الطعام علي موائد اللئام
تاريخ النشر : 2017-01-10 00:28

يقول المثل الصيني المشهور: لا تُعطني سمكة فإن إن أعطيتني سمكة فسوف أكل يومًا ما، ولكن إذا علمتني كيف اصطياد السمك، فسوف أكُل كُل يوم؛ وهذا المثل ينطبق علي واقعنا المعاش اليوم. حيثُ تنتشر الجمعيات الخيرية غير الحكومية في فلسطين، وخاصةً في قطاع غزة المُحاصر من الاحتلال، انتشار النار في الهشيم وعددها كبير جدًا؛ وتنشط هذه الجمعيات والهيئات والمؤسسات المجتمعية في كثير من الجوانب الخيرية مثل مساعدة المحتاجين من الأسر الفقيرة، والعمال، ومساعدة الأيتام، ومنها ما يهتم بحقوق الانسان، ومساعدة الطفل، والمرأة، والمرضي، واللاجئين الفلسطينيين، ومنها من يهدف لإنقاذ مستقبل الشباب الضائع بسبب الاحتلال الإسرائيلي، والانقسام، وانعدام الأمل، وغياب فرص العمل، والكثير من تلك المؤسسات تحمل أسماء إنسانية جميلة، منها الخير، والبسمة، والرعاية، والمحبة للفقراء، والأمل والتضحية، والعطاء والعمل، والتمكين، وانقاذ الشباب والمرأة في المجتمع وحماية الطفل الخ...؛ هذا في الظاهر عمل خيري واجتماعي وإنساني ووطني رائع وظاهرهُ جميل وممتاز؛ ولكن الأهم الباطن!! لا ننتقص من الدور الايجابي للكثير من تلك المؤسسات الخيرية العاملة في فلسطين سواء في الضفة أو القطاع أو القدس المحتلة، و يا حبذا لو حققت تلك المؤسسات والجمعيات والهيئات والمراكز غير الحكومية المُسماة: (الإنجي أوز)، العدالة والنزاهة وراعت الشفافية والأمانة في تعاملاتها، مع العلم يوجد بعضاً من تلك الجمعيات والمؤسسات تراعي تلك الأمور في عملها الخيري، وهي جمعيات وطنية وإسلامية وخيرية بامتياز وتوضع فوق الرأس. ولكن من خلال تجربتي لأكثر من عشرين عامًا في العمل الخيري غير الحكومي حينما أسست وترأست جمعية بيت المقدس الوطنية عام 1995م، وعملت بعدها متطوعًا ورئيساً في الكثير من الجمعيات والهيئات الخيرية، وقد استقلت منها جميعًا!!، لأنني توصلت لقناعة راسخة أن بعضاً ليس يسيراً من تلك الجمعيات والهيئات والمؤسسات غير الحكومية العاملة خاصةً في قطاع غزة لا تُقيم وزنًا لحرامًا أو حلالاً، وتلك الجمعيات مدعومة من الدول الأوروبية، ومن أمريكا ومن مؤسسة UNDB))، التي تندرج تحتها لوائها أكثر من 80 مؤسسة دولية منها مؤسسات تابعة لوكالة الغوث الأونروا؛ وللأسف مما لاحظته من تلك الهيئات الداعمة أنها معينة ببقاء الشعب الفلسطيني مستهلكًا وليس مُنتجًا، ليبقي شعبنا الفلسطيني البطل الصابر المكافح، لنيل حريته واستقلاله من براثن الاحتلال الصهيوني الغاصب، كالأيتام علي موائد اللئام!؛ والمستفيد هو الاحتلال، وحتي أن المشاريع والمساعدات التي تقدم للجمعيات الخيرية تكون مشروطة بقيود كثيرة، وحتي تحت رعاية بعض المسؤولين الأجانب مباشرة أحيانًا ويكونون شركاء في الفساد والافساد، والذين يتقاضون رواتب خيالية ضمن المشاريع المقدمة  لتلك الجمعيات غير الحكومية من الدول الممولة، والمانحة.   ثم تأتي تلك الدول الكبرى المانحة وتقول قدمنا لفلسطين من خلال تلك الجمعيات غير الحكومية أموالاً لدعم المرأة وتمكين الطفل والشباب الخ...، (مبلغ كذا... مليون دولار)، أو أقل أو أكثر، وفي الصحيح أن المبالغ ذهبت أدراج الرياح!!؛ وتضيع الأموال علي الموائد للطعام في الفنادق، باسم ورش عمل لا تسمن ولا تغني من جوع في غالبيتها، ولقاءات لا تتعدي كونها أكثر منها علاقات عامة، ولذر الرماد في العيون، ولكتابة فواتير مالية ضمن تكاليف المشروع، والأخطر من ذلك أن بعض المشاريع تعتمد علي جلب المعلومات للغرب عن شعبنا الفلسطيني، وتمس المعلومات الجوانب الأمنية والسياسية والاجتماعية الحساسة لشعبنا الفلسطيني، بل من الممكن أن تستخدم بعض المعلومات التي تحصل عليها تلك الهيئات الدولية من الجمعيات الغير حكومية في فلسطين لتفيد أجهزة مخابرات عالمية غربية وغيرها لتصل بطبيعة الحال إلي مخابرات الاحتلال الاسرائيلي، فتكون تلك الأمور والمعلومات معول هدم، لا معول للبناء لتضحيات شعبنا الجسام. إن بعض المؤسسات والهيئات والجمعيات وصلت موازنتها السنوية رقمًا فاق مبلغ 3 مليون دولار وباسم دعم وتمكين العمال والشباب والمرأة والطفل، والمرضي والأيتام الفلسطينيين خاصة بقطاع غزة. والحقيقة المُرة أن المحتاجين وخاصة الشباب والعمال والفقراء جُلهم لا يستفيدون مطلقاً من بعض تلك الجمعيات غير الحكومية، والتي تكون لها رئيس مجلس إدارة أو رئيس تنفيذي يعمل فيها كالملك! يقول للأعضاء في مجلس الإدارة الذين انتقاهم بدقة ليوقعوا علي أي أوراق بلا أي نقاش أو جدال، مقابل بعض المال أي (بصيمه)، ويقول لهم ما أُريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد!!، ويكون رئيس تلك الجمعية أو المؤسسة واضع زوجته وأولاده، وإخوانه، وأحفاده وعشيرته وآل بيتهِ، والسابقون السابقون، المقربون من عائلتهِ! وتجدهم خُبراء في فن التدليس، والتمليس وأوراقهم الرسمية المالية ممتازة، فِلديهم مُحاسب ومدقق حسابات ومحامي، ويتفننون في تغطية كل شيء فلو كان الفندق اللقاء به بألف دولار يطلبون من الفندق فاتورة بألفي دولار، وإن رفض فهناك عشرات الفنادق غيره تقبل، وكأن بعض الداعمين من الغرب يعلمون ذلك ويغضون البصر لأنهم معنيون ببقاء بعض تلك الجمعيات والتي تسمي نفسها خيرية ووطنية وإسلامية، ومن تلك الجمعيات من يُصنف الشعب قبل أن يقدم للمحتاج يد العون والمساعدة، حسب الانتماء التنظيمي، أو والحزبي هذا إن قدموا لهم وفعلوا ذلك!!، وكل تلك المعونات الغربية المقدمة لبعض المؤسسات الغير حكومية مرهون بشروط أقل ما يقال عنها أنها تريد لهذا الشعب الفلسطيني العظيم الذي نبغ فيه أعظم العلماء علي مستوي العالم فأصغر طبيبة في العالم فلسطينية، وأعظم معلمة فلسطينية، وأعظم من أجري عمليات العظام المعقدة في العالم في ألمانيا والغرب طبيب فلسطيني، وفي شعبنا عُلماء في الذرة والفيزياء والكيمياء والأحياء وفي كافة المجالات، ولكن الاحتلال وبعض الدول الامبريالية، تتساوق مع الاحتلال!، فيريدون لنا أن نبقي شعبًا مُستهلكًا غير مُنتج، ومقهوراً ومُستغلاً، تحت وطأة المساعدات الخارجية، لبعض تلك الهيئات والمؤسسات والمراكز والجمعيات غير الحكومية والتي تسمي نفسها (خيرية) وهي عكس ذلك تمامًا، مع العلم أن شعبنا لو  توفرت له فرص العيش الكريمة ورفع الاحتلال وزبانيتهِ، أيديهم عنهُ وعن موارده الطبيعية سيصبح أعظم شعب في العالم، ومنتجاً بل يصدر للعالم ابتكاراته واختراعاته العلمية العملية، ويضاهي بها كل شعوب العالم في التقنيات، والتكنولوجيا، والصناعات المتطورة، والطب والفلك، ولكن شعار الغرب وعلي رأسهم الادارات المتعاقبة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، والاحتلال أن يبقي هذا الشعب تحت سياط الجلاد المحتل لأنهم يعرفون جبروت وعظمة هذا الشعب الذي ما فتأ يقدم الخير للبشرية، ويجود بالغالي والنفيس، والنفس من أجل أن يتنسم ويشتم عبير الحرية والكرامة والتحرير.

 الكاتب الصحفي والمفكر العربي والإسلامي والمحلل السياسي

    بقلم الدكتور/ جمال عبد الناصر/ محمد عبد الله أبو نحل

   المركز القومي للبحوث العلمية والدراسات- قطاع غزة