الجذب الدعائي/الاعلامي والتسويق النفسي للاسلامويين
تاريخ النشر : 2017-01-06 14:39

 في سلسلة من الحلقات حول (الثقافة الديمقراطية لدى التنظيمات الاسلاموية) بدأنا بالحلقة الاولى حول مفهوم الديمقراطية كما نراه، لننتقل لاحقا حول الكيفية التي تعامل بها الاسلامويون مع المفهوم في الحلقة الثانية حيث نرى الخلط والرفض وتذبذب القبول والتمنع، وفي الثالثة تحدثنا عن تناقض العنف مع الديمقراطية وفكر قطب والمقدس وفي الرابعة حيث التطور البطيء والثبات اما بالخامسة فعن آليات الجذب الدعائي/الاعلامي والتسويق النفسي نتحدث.

آليات الجذب الدعائي/الاعلامي والتسويق النفسي[1]

في الاستخدام للآليات تتخذ التنظيمات السياسية عامة وسائل محددة الهدف منها "الحشد" نحو الفكرة والأهداف والتنظيم، والحشد مطلوب لكن الأصل هو "البناء" حول الفكرة بمعنى تكوين النواة الصلبة بما يُحسِن الاستثمار أو الاستخدام بحسب أهداف جهة التسويق أوالاستقطاب والدعوة/التبشير.

تستخدم التيارات الاسلاموية عامة المنابر في المساجد والمدارس والجامعات ووسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لترويج أفكارها وتسويقها مستعينة بقيادات (إسلامية) تبدو بعيدة عن الفكر الحزبي، وأحيانا شباب ملتفين حول الفكرة وليسوا بالضرورة من صلب (التنظيم)، وهنا يأتي دور "التوظيف والاستخدام"[2] لهدف مخالف لما قد يريده الشخص المستَخدَم.

وفي (الآليات) ثلاث خطوات، نشير فيها تحديدا لنموذج تلك التيارات المتطرفة،[3] حيث الخطوة الأولى: هي "الهز والتحفيز والاستبدال" والتي يتبعها عند نجاحها خطوة "التطويع"، ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة "الاستخدام والتوظيف". وفي الخطوة الأولى (الهز والتحفيز والاستبدال) بإمكاننا الاشارة لسبع نقاط.

1. آلية هز القناعات : فأنت في مجتمع مقرف مليء بالخطايا والإباحية والابتعاد عن دين الله فهو مجتمع جاهلي (كافرأو مرتد أو..) والدليل .... من القرآن والسنة كما يفهمونها ويطوعونها، ومن كتب التراث.

2. آلية الإشعار بالذنب: فأنت مقصّر ولا تفعل شيئاً لدينك أو ربك أو مذهبك، فيرى الشخص الواقع تحت سيطرة "وهم قداسة" اللحية والجلباب وافتراض أن في أمثال هؤلاء ينطقون الحق دوما فلا يأتيهم الباطل لا من بيد أيديهم ولا من خلفهم، فيشعر أنه ذليل أو خجِل إن لم ينصاع لهم .

3. ألية تحفيز الواجب: إذ ينتبه الشخص بعد كل ذلك، وعبر "تكرار"هذه الآلية أن بإمكانه أن يفعل شيئا ولو على الأقل بالانتماء لهذا التنظيم، أو دعمه ولو على "توتير" أو "الفيسبوك"، أو قد يصل لدرجة الموت في سبيله .

4. خطاب مشاعر الحميّة والنجدة والنُصرة للدين: كما حال خطاب "داعش" لأهل السنة مثلاً في العراق ما يشعرالبسطاء منهم أن كل واحد يدافع عن الشريعة وتطبيقها ضد "الرافضة"، ما يترابط مع تحفيز الواجب ، ونفس المبدأ استخدمه "الحشد الشعبي الشيعي" أيضا في العراق فاعتبر حربه ضد "النواصب" خدمة للحسين وتعجيلا بظهور الامام المهدي المنتظر.

5. تأتي عملية استثارة (المأمول) أو المحلوم به أو ما هو في الحقيقة فيه الكثير من الكذب أو "الوهم" كخطوة لاحقة لما سبق، فأنت بقيامك بالواجب أكان بحده الأدنى أو الأقصى ستجد أمامك جنة الخلافة الأرضية (عبر الواقع الافتراضي في الشابكة (=الانترنت)، أو في داخل الحزب المغلق على المؤمنين، أو بالهجرة عن المجتمع، أو مؤخراً في دولة الخلافة بالموصل،......) كما تنتظرك الحوريات ال 72 في الجنة! ان قتلت في سبيل الخليفة أو الدعوة سيان. [4]

6. تقنية إبدالية الرموز: وهي تقنية مستخدمة من قبل التنظيمات الاسلاموية لغرض إحداث أثر كبير ووقع أكبر من خلالها، فالشعار والعيش فيه قد يحل محل الحقيقة، كما أن إظهار الرموز والصور والتفخيمات والشارات وأحياناً بعض الانجازات كأنها دلائل وبشائر النصر النهائي يعد تقنية ناجحة.

7. في الخطوة الأولى ب"الهز وتحفيز الآمال" يصبح المجتمع البديل جاهزاً في الصورة المرسومة عبر الاعلام والتسويق لأنه يظهر "الحزب مقابل المجتمع" بشكل كامل.

أما الخطوة الثانية في الآليات التسويقية للأحزاب هذه فهي التطويع التنظيمي، والتجهيز لتنفيذ الأوامر (يقول عمر التلمساني : كنت بين يدي الإمام حسن البنا كالميت بين يدي المغسل) ويتأتى ذلك عبر الإخضاع الكلي في أدبيات التنظيم عبر التشديد على الطاعة العمياء للأمير والبيعة له وللدعوة (وليس للإسلام-أنظر قسم الاخوان المسلمين كمثال) ثم القيام بتدجين هؤلاء عبر مخيمات أو معسكرات مغلقة لا تبقى في العقل أي مساحة يستطيع من خلالها أن يتنفس خارج مادة التسويق التي أزاحت ثم حلت مكان أي شيء آخر كليا.

ينتقل التنظيم للخطوة الثالثة: وهي "الاستخدام والتوظيف" الإرادي أو اللارادي، إلى الدرجة التي ينتخب فيها الشخص المستهدَف القائمة الطلابية (الاسلامية) حتى لو كان هو في سلوكه كما يعتقد لا يماثلهم فهو ينظف نفسه بمثل هذا الفعل الإبدالي، أو قد يتمادى غيره فينضم "للجنّة" في التنظيم، او يفجّر نفسه ضد الكفار والمرتدين وأصحاب الأهواء ليستشد في سبيل الله (ما هو نمط التطويع الذهني في دولة الحشاشين في التاريخ الإسلامي)

نموذج: مقال في صحيفة

وفي نموذج بسيط لترويج الفكر المتطرف بهدوء وسلاسة تقوم صحيفة اسمها "السفير" وهي ليست السفير اللبنانية الشهيرة، وإنما صحيفة من تونس، وتضع مقالا تحاول إظهاره كمقال "علمي اجتهادي" لكاتب اسمه هاني الشمري، ومن صورته يتضح أنه خليجي، ومع كثير من الاقتباسات المتعددة يؤصل للفكر المتطرف الاستئصالي الذي يرفض الآخر ويطالب بقتله، وهو الفكر الخارجي الداعشي/غير الديمقراطي.

حيث يقول في ختام مقاله[5]: ((جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية ، في تعليقٍ له على حديث جابر رضي الله عنه ، قال:( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمرنا أن نضرب بهذا ـ يعني السيف ـ من خرج عن هذا ـ يعني المصحف ـ). علق ابن تيمية رحمه الله على حديث جابر رضي الله عنه قائلاً ،(قال تعالى {لقد أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز }، فبين سبحانه وتعالى انه أنزل الكتاب وأنزل العدل ، ومابه يعرف العدل، ليقوم الناس بالقسط،وأنزل الحديد فمن خرج عن الكتاب والميزان قوتل بالحديد، فالكتاب والعدل متلازمان والكتاب هو المبين للشرع ، فالشرع هو العدل والعدل هو الشرع ، ومن حكم بالعدل فقد حكم بالشرع).فان ابن تيمية يرى أن السلطة حين تخرج في حكمها عن كتاب الله فان هذا الفعل يستوجب قتالها وهذا واضح بقوله:( فمن خرج عن الكتاب والميزان قوتل بالحديد)، ومن استدلاله بحديث جابر رضي الله عنه.))-انتهى. ولك أن تنظر مقدار استثارة المأمول من المقال وهو تحت عنوان مضلل: (الخلافة.. العروة العُظمى التي تستوثق بها باقي العُرَى) موهما أن "الخلافة" أصل من أصول الدين ما لم يكن وما لم يقله أي من علماء السنة (في الشيعة الإمامية الامر مختلف)، وموغلا بإيراد أحاديث غير مسندة، وتفسيرات ماضوية متطرفة لاتصح مع اختلاف الأفهام والأزمان ومناهج الفهم والتفكير وآراء المفكرين المسلمين اللاحقين، كما تجد من الجملة المقتبسة والمقال المنشور في عام 2016 والحرب قائمة على "داعش" تجد أن الرجل يزرع البذرة المتطرفة، و"يستثير الآمال" و يخاطب بوضوح كما فصلنا بالنقاط السبعة أعلاه " خطاب مشاعر الحميّة والنجدة والنُصرة للدين"، ما يمثل انتقالا للخطوة اللاحقة من هز القناعات بالتدجين ثم بالخطوة الثالثة وهوي الاستخدام والتوظيف.

الحواشي:

بكر أبوبكر، أوعية الفكر الاسلاموي- محاولة للفهم، دار الجندي، القدس، 2016[1]

[2] يقول الكاتب الامريكي "نيكولاس كريستوف" في مقال له في الاتحاد الاماراتية 17/9/2016: (لعل أحد الفخاخ الفكرية التي يقع فيها كثيرون، بما في ذلك الصحفيون، هو محاولة فهم وإدراك السياسة من خلال الروايات الشائعة. فقد كان الرئيس جيرالد فورد لاعب كرة قدم أميركي شهيراً ولكننا أشعنا في وسائل الإعلام رواية عنه مؤداها أنه أخرق، ولذا فكل مرة كان يتعثر فيها يظهر مقطع مصور لهذا في نشرة الأخبار المسائية. وبالمثل، رسمنا في وسائل الإعلام بطريق الخطأ صورة للرئيس جيمي كارتر على أنه سياسي من الوزن الخفيف على رغم علاجه لأصعب التحديات، من التعامل مع الصين إلى إعادة إدارة قناة بنما إلى دولة بنما. وفي عام 2000، رسمنا صورة لآل جور بأنه متكلف وأن لديه ميلاً للمبالغة في تضخيم ذاته، ولم نركز على تصريحات جورج بوش الابن المغلوطة.)

[3] قد تستخدم نفس الآليات في التنظيمات الدينية (أو الايديلوجية) عامة، وليست فقط الاسلامية، فلقد سبقتها قطعا تلك المسيحية الغربية التي خاضت حروبا قاسية لمئات السنين في أوربا بين المذاهب، مع ما خالطها من قتل وذبح وسجن ومحاكم وترهيب فظيع، وليس ببعيد عن ذلك العنصرية الطاغية في التوراة، اما الاسلامويين فيختلفون في الشدة والنتيجة المرجوة من الاستخدام ما بين معتدل ومتطرف.

[4] وفقا لتقرير صحيفة الدستور الأردنية، فإن قيادة الاخوان المسلمين في الأردن في الانتخابات النيابية عام 2016 شخر أيلول "استخدمت خطابين مزدوجين في عملها الانتخابي، الأول كان باتجاه القواعد الاخوانية لحثها على المشاركة في الانتخابات والحشد لها واستثمار الفتاوى الدينية بهذا الاتجاه علاوة على التأكيد لهذه القواعد بان هذه المرحلة تكتيكية ويجب استخدام هذه الاساليب لحماية الجماعة وحسب تعبيرهم “الوصول الى الدولة الاسلامية”، أما الخطاب الثاني فكان خارج اطار الجماعة ويستهدف المجتمع المحلي الأردني بكافة أطيافه، وطمأنة الداخل الاردني والخارج بأن الجماعة لا تشكل اي خطر مرحلي على الدولة الأردنية."