قراءة أولية في مبادرة "غزة بوابة فلسطين للعالم" مطار بيت لاهيا نموذجًا للتخطيط غير المدروس جيوسياسيًا
تاريخ النشر : 2017-01-13 22:57

لقد دعتني بلدية خان يونس لحضور ورشة عمل هدفُها عرض ما يُسمى مبادرة "غزة بوابة فلسطين للعالم: رؤية مكانية لمحافظات غزة"، وهي مبادرة أعدتها شركة "AECOM" و "بورتلاند ترست" بتنسيق مكثّف مع مجموعة من أصحاب العلاقة من القطاع الخاص المحليين والدوليين. وما دفعني لكتابة هذا المقال هو قيام شركات أجنبية بالتخطيط الاستراتيجي لقطاع غزة وبدعم من القطاع الخاص، وغياب دور واضح وجوهري للسلطة الفلسطينية في هذه المسألة الحيوية والاستراتيجية التي تغطي كل متر مربع من القطاع المنكوب. لقد عانى الشعب الفلسطيني من مشاريع القطاع الخاص الوافد إلينا، إذ يسعى هذا القطاع دائمًا إلى تحقيق الأرباح على حساب المواطن المطحون، وخير نموذج لذلك هي الشركة الفلسطينية لتوليد الكهرباء التي تُنتج النَذْر اليسير من الكهرباء وتُحقق الأرباح الطائلة، إذ وزّعت على المساهمين أرباحًا بلغت 10% في عام 2015، ويبلغُ سعر سهمها السوقي حاليًا 1,37 دولار أي بنسبة ربح قدرها 37% من سعر الاكتتاب. وعلى الرغم من الملاحظات الشكلية والموضوعية الهامة التي سُجلت على الرؤية في الورشة وخطورة تلك المخططات على التخطيط والتنمية المستدامة في القطاع الذي سيبلغ تعداد سكانه 4,2 مليون نسمة بحلول عام 2050، فإنني أود تسجيل بعض الملاحظات على التخطيط غير المدروس لأحد المشاريع، ألا وهو موضع المطار الجديد الذي سيتم إقامته شمال بلدة بيت لاهيا، غرب المنطقة الصناعية المعروفة سابقًا باسم "إيرز". ومن أهم الملاحظات السلبية على اختيار موضع المطار ما يلي:

1-      إن منطقة قطاع غزة منطقة غير مستقرة من الناحية السياسية والأمنية، إذ شنَّت "إسرائيل" ثلاثة حروب عدوانية على القطاع خلال السنوات السبع الأخيرة، وهي مرشحة لمزيد من الاعتداءات والحروب، وإن سياسة الردع الإسرائيلية تقوم على تدمير البنى التحتية والمنشآت الحيوية، كما حدث بتدمير مطار غزة الدولي المقام على أرض الشوكة شرق محافظة رفح، والمنشآت الميناء في منطقة الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة. وهذا يعرض المطار الجديد إلى الاستهداف والتدمير في أي مواجهة مستقبلية.

2-      إن اختيار موضع المطار في المنطقة المذكورة غير مناسب من الناحية التنموية، وذلك بسبب إقامة المطار على أرض خاصة (طابو)، أو مسدد أقساطها بشكل كامل ضمن ما كان يُعرف بمشروع عامر، وقد تم استصلاحها وزراعتها، وهي تُمثل سلة الغذاء الرئيسية لمحافظتي غزة وشمال غزة.

3-      يقع المطار بشكل مجاور لحدود القطاع مع أراضي عام 1948 (إسرائيل)، مما يضعه من الناحية الجيوسياسية تحت السيطرة المباشرة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، ويمكنها من التحكم الكامل في عمليات الإقلاع والهبوط للطائرات، ومتابعة حركة المسافرين والتحكم بها، وبالتالي تقتصر الحركة على شرائح معينة وحرمان أخرى، ولنا في معبر بيت حانون العبرة والدروس.

ومن خلال متابعتي، فهناك مشروعٌ لإنشاء مطار أممي جديد تحت رعاية الأمم المتحدة في جنوب غرب محافظة خان يونس على أرض المحررات، والذي أعتبره أفضل المواضع المطروحة من النواحي التخطيطية والتنموية والجيوسياسية والوظيفية للأسباب التالية:

1-      لا يحتاج المطار الأممي إلى إجراءات نزع ملكية للأراضي، أو تحمل تعويضات مالية لملاك الأراضي أو غيرها بسبب إنشائه على أراضٍ حكومية.

2-      ضمان الحماية الدولية وديمومة العمل، وحرية الحركة لجميع المسافرين، وعدم الاستهداف والتدمير في أي حرب قادمة، وهذه النتيجة من الدروس المستفادة مما شكلته مدارس ومقرات الأونروا من ملاذات آمنة للمدنيين في الحروب العدوانية السابقة على القطاع، وكذلك من دروس مشابهة في مناطق صراعات وحروب أخرى في العالم إذ تمكنت طائرات الأمم المتحدة من إيصال المساعدات والإقلاع والهبوط بسلام.

3-      إقلاع وهبوط الطائرات خلال المجال الجوي الفلسطيني بعيدًا عن التنسيق والموافقات والتحكم الإسرائيلي.

وبناءً على ما سبق، فإنني أدعو الجهات المختصة في السلطة الوطنية الفلسطينية وقطاع غزة إلى رفض إنشاء المطار في بيت لاهيا، ودعم مبادرة السيد أحمد الخطيب بإنشاء المطار الأممي غرب خان يونس.