لا على اي مستوى كان. التوقيت الملتبس مرتبط بواقع حصول المؤتمر عشية مغادرة ادارة اميركية البيت الابيض وحلول أخرى مكانها، كما بواقع وقوف فرنسا على ابواب الانتخابات.

وليس واضحا اذا كان إيلاء هذا الموضوع الاهمية التي أولتها باريس لمؤتمر حول النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي يدخل الى حد ما في باب الحملات الانتخابية، ام انه الارث الذي ينوي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تركه في ظل اهتمام واضح له بشؤون المنطقة وشجونها وإصراره على إبرازه حتى في الاشهر الاخيرة، خصوصا انه تحرر من موضوع ترشحه بحيث يمكن ان يسجل له او لفرنسا متابعة ايلاء هذا الموضوع الاهمية. لكن الادارة الاميركية المغادرة التي حضرت المؤتمر وايدت بيانا يؤيد حل الدولتين، سبق أن صرح رئيس ديبلوماسيتها جون كيري قبل اسبوعين تقريبا ان هذا الحل بات في خطر شديد بعدما كان سبق له ان اعلن في 2014 حين كانت آخر محاولات له من اجل اعادة تحريك المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، أن هذا الحل يمكن ان يكتب له النجاح من ضمن مهلة قريبة فقط وليس مفتوحا الى أمد غير محدد في الوقت الذي تخشى مصادر ديبلوماسية ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بات في مكان اخر بعيدا مما هو متداول حتى الان على المستوى الدولي. يضاف الى ذلك أن الادارة الجديدة التي يستعد رئيسها لتسلم منصبه نهاية الاسبوع الجاري، تقف موقفا داعما للمستوطنات الاسرائيلية، وهو اتخذ موقفا مناقضا لامتناع ادارة سلفه باراك اوباما عن استخدام الفيتو في إدانة بناء اسرائيل المستوطنات الاسرائيلية، معلنا نية الدعم الكامل لاسرائيل من جهة، وملوحا بنيته نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس. ووفقا للتحذير الذي أطلقه وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت من هذا الموضوع تزامنا مع انعقاد المؤتمر، لا تستبعد الاوساط السياسية المراقبة ان يكون المؤتمر بمثابة محاولة التفاف على احتمال مضي الادارة الاميركية في هذا المسار وتنبيهها مسبقا الى مخاطرها من خلال ابراز وجود تكتل دولي كبير يتعين على ادارة ترامب تجاوزه او اثارة خلافات محتملة معه حول هذا الموضوع. وهذه النقطة لا تبدو ذات قيمة من جهة أخرى إذا أخذت في الاعتبار المواقف التي اطلقها حتى الان الرئيس الاميركي المنتخب، والذي ذهب الى حد اثارة مخاوف دول حلف شمال الاطلسي وانزعاجه في قضاياهم قبل ازعاجهم في قضايا او مسائل دولية أخرى.

 

الثغرة الكبيرة المتصلة بالمؤتمر هي عدم حضور الفلسطينيين والاسرائيليين المؤتمر، وهو من جهة بمثابة عرس من دون العريس والعروس، بحيث اقتصر حفل الزفاف على حضور المشاركين من دون أهل الحل والربط. وفقا لتعبير ديبلوماسي عربي يقول انه لم يفهم مغزى المؤتمر وإلامَ يؤدي، يخشى ألا يتعدى إطار تبرئة الذمة الدولية من مراوحة او استنقاع لموضوع الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي من دون القدرة على التحرك فيه قيد انملة. وعدم حضور الجانبين المعنيين أمر غريب وغير معهود ولا يتوقع له أن يلقى الاستحسان او التقدير، ولو انه حصل عليه من جهة الفلسطينيين وحدهم، باعتبار انه اعاد تأكيد ما يطالبون به، علما ان موافقة طرف لا تكفل النجاح لاي مؤتمر.

فإذا كان في المسألة إحراج لاسرائيل وفقا لما كان القرار الدولي الرقم 2334 الذي دان المستوطنات الاسرائيلية لكن من دون اي مفاعيل عملية، فإنه يفترض توقع مزيد من ادعاء الشكوى الاسرائيلية من جهة وفق ما عمدت الحكومة الاسرائيلية، في حين انها تعرف ان المؤتمر من دون مفعول عملي لكن ربما يعطي المطالب الفلسطينية شرعية، اضافة الى تشدد حكومة بنيامين نتنياهو وتحالفاته في الحكومة من جهة اخرى. اضف الى ذلك تبرير وزير الخارجية الاميركية المغادر بعد يومين، انه حضر من اجل تأمين مرونة البيان من اسرائيل تعويضا للموقف الاميركي في مجلس الامن الدولي الذي لم يستخدم الفيتو لمنع ادانة المستوطنات، كما ان بريطانيا تحفظت ايضا عن جزء من البيان.

لم يكن هناك اي اوهام ان المؤتمر يمكن ان يأتي بأمر مختلف، علما ان حل الدولتين قد يكون غدا غير مناسب وغير قابل للتطبيق خصوصا في ضوء الواقع الذي يفيد بانه اذا كانت اسرائيل في ظل نتنياهو ناصبت ادارة اوباما العداء خلال ولايتيه لموقفه من المستوطنات ومن مسألة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فلا يمكن توقع ان تسلم اسرائيل لمؤتمرين من كل دول العالم ما لم تسلم به لحليفتها الاساسية، اي الولايات المتحدة، فضلا عن ان من يمكن ان يؤدي هذا الدور في حال وجد، هو اميركا وحدها دون سواها.

عن النهار اللبنانية