"تيارات" حركة فتح وانتخاب الرئيس في "اوراد"
تاريخ النشر : 2017-01-08 09:48

كثيرا ما يفاجئنا د. نادر سعيد بالاستطلاعات العلمية التي ينشرها مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) الذي يترأسه، لاسيما وأنه يعمل على تحويل الحراك السياسي الى مفردات قابلة للإحصاء، والى بيانات علمية موضوعية قابلة للتعاطي معها باحترام شديد، وهذا كان من شأن عديد الاستطلاعات السابقة حول عشرات المواضيع السياسية والثقافية والمجتمعية وغيرها التي تهمنا في فلسطين.

يفاجئنا مركز "أوراد" لأننا نرى كسياسيين أو مثقفين أو كتاب أو مفكرين أن الاتجاه مختلف أو أن البوصلة صحيحة أو تنحرف، فنطّلع على البيانات والأرقام والإحصاءات والتوجهات محاولين أن نفهم النتائج فنقارن ونعدل ونطور أو على الاقل نتأمل ونفكر ونراجع أنفسنا.

في الاستطلاع الأخير حول المؤتمر السابع لحركة فتحالذي عقد نهاية العام ٢٠١٦ عقدنا جلسة صاخبة في مقر المركز في مدينة رام الله ، اذ عرض د. نادر سعيد الاستطلاع المثير ثم ما كان من تعليق للأخت دلال سلامة عضو مركزية فتح،ثم تعليقي أو مداخلتي المركزية والتي تلاها مداخلات وأسئلة من الصحافة والقيادة التنظيمية الحاضرة بما فيهم اليسار ومن "حماس" و"الجهاد" مما أثرى النقاش الذي بدأ مريحا رغم صعوبة الاسئلة الموجهة لي وللأخت دلال عن قضايا داخلية في حركة فتح، مما حدا بالأخ نادر لأن يقول لممثلي الفصائل الحاضرين: كونوا مثل حركة فتح وافتحوا لنا ملفاتكم لنناقشكم ما يصدق معه قول الأخ بكر أن حركة فتح حركة ترحب وتقبل الجميع ومفتوحة للجميع ، فكونوا مثلها.

ستة محاور

وفي سياق الاستطلاع ومن مداخلتي سأعرض بعضا مما قلته في 6 محاور كالتالي:

في المحور الأول: مما رأيته بالاستطلاع هو أن قوة حركة فتح بعد المؤتمر قد زادت نسبيا (34% قالوا أنها زادت مقابل العكس من 30%)،لكن هذاما لم ينعكس لأن يكون للمؤتمر تأثيرات ايجابية على الجمهور أو المجتمع حسب المستطلعين من قادة الرأي (27% مؤثر مقابل 29.3 لا تأثير)، ما يفهم منه أن زيادة قوة حركة فتح داخليا (وإن كانت النسب متقاربة) لا تعكس نفسها على التطورات في فلسطين، حيث الملل الشعبي المرتبط بالإحباط من واقع الاحتلال والانقسام والتدهور الاقتصادي والحصار، ولكن تقارب النتائج يعطي أيضا رغبة دفينة بترقب الأمل.

أضف لذلك بتحليلي أن حركة فتح لم تعد تتمتع بصفة الاخ الاكبر أو العمود الفقري للثورة الفلسطينية والمنظمة نتيجة كثير من الجمود في الاطر والارتباك السياسي والضعف التنظيمي، عدا عن أن هناك من الفصائل والجماعات من أخذ الكثير من وهج الاولوية والسطوة التي كانت تتمتع فيها حركة فتح حصريا او بنسبة متفوقة داخل الجماهير وفي الأمة، ما يفرض على الحركة الكثير لتعيد بهاء وجهها وسطوع فكرها.

أما في المحور الثاني فإن تأثير مؤتمر حركة فتح على الحياة الديمقراطية في فلسطين باحتساب من قال أنه مؤيد أو من قال أنه (مؤثر الى حد ما) تصبح النتيجة (55%)،وتمت الاشارة لنزاهة الانتخابات الحركية بنسبة عالية (٥٦٪)، من القائلين نعم والى حد ما،ورغم هذه الايجابية النسبية، فإنني اعتقد أن التفكير ما زال منصرفا للشكل الديمقراطي على أهميته أي الانتخابات وليس على الجوهر أي ثقافة الديمقراطية والقانون في المجتمع.

وبناء على ما سبق رأت الأكثرية (34.6%) أن حركة فتح تنظيم ديمقراطي كما رأت أن الرابح الأول من المؤتمر هو الرئيس أبو مازن (60%) ما يعني انتصار خط السلطة في حركة فتح.

تمثيل المرأة والبرنامج السياسي ونائب الرئيس

أما في المحور الثالث: فإنه من الملحوظ جليا عدم رضا المستطلَعين من قادة الرأي عن تمثيل النساء، وتمثيل التعددية للفئات الحركية (حسب المناطق والشرائح) ما يشير برأيي الى أمرين في حركة فتح الأول هو عجز النظام (الدستور/ القانون) على انصاف تمثيل كافة الفئات التنظيمية بما فيها الشبيبة، اضافة للمرأة، وثانيا يمثل طغيان قيم مجتمعية بالية في النظرة العامة ونحو المرأة في غالب التنظيمات بما فيها حركة فتح ما نحتاج معه لجهود مجدولة وجبارة.

أما في المحور الرابع وهو البرنامج السياسي: فأكاد أجزم أنه لم تتم قراءته من الكثرة (لاسيما أنه لم يتوفر خارج المؤتمر كما كان من اعتراض المشاركين بالندوة على ذلك) وبناء عليه فلقد تم الخلط بين وثيقة خطاب الرئيس مع البرنامج السياسي رغم أن الخطاب قد يشكل قطعا جزءا من البرنامج المحال من المؤتمر للجنة المركزية،إلا أن عدم الاطلاع أو الخلط أو فقدان الرجاء والاحباط من وجود عناصر ايجابية او جديدة، أدى للقول أن برنامجي المؤتمر السادس والسابع للحركة لا يختلفان بنسبة مستطلعة (50.7%)، رغم ان هناك من الجديد برأيي ما يتصل بالأشكال النضالية الجديدة من: النضال القانوني، ونضال الرواية العربيةالفلسطينية وفضح الزيف التاريخي الاسرائيلي، وإبراز الصورة الحقيقية للكيان كنظام فصل عنصري (أبارتهايدي) تماما كنظام جنوب افريقيا السابق، عدا عن وضع محددات للعمل السياسي وشرائط تطوير المقاومة الشعبية الشاملة.

أما في المحور الخامس وهو المثير ايجابا والذي اظهر ان شعبنا عبر قادة الرأي (العينة المستطلعة على الاقل) مازال رغم كل الظروف يعرف اتجاه البوصلة، حيث إن المستطلَعين رأوا أن الأولويات الوطنية تتصدّرهاأولويات وضرورة انجاز المصالحة الوطنية،وإجراء الانتخابات الوطنية،كما يظهر رفض هيمنة أجهزة الدولة على القضاء والمجلس التشريعي ظهورا جيدا،فقد رفضت الأكثرية رفع الحضانة عن النواب (ولربما -كما قال مدير الندوة- لعب أحد الاطراف دوراها ما في هذه النتيجة خاصة في غزة) .

في المحور السادس وهو المتعلق بالشخصيات التي من الممكن أن تستلم مهمة نائب رئيس حركة فتح فلقد جاء مروان البرغوثي بالمقدمة (38.2%)، يليه جبريل الرجوب (10.7%)، وبما أن المستطلعين من حركة فتح وغيرها فإن النظر بالاتجاهين يظهر في قراءة الأرقام أن القوة الداخلية الحركية تتجه للأخوة جبريل الرجوب ومحمود العالول وتوفيق الطيراوي وناصر القدوة، ويتبين أن هناك ثقلا للأخ ناصر القدوة يأتي من غير الفتحويين على عكسالأخوة الآخرين الذي يظهر ثقلهم الاساسي في الميزان الداخلي

انتخاب الرئيس من حيث الشكل

هذا ما كان من أمر مداخلتي تعقيبا على الاستطلاع، أما في الردود على الأسئلة فاخترت ألا أتجاوز سؤالا مثيرا واستهجانيا وهو هل ترضون بالطريقة التي تم فيها انتخاب الرئيس أبومازن في بداية أعمال المؤتمر؟ فكان الرد أنه من حيث الجوهر فإن انتخاب الرئيس علنا كان متفقا عليه من أصغر عضو في فتح الى أكبر عضو، وتماما كما حصل في السادس و(الخامس مع الرئيس أبوعمار) من مؤتمرات الحركة ما يعبر عن رفض فتحوي لكل تهديدات أو تلويحات أبو مازن بالاستقالة أو عدم الترشح باعتباره ضمانة التوازن في الحركة والاستمرارية.

أما من حيث الشكل فنقرّ أن هناك انتقادات حصلت لسبب أن الانتخاب كان يجب أن يتم في نهاية المؤتمر حسب الاعراف بالمؤتمرات، وليسفي بدايته، وكأننا ننصّب السلطان ولا يبقى بعد ذلك إلا الاحتفال! وهو التشبيه الذي نتجاوزه لمنطق الجوهر من جهة، ولضرورة تكريس غلبة النظام لاحقا، لا الشخص أي كان حتى لو كان الرئيس أبو مازن أو غيره.

"تيارات" الحركة

في ردي على مجموعة من التعليقات الأخرى،دعوني أقول وفي إطار نقدي لمؤتمر حركة فتح السابع أنه في التنظيم السياسي الفلسطيني عامة هناك اليوم 3 تيارات كما أرى

الأول: هو التيار النضالي المقاوم، وما بين يمينه ويساره اختلاف على وسيلة المقاومة بين مسلحة، أو مسلحة ضمن اتفاق، أو مسلحة ضمن جغرافيا محددة ولزمن محدد، وما بين استمرارها شعبية سلمية ولكن بإطار الشمولية، وهذا هو التيار الأول.

أما التيار الثاني: فهو التيار النضالي السلطوي، وهو تيار نضالي مرتبط بالسلطة يسعى للبناء داخليا، ويستخدم كل العوامل الخارجية السياسية والقانونية لدعم البناء، وقد يتقاطع جزئيا مع بعض طروحات التيار الأول.

أما التيار الثالث وهو التيار المدمر برأيي فيأتي من تحالف رأسالمال المتهاون مع التيار السلطوي الارتزاقي (الانتهازي) الذي يجب أن نقف له جميعا بالمرصاد، وأوضحت أن الرئيس أبو مازن يقف على قمة تلحظ وتراقب وترى وتديرالتيارات كلها، ويتعامل معها ويحركها متموضعا بالوسط، غالب الأحيان.

إلا أن هذا التحليل ليكتمل برأيي يفترض بنا أن نقرر الاجابة على 3 أسئلة الأول: هو ما هي اخفاقاتنا في حركة "فتح" ومساوئنا؟ لأقول: أننا نخفق في الكثير الذي منه: غياب التربية التنظيمية التعبوية، وظهور بوادر تعصبات فينا ضد طوائف أو أحزاب أو أشخاص لا تعد هذه "التعصبات" من أصل فكر الحركة أو مسيرتها المنفتحة، وأيضا نلحظ ضعف التواصل بين القيادات والكوادر والأعضاء واستخدام المنابر (المؤتمرات واللقاءات) للتنفيس وتفريج الكروب، وليس كثقافة ديمقراطية مستقرة ومتواصلة، أما بالأخير من المسائل وليس آخرا فهو لسان الحال القائل من نماذج الفكر التسلطي الاستبدادي لجوقة الانتهازيين: (تكلموا كما تشاءون ونحن نعمل ما نريد) في رفض واضح لمنطق الشراكة والديمقراطية الحركية.

لمن الانتماء وما الأولويات

السؤال الثاني الذي يجب أن تجيب عليه حركة فتح من اليوم التالي للمؤتمر(رغم انه سؤال جوابه مبتوت نظريا منذ البدايات) فهو لمن السيادة؟ ولمن الانتماء؟ وأجيب بوضوح أنه لا سيادة ولا ولاء للأشخاص أبدا، فعصر الأشخاص-الرموز (بعد أبو عمار وأبو مازن) ينقضي وينتهي،وعليه يجب أن نتخطى (حصانتهم) التاريخية والأبوية التي تصل أحيانا لحد الاحترام الشديد المفضي للسكوت والتجاوز عن كثير مثالب ارتكبوها، كما في التنظيمات الدينية التي تصل الرمزية لديها كثيرالحد القداسة ما هو مرفوض، لتصبح فيما بعد السيادة فقط للقضية وللفكرة ولفلسطين، والسيادة للقانون والنظام، لا لهذا ولا لذاك أبدا.

أما الاجابة على السؤال الأخير وهو سؤال الأولويات فلنا أن نعقد الورشات والمؤتمرات والندوات، ولكن دعني أشير هنا في سياق الحدثأن أولويات المؤتمر السابع لربما لم تكن أولويات الشعب أو قطاع هام منكادر الحركة ما قد أملاه الظرف القائم من حيث أن القضية الملحّة عند التيار السائد بالحركة كانت متجهة نحو تعزيز الموقف السياسي الحالي وكانت متجهة نحو التحشيد الداخلي الوحدوي، وكانت تقصد توجيه رسائل للإقليم والعالم والفصائل،وتم اشغال غالب المؤتمِرين في سياق اللعبة الانتخابية على حساب النقاشات المثمرة، والمحاسبة والمراجعة التي لم تحصل بتاتا.

ومع ذلك فإن عقد مؤتمر نقدي أو مؤتمر ثقافي فكري سياسي(حركي أو وطني) يصبح من المتوجب انجازه قريبا ليناقش الأولويات من حيث أشار الاستطلاع الهام الى أنها ترتبط: بتحقيق الوحدة الوطنية، ووضع البرنامج الوطني المشترك، ومن حيث تحقيق عناق النضال السياسي مع الميداني ضمن منهج حياة للفلسطينيين، ومن حيث ضرورة ترميم علاقتنا الاقليمية المتضررة من الصراعات الداخلية العربية والفلسطينية، ومن حيث ضرورة اسدال الستار على حصار غزة، ومواجهة فعل الاستيطان المدمر في حكومة اليمين العنصري ليصبح عامنا الحالي عام ٢٠١٧ عام تحقيق استقلال الدولة العضو في الأمم المتحدة، بإذن الله تعالى.