على حماس والإسلاميين أن يتعلموا من حركة النهضة
تاريخ النشر : 2014-02-18 14:09

 نأمل من حماس أن تأخذ العبرة من حركة النهضة وما جرى في مصر , اليوم لا يمكن إلا أن نقف إجلالا لحركة النهضة في تونس وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي لحكمة مواقفه وحُسن تصرفه وشجاعته في إتخاذ القرار حول الدستور ، بعد كل ما تمَّ من حراك شعبي أطاح ببعض رموز الفساد والإستبداد والدكتاتورية ، وأعطى لبعض الحركات والتيارات السياسية مواقع متقدمة في صدارة مشهد الحكم والسياسة ، الأمر الذي أزعج ممالك ومشيخيات المنطقة ، والتي بدأت تتحسس مخاطر ما هو قادم من تهديدات تمس عروشها وإستقرار ممالكها ، فتحركت ضمن تفاهمات إقليمية ودولية لوقف هذا المدِّ الإصلاحي في العالم العربي وقدموا كل الدعم المالي والعسكري إلى حركات التكفير في العالم العربي ، ودمروا كل شيء في سوريا وفجروا العراق ولبنان وليبيا واليمن من أجل إفشال أي جهد من أجل التغيير والإصلاح الحقيقي الذي يخدم الوطن ، فهو النابع من حاجة المجتمع الذي يعمل بكل إخلاص وجدية ومن أجل الوصول الهادف إلى بناء الوطن وتطويره والنهوض به ، والتطلع الدائم إلى حاضر ومستقبل أفضل لحياة المواطنين .

بالتالي فإن الدعوة إلى الإصلاحات تعني بالضرورة الحفاظ على أمن الوطن وإستقراره عبر حصول المواطنين على حقوقهم المشروعة في حياة ديمقراطية حرة كريمة ، فهل هو الإصلاح الذي تريده هذه الفئات الضالة ؟! لم يدخروا جهدا لتنفيذ المزيد من عمليات الإرهاب التي تستهدف سوريا وأمنها ، كما يستهدف الأمن القومي العربي ، وهي جميعها ضمن المشروع الأمريكي الصهيوني الهادف لتقسيم الوطن العربي ، لتحقيق أمن العدو الصهيوني على حساب الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية ، وإفشال تجارب من وصل منها للحكم .

إن ما وقع من أحداثٍ دامية في مصر بعد سقوط حكم محمد مرسي والإخوان المسلمون ، وعودة الساحة التونسية للتظاهر والإحتجاج والتمرد ومطالبات إسقاط الحكومة أعطى الكثير من المؤشرات التي أدركت معها حركة النهضة بحدسيه القيادي وفطنته السياسية .

إن الوضع في تونس يمكن أن يأخذ مساراً مشابهاً لما وقع في مصر، ولكن ربما بصورة دراماتيكية مغايرة ، خاصة وإن سطوة بقايا ونفوذ النظام القديم ما تزال قوية ، وتداعيات الأوضاع المعيشية والإقتصادية الصعبة لا تبعث على الأمل القريب بإمكانية تجاوز محنتها ، لذا فإن الإستمرار في الحكومة سيكون مدعاة لتحميل حركة النهضة تبعات كل الفشل في العجز عن تحقيق تطلعات الشارع التونسي ، جاء قرار الشيخ راشد بالخروج السريع والآمن من الحكومة وفق تفاهمات تمت مع شركائه في التُرويكا ، وبترتيبات شاركت في صياغتها كل الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية ومؤسسات المجتمع المدني .

هذه التحركات التي سجلت إجتهادات متقدمة في السياسة والحكم يجب أن تكون موضع دراسة بين التيارات الإسلامية في المنطقة العربية كلها ، فإن الدرس الذي يجب على الإخوان المسلمون أن يتعلمون منه و يستدعي من حركة حماس تقديم نموذج رائد ومتميز في إتخاذ قرار المصالحة الوطنية الفلسطينية والمشاركة في الحكم والقرار والمقاومة , في الظهور بالمشهد الذي تنتظره شعوب المنطقة وشعب فلسطين من حيث تحقيق الأمن والأمان وكرامة العيش والإستقرار، يجب على حركة حماس أن تستوعب الدرس من حركة النهضة خاصة إن الشعب الفلسطيني يعيش تحت الإحتلال الصهيوني ، و بحاجة إلى تعزيز الصمود في وجه المحتل الصهيوني وتعزيز العملية الديمقراطية وما تعنيه من التعددية السياسية وإحترام حقوق الإنسان .

الحركات الإسلامية ما تزال تحتاج جميعاً أن تتعلم درس من حركة النهضة وذكائها من حيث الإنفتاح السياسي والتدرج في الخطوات ، وتجنب الصدام مع الأحزاب السياسية والعمل على كسب الشارع ، وتحييد الخصوم وإستيعاب الجميع ، وبناء شراكة سياسية مع الأخرين من الليبراليين واليساريين والقوميين .

حاولت حركة النهضة بتجربتها السياسية في ممارسة أسلوب الحكم الرشيد في تونس , ولذلك في رؤيتها لمستقبل البلاد تتطلع لبناء نموذج في الحكم يحاكي تجاربة إسلامية ناجحة في الوطن العربي نموذج تجمع بين الإسلام والحداثة ، وفي بيانها التأسيسي ذكرت النهضة في الفصل الأول أنها ذات مرجعية إسلامية ، وأنها تسعى إلى النضال من أجل تحقيق وحدة المغرب العربي كخطوة باتجاه تحقيق الوحدة العربية ، فالوحدة الإسلامية بالرغم من أن الفترة التي وصل فيها الإسلاميون للحكم في تونس ما تزال مرحلة إنتقالية وغير كافية للحكم في الوصول بالبلاد إلى مستوى طموحات الشارع وتوقعاته في عيش كريم وحياة آمنة مطمئنة ، إن ردات فعل الشارع الغاضبة دفعت حركة النهضة لمراجعة حساباتهم وإبداء إستعدادهم للتخلي عن السلطة ، حفاظاً على البلاد أن تنجر إلى متاهات الصراع الدامي مثل ما جرى من قتل الناس في سوريا ومصر نتيجة الإرهاب ، يجب أن يتعلم الجميع من حركة النهضة وأخص بذلك حركة حماس وكل الحركات الإسلامية في سوريا .

إن الحل في التوافق بدل المغالبة , إن الإستعداد لتقديم التنازلات من كل الأطراف لبعضها، وخصوصاً من قبل الطرف الأقوى المفترض فيه أن يقوم بدور كبير ، أي الأحرص على سلامتها ووحدتها ومصالحها وحماية الوطن من الأخطار ، ذلك هو السبيل الوحيد عندما يكون في قادة عظام يجنبوا البلاد من دمار لا سمح الله ، وإن للمجتمع المدني دوراً في تخفيف الإحتقان بين السياسيين الذين عادة ما تكون صراعاتهم التاريخية قد أورثتهم ركاماً هائلاً من العداوات والشكوك وتربص كل طرف بالآخر ، ورغبته الجامحة في النيل منه وتسجيل أهداف على حسابه ، فمن خصوصيات النموذج التونسي للتحول الديمقراطي ، الدور الذي نهض به المجتمع المدني سواء في الثورة أو في مرحلة التحول الديمقراطي الجارية ، وذلك على صعيد تيسير الحوار بين الأطراف السياسية المتنازعة , حيث لا يمكن أن ينجح حوار في مناخات بالشكوك وإنعدام الثقة بين الأطراف المتنازعة، وإعتماد خطاب سياسي وإعلامي يشيطن الآخر ويحرض عليه ويسعى جاهدا لإقصائه وتدميره .

لا يمكن لحوار في مثل هذه المناخات أن يفضي إلى وفاقات مشتركة وقادرة على الصمود ما لم يشعر الجميع بوجود الأزمة وخطرها على الجميع وعلى الكيان الوطني ، وهذا ما يتوجب أن يضعه الإسلاميون في حساباتهم السياسة ، فالرؤية التي تحمل معنى التفرد وتهميش الآخر وإقصائه ليست حالة جامعة بل هي وصفة للإصطفافات القاتلة ، كما هي هتك للنسيج المجتمعي وتفريق للصفوف ، وفتح الباب للمكر السيء والتحريض ، مما يجعل قدرتنا على تسجيل إنتصار أمراً بالغ الصعوبة .

هنا بالضبط تكمن إحدى فضائل الديمقراطية ، وهي التمرين الصعب والمرير والمديد على الحوار والتنازل للأطراف الوطنية الأخرى للوصول إلى المساحات المشتركة الوسطى ، حيث يلتقي الجميع أو معظمهم على قاعدة المشاركة بالحكم وليس الإستئثار به ، لقد نجح الشيخ الغنوشي في توفير مسار آمن للخروج من الحكومة ، والتوصل لتفاهمات حول خارطة الطريق التي ستضبط إيقاع المرحلة القادمة ، والتي ستديرها حكومة تكنوقراط ، خرجت من رحم التوافق الوطني وبرضى حركة النهضة التي تمثل الأغلبية في البرلمان ، وتمَّ النظر إلى ما جرى التوافق عليه بإعتباره كسباً للجميع ، وإنتصاراً للوطن ، وقطعاً لدابر الفتنة ، ولكل المتربصين بإستقرار البلاد وأمنها وأن الجميع رابحون .