الفدرالية مخرجٌ لغزة والضفة الغربية
تاريخ النشر : 2017-01-02 22:49

انقض السياسيون الفلسطينيون على السيد موسى أبو مرزوق القيادي في حركة حماس انقضاض الضباع على الفريسة، وأطبقت الأنياب تنهش مقترحه عن الفدرالية بين غزة والضفة الغربية، دون أن يكلف أيهم نفسه مواجهة الحقائق العنيدة، والتي تؤكد أن دولة غزة منفصلة بفعل الواقع كلياً عن دولة الضفة الغربية الإدارية، ولا صلة بين المنطقتين اقتصادياً أو تنظيماً أو حياتياً إلا في وسائل الإعلام التي تجمع بين المنطقتين عند ذكر الأراضي المحتلة.

غزة والضفة الغربية وحدتان جغرافيتان منفصلتان، تعمدت إسرائيل فك الروابط بينهما، واستثمرت الوضع لصالح مخططاتها، فعمقت الفصل الزماني والمكاني بين المنطقتين، وعززت القطيعة الحياتية والاقتصادية والنفسية، وأشغلت كل منطقة بهمومها وأحزانها وصراعتها ومصالحها بعيدة عن المنطقة الأخرة، ليظل الهدف الإسرائيلي البعيد هو تحقيق الفصل السياسي، الذي انكسر على صخرة الوازع الديني والوطني والأخلاقي والإنساني.

وكي لا يظل حديثي عن الفصل القائم بين المنطقتين إنشائياً، سأعزز ما طرحته بالأرقام:

1- بلغت نسبة البطالة في غزة 44% بينما هي في الضفة الغربية لا تتعدى 18% ، ولو كانت غزة والضفة تعيش وحدة الحال الوطنية لما كان مستوى البطالة بينهما بهذا القدر.

2- تجاوز عدد عمال الضفة الغربية الذين يعملون في المستوطنات الإسرائيلية 120 ألف عامل، في الوقت الذي لا يعمل فيه أي غزاوي في المستوطنات الإسرائيلية.

3- بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية لسنة 2016 أكثر 6400 معتقل، بينما لم يتجاوز عدد المعتقلين من غزة 186 معتقلاً.

4- تمت مصادرة أكثر من 13 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، وتم هدم أكثر من 1600 بيت ومنشأة في العام 2016، بينما لم يتعرض قطاع غزة لمثل هذا.

5- تعرض قطاع غزة لعدوان إسرائيل همجي سنة 2014، استمر لمدة 51 يوماً، في الوقت الذي كانت فيه قيادة رام الله تتنقل عبر الحواجز الإسرائيلية بأمن وسلام.

6- بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية أكثر من 750 ألفاً، يسيطرون على أكثر من 62% من أراضي الضفة الغربية، وخلت غزة من المستوطنين والاستيطان اليهودي.

7- قامت السلطة الفلسطينية بتوظيف ألاف الخريجين الجامعيين من سكان الضفة الغربية في السنوات العشر الأخيرة، في الوقت الذي تجاهلت خريجي قطاع غزة.

8- معابر الضفة الغربية إلى العالم الخارجي مفتوحة، ولا معاناة في سفر المواطنين، بينما معابر غزة مغلقة، والسفر من غزة قطعة من جهنم.

9- الكهرباء في الضفة الغربية متوفرة، والتنسيق الأمني مقدساً، على عكس غزة التي تعاني انقطاع الكهرباء، وترى بالتنسيق الأمني خيانة للعهد.

10- كل مستوطن يتوه في شوارع الضفة الغربية يتم إعادته إلى بيته سلام، بينما يضيع كل إسرائيلي يعبر غزة، ويصير مادة تفاوض لإطلاق سراح الأسرى.

11- تستأثر الضفة الغربية بكل الدعم المادي والتطوير الخدماتي من قبل السلطة، بينما تحرم غزة ومؤسساتها من الدعم، وتجوع على مرأى ومسمع الجميع.

12- لا يسمح لسكان الضفة الغربية بالوصول إلى غزة، والعكس، ولا تبادل اقتصادي جدي، أو تجاري أو صناعي أو حياتي أو حتى اجتماعي بين المنطقتين، فلا نسب أو زواج، والسبب يرجع إلى اليقين بأن أمريكا أقرب إلى الضفة الغربية من غزة.

13- يقيم محمود عباس بصفته رئيساً للسلطة الفلسطينية في فراش الضفة الغربية منذ عشر سنوات، في الوقت الذي رمى فيه يمين الطلاق بالثلاثة على غزة وأولادها.

14- وجوهر الفصل هو تعطيل عمل المجلس التشريعي في الضفة الغربية، بينما يواصل عقد جلساته في غزة، ولا تسري القرارات القضائية الصادر في رام الله على سكان قطاع غزة، والعكس، ولكل منطقة سلطتها التنفيذية المستقلة عن الأخرى.

بعد كل هذا التفصيل في مكونات الفصل القائم بين غزة والضفة الغربية، هل يجرؤ أحد على الحديث عن وحدة الحال النفسية والحياتية والاقتصادية والإدارية والتشريعية والقضائية والتنفيذية وحتى الرؤية المستقبلية، والأفق السياسي بين المنطقتين؟.

نعم، سيجرؤ على ذلك من أسهم بسياسته الرديئة في ترسيخ دعائم الفصل بين غزة والضفة والغربية، ولما يزل يصر على بيع الوهم للشعب الفلسطيني، ويدعي أن عام 2017، هو عام قيام الدولة الفلسطينية، دون أن يجهد نفسه بالعمل على إنهاء الانقسام أو مقاومة الاحتلال.

ضمن هذه الحالة الفلسطينية الموغلة في الجمود والتشرذم والإهمال، واعتقال القرار السياسي خلف أسوار المقاطعة، تجيء دعوة أبو مرزوق إلى تحقيق الفدرالية كمخرج للحالة الفلسطينية، إنها مبادرة سياسية، توائم الواقع القائم على الأرض، بحيث تحتفظ كل منطقة بسلطتها التشريعية، وسلطتها القضائية، وسلطتها التنفيذية، على أمل تحقيق الوحدة السياسية في القرارات المصيرية.

فهل ستشكل الفدرالية بين غزة والضفة الغربية مخرجاً لحالة الانقسام؟

أشك في ذلك؛ لأن أصل الانقسام هو انعدام الشراكة السياسية، والتفرد بالقرار الذي أغمض عينه عن ضم القدس إلى إسرائيل، ولم يحترق غضباً لفصلها عن غزة والضفة الغربية، وأشغل نفسه في مهاجمة فكرة الفدرالية التي لها الفضل توحيد الإمارات العربية في دولة مستقلة، وجعلت من الولايات الأمريكية القوة العظمى على مستوى العالم.