قرار مجلس الأمن 2334
تاريخ النشر : 2017-01-04 10:23

أحيانا يأخذنا الشكل ويجعلنا نغفل عن المضمون، وينطبق هذا القول على صدور قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذى طغى الاهتمام بكيفية معالجة مصر لعملية إصدار القرار على مضمونه.

ومن زاوية غير تلك التى ذاعت، فإن صدور القرار، وما لحقه من خطاب جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى فى 28 ديسمبر المنصرم، ربما يكون متوجا ليس فقط لجهود مصرية بدأت منذ خطاب أسيوط الذى بدأ فيه الرئيس السيسى الحديث مرة أخرى عن القضية الفلسطينية وحتى الآن. وقتها بدا الأمر كما لو كان محاولة صعبة، وربما مستحيلة، لبعث قضية لم يعد أحد يتذكرها، بل إن أهلها ذاتهم انشغلوا بصراع حياة وموت بين أنفسهم حتى إنهم أقاموا أمام العالم كيانين سياسيين منفصلين، واحد منهما فى الضفة الغربية، والآخر فى غزة.

ولكن القضية أيضا مصرية لأنها ببساطة تجرى على حدودنا، والصلات منها ممتدة إلى مصر بالتاريخ والجغرافيا والأنفاق أيضا، وكما يقال حقا إنها قضية أمن قومى عملت مصر على التعامل معها بالحرب، والسعى نحو السلام معا. وبهذا المعنى كان خطاب الرئيس مرة أخرى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير يفتح الباب على مصراعيه لحث جهود دولية جديدة من أجل التوصل إلى تسوية مقبولة لصراع طال عبر قرنين. وربما لم تكن هناك صدفة أن الفقرة التاسعة من القرار التى حثت الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية للعمل من أجل تحقيق، «بدون تأخير» لسلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط على أساس من قرارات الأمم المتحدة (بما فيها القرار 2334 بالطبع) ومرجعية مبادئ مؤتمر مدريد التى تشمل مبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية، وخريطة الطريق الخاصة باللجنة الرباعية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى الذى بدأ فى 1967 وتؤكد فى هذا المقام مبادرة فرنسا لعقد مؤتمر دولى للسلام، والجهود الأخيرة للجنة الرباعية، وكذلك جهود مصر والاتحاد الروسي.

فالقرار رغم أنه يختص بالأساس بوقف عمليات الاستيطان الإسرائيلية فى الأرض الفلسطينية المحتلة؛ فإنه أيضا معنى بعملية السلام العربية الإسرائيلية فى شمولها وكلياتها. فالربط هنا عضوى بين الفقرات الخاصة بالمخالفات الإسرائيلية للقانون الدولى فى عمومه، واتفاقية جنيف الرابعة والخاصة بالتعامل مع الأراضى المحتلة بما فيها القدس الشرقية؛ فإن القرار يدلف فى المادة الثالثة إلى ربط قضية المستوطنات برفض تغيير الحدود دون موافقة الأطراف، ومع المادة الرابعة فإن الاستيطان يحبط، ويعرض للخطر حل الدولتين. وفى المادة الخامسة فإن القرار يدعو بوضوح إلى التمييز ما بين حدود الدولة الإسرائيلية قبل عام 1967 وما بعدها، فالأولى ليست موضوعا للنزاع، وإنما الثانية هى تلك التى يدور حولها القرار.

وبالطبع فإن قرار مجلس الأمن يمكنه أن يصبح مثله مثل باقى القرارات التى سبقت سواء من مجلس الأمن أو غيره من الأطر الدولية أو الإقليمية. ومن الممكن أن يوضع القرار، ومبادرة «كيري» التى قامت عليه، ضمن محاولات أوباما وإدارته للانتقام من نيتانياهو لما سبق من أفعال أهانت القيادة الأمريكية واتفاقها مع إيران. ولكن الحقيقة هى أن القرارات الدولية فى إطار المفاوضات والدبلوماسية والسياسة فى عمومها هى ما نفعله بها بحيث تمثل جسرا بين الأطراف المعنية أو أن تصير وسيلة لإثبات خطأ طرف بعينه. فجوهر العلاقات الدولية والسياسة العالمية فى عمومها، هو أن التوصل إلى اتفاق بين أطراف متنازعة يحدث عندما يشعر كل طرف أنه يمكنه تحقيق أهدافه ومصالحه الجوهرية من التسوية أو الاتفاق على معاهدة سلام. وثورة إسرائيل الحالية على القرار ليست لما جاء فيه، وإنما لأنها ترى فرصة راهنة فى المنطقة لكى تحصل على ما هو أكثر. وعندما تسيل الدماء أنهارا لدى خصم آخر، وعندما ينقسم الخصوم بين أنفسهم ومع خصوم آخرين، فإن الفرص تصبح سانحة لتحقيق ما لم يسبق العمل على تحقيقه. وتاريخ الصراع العربى الإسرائيلى كله قام على توسيع دائرة ما تريد إسرائيل الحصول عليه اعتمادا على ضعف وشقاق وتهافت دول عربية، وفشل فلسطينى مزمن فى إقامة دولة ومؤسساتها.

تنفيذ القرار يكون بفهم معضلته الكبري، وهو أنه جزء من عملية كبرى للسلام يتحدد فيها واجبات الجانب الإسرائيلى بوضوح وهو وقف الاستيطان، وقبول الانسحاب إلى حدود يجرى التفاوض حولها اعتمادا على تفاهم مفاوضات أوسلو وما بعدها بأنه من الممكن مبادلة الأراضى المتكافئة فى الكم والكيف. ولكن هناك أيضا وضوحا على ما يجب على الجانب الفلسطيني، والعربى من ورائه، للقيام به فيما يتعلق بالجانب الأمنى للقضية والوقوف فى وجه العنف والإرهاب. باختصار فإن هناك العديد فى القرار، وفى الخطوط العامة لمبادرة كيري، ما يغرى بالتفاوض والعودة إلى مائدة المفاوضات. العجز هنا أن إدارة أوباما قد فعلت ما فعلته إدارات سابقة وهى أنها قامت بالخطوة الملائمة قبل خروجها من السلطة بأيام قليلة، وهو أفضل قليلا من إدارات أخرى فعلت ذلك بعد خروجها كلية من البيت الأبيض.

المهام المطروحة على مصر الآن وقد بدأت هذه المسيرة ثلاث: وضع الجانب العربى والفلسطينى خاصة فى صف واحد فيما يتعلق بالتسوية المقبلة وتنفيذ مبادرة السلام العربية؛ وإقناع إدارة نيتانياهو، وربما الأهم الشعب الإسرائيلي، بأن أمن إسرائيل وسلامها مع المنطقة ممكن، ويبدأ بتسوية القضية الفلسطينية؛ وأخيرا إقناع إدارة ترامب المقبلة أن القضية ليست خلافا بين إدارته والإدارة السابقة عليه على قرار مجلس الأمن، وإنما هى كيف يمكن جعل أمن الشرق الأوسط شاملا تسوية عربية إسرائيلية كاملة.

عن الاهرام