مؤتمر باريس وتحديات حركة فتح
تاريخ النشر : 2017-01-01 20:06

في الأيام الماضية كثير من الصحفيين طلبوا مني المشاركة برأيي حول التحديات التي تواجه حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح بعد انتهاء المؤتمر العام السابع الذي جدد شرعية الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتصفيق في سابقة لم تحصل في تاريخ العمل الوطني ولا المؤسساتي الفلسطيني ، وذلك بحضور ما يقارب 1400 شخصية فلسطينية وما يزيد عن ستين وفداً دولياً لا يمكن تجاهل حضورهم المعنوي وإضفائهم شرعية مهمة لانعقاد هذا المؤتمر، ولكني امتنعت عن ذلك حرصاً مني على عدم الإدلاء بأي تصريح قد يكون مبالغ فيه أو قد يُحدِث حالة من البلبلة في الساحة الفلسطينية ، ولكن مع التطورات المتسارعة وقناعتي المطلقة بأن المعلومات المتوفرة تتناسب مع سير الأحداث برمتها قررت أن أعبر بشكل عام عن رأيي من خلال مقالي هذا!.

فالبعض يرى أن هناك تشرذماً قائماً في حركة فتح وأن مصيرها هو الزوال بعد أن تم تفريغها من مضمونها الإيديولوجي بشكل متعمد لحساب الحفاظ على مصالح فئة معينة باتت تحتكر القرار وأصبحت ذو قوة ونفوذ لا يمكن الاستهانة بها ولكن يعيبها بأن شرعيتها تتأكل وبأنها باتت فاقدة للشرعية الحقيقية التي تُستَمدُ من الشارع والتي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال صناديق الانتخابات.

 كيف لا، وبالأمس خرج الألاف من أبناء قطاع غزة في مشهد مُهيب ليحتفلوا بانطلاقة حركة فتح ، وقد حملت صور محمـد دحلان وهتفت الجماهير باسمه في حين أنه لم يتمكن أنصار الرئيس محمود عباس تأمين الدعم اللوجيستي لتأمين إلقاء كلمته في الجموع المحتشدة في هذا المهرجان الفتحاوي، مما يشير بوضوح بأن فتح غزة اتخذت قرارها بأنه لم يعد له نفوذ فيها بعد إهماله لها والتضييق على أهلها، وذلك جاء لصالح خصمه دحلان الذي يبدو بأنه خرج من معركة إقصائه من المؤتمر السابع والمجلس التشريعي أكثر قوة وصلابة عكس ما قيل حول أنه انتهى!.

 وهذا كان واضحاً خلال الكلمات المتلفزة لكل منهما التي تزامنت مع ذلك المهرجان ، حيث تحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمة مطولة إنشائية كان واضحاً فيها حالة التوتر ولربما الغضب من مشهد الجماهير التي احتشدت في قطاع غزة حاملة صور الرئيس الراحل ياسر عرفات وصور دحلان وقد أنزلت صوره ولم يسمح له بإلقاء كلمته أمام هذه الجماهير، حيث حملت وعود مكررة ولكنها عبرت بالرغم من تناقضها مع الواقع القائم عن تشبثه الواضح في الموقع وبأنه لا زال يمثل قمة الهرم وبأنه صاحب القرار والجهة الرسمية التي تمثل الشأن الفلسطيني حيث قال "لا أحد يقدر على قتل أحلامنا وإرادتنا في الحرية والعمل والعيش بكرامة في وطننا فلسطين"، وهذا كلام رأى فيه المراقبين أن فيه انفصال كامل عن الواقع لأنه يتناقض مع الحقيقة حيث أن الأفعال القمعية القائمة ألقت بظلالها على الواقع وأفقدت الخطاب الرسمي مصداقيته، بالرغم من حرصه على إبراز بعض الإنجازات التي تحسب له.

وبعدها خرج محمد دحلان في كلمة متلفزة يبدو بأن كلماتها أُخْتِيرت بعناية فائقة وقُرأت بلغة جسد يبدو بأنها كانت مدروسة، حيث حملت رسالة اطمئنان وثقة وبنفس ، حرص خلالها على نفي كل التهم التي أُلصِقَت به، وقدم نفسه كصاحب خريطة إنقاذ وطني مُلِحَة، فند خلالها أخطاء مرحلة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعبر عن عدم اعترافه بشكل قاطع بمخرجات المؤتمر العام السابع لحركة فتح الذي عقد في رام الله والذي سماه بأنه مؤتمر المقاطعة وليس مؤتمر فتح ، كما أنه ألمح بأن هناك خطوات لقطع الطريق على الرئيس محمود عباس الذي اتهمه بأنه يدمر حركة فتح ، ووضع رؤية مستقبلية بخصوص الحكم المستقبلي لفلسطين وبأنه لا يمكن أن يكون فردي بل سيكون جماعي، وذلك يبدو بأنه تماشياً مع تعقيدات وتحديات الوضع القائم التي باتت تفرض مفهوم القيادة الجماعية.

 رسائل الأمس في تقديري ليست عابرة حيث أنها حملت عدة جوانب مهمة أولها بأن من قال أن محمـد دحلان قد انتهى فالأمر لا يعدو سوى أضغاث أحلام وأمنيات لم تنل نصيبها من التحقيق بعد، وأن الرجل لا زال له تأثيره ووجوده وبأنه لا زال يملك الكثير من الأوراق المؤثرة على مجريات التوازنات الداخلية.

 أما الثانية فهي تقول بأن الشرعية التي تم الحديث عنها في المؤتمر السابع ، باتت تعاني الشكوك في أمرها ولا زالت بحاجة للكثير من الجهد لإثبات بأنها شرعية منتخبة، لذلك يرى المراقبين والمطلعين على الشأن الفلسطيني بأنه كان من الأفضل للرئيس محمود عباس أن يبادر بزيارة قطاع غزة فور انتهاء المؤتمر السابع لا أن يُشْعِر أهلها بأنهم أدوات مهمات خاصة للاستخدام وقت الحاجة فقط!، فهذا رأي بات له مؤيديه وحججهم القوية بالإقناع باتت كثيرة ومؤثرة في الشارع ، ويبدو بأن هذا أصبح سبب مهم من أسباب تآكل شعبية الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

 هذا لا يبعدنا كثيراً عن أن صوت حركة فتح بالأمس خلال المهرجان الفتحاوي في مدينة غزة، الذي جاء بعد التصويت في مجلس الأمن على قرار 2334 الذي أدان الاستيطان الإسرائيلي، وبالتزامن مع التحضيرات المتسارعة لمؤتمر باريس الدولي، حمل رسالة مفادها أن الوضع الفلسطيني لم يعد يحتمل المحاباة وأن النجاح الحقيقي ليس بالقفز عن تطلعات الشعب الفلسطيني الذي تمثل حركة فتح ركيزته ، ولكن بمشاركتها ومباركتها لأي خطوة تتعلق بمستقبله الوطني بشرط أن تكون موحدة وليس منقسمة على نفسها.

 فتح غزة بالأمس عبرت برسالة بالغة الأهمية بأنه لا يستطيع أحد أن يقصي أحد منها أو أن يجيرها لنفسه وأجندته، وأن من يريد وطناً ويريد أن يحقق نتائج مرجوة من أي مؤتمر دولي عليه أن يعمل على وحدتها، كما أنه يجب عليه أن يخفف من أعباء وألام وأجاع شعبه وأن يعمل على وحدتهم لا أن يبقى صامتاً على انقسامهم وتشتتهم!.

 كيف لا ، والعالم اليوم بات يتحدث بلسان واحد حول الوضع الفلسطيني وينتقد انقسامه الذي تسبب في ترسيخ الألآم والأوجاع للشعب الفلسطيني، كما أنه بات يرى أن القيادة الحالية لم تعد صاحبة القوة والتمثيل الحقيقي لجميع أطياف الشعب الفلسطيني ، وبالتالي لا بد من تجديد الشرعيات في حال رغب هؤلاء بالمشاركة بأي عملية سلام منشودة للانطلاق نحو المستقبل والدولة الموعودة .

 كيف لا ، والشعب الفلسطيني اليوم أصبح بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى حكومة برئيس وزراء قوي وذو خبرة وبصلاحيات واسعة للانطلاق نحو ترميم حالة الانقسام والتشرذم الداخلية التي تعصف بالوضع الفلسطيني، وذلك لمحاصرة أي أثار سلبية أو أي أهداف لا تتساوق مع التطلعات الفلسطينية في المرحلة الحالية والمستقبلية قد تصدر عن مؤتمر باريس الدولي وخاصة فيما يتعلق بقضية اللاجئين والقدس والاعتراف بيهودية الدولة.

 لذلك فإن البحث عن أي نجاح لضمان البقاء في المشهد لا يمكن أن يمر بدون أن تباركه حركة فتح موحدة بقواها الحية وبكوادرها بدون استثناء لأحد أو إقصاء لاحد لأن ذلك يعني أخذها لحالة من الصراع والمزيد من التشرذم والانقسام ومن ثم الفشل في أي مشروع بدونها.

 كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن الحديث عن عقد المجلس الوطني في الأشهر القادمة لفرز لجنة تنفيذية جديدة، هو بلا شك أمر حيوي وهو بالتأكيد بات مطلباً وطنياً عوضاً عن أنه أصبح مطلباً دولياً وإقليمياً لإفراز قيادة فلسطينية منتخبة وصاحبة شرعية قادرة على تحمل المسؤولية للتعاطي مع متطلبات المرحلة القادمة، ولكن لا يمكن إغفال التحديات أمام هذا التوجه حيث أنه لن يكتب له النجاح إلا إذا كان جامعاً للكل الفلسطيني في الداخل والشتات، وبالتالي لابد من العمل على ترسيخ مبدأ المشاركة في القرار والتوقف عن عملية التجيير لضمان التبعية التي لن تخلق حالة سوية بقدر ما ستخلق مشاكل مستقبلية جمى ستهدد مصالح الجميع.

 أخيراً ، في تقديري أنه ليس من باب الصدفة الحديث عن إمكانية طرح قرار جديد على مجلس الأمن يتعلق بالقدس واللاجئين بعد مؤتمر باريس الدولي الذي تزامن الإعلان عن تحديد تاريخ انعقاده مع الحديث عن منح الضفة حكماً ذاتياً بعد ضمها وإفساح المجال لإعلان الدولة الفلسطينية في قطاع غزة ، كما يبدو بأنه ليس من باب الصدفة التعبير العفوي عن الترحيب بفكرة الفيدرالية الفلسطينية بين الضفة وقطاع غزة!.

 ولكن الأكيد بالنسبة لي هو أن حصار قطاع غزة بهذا الشكل المجنون لن يستمر طويلاً ولن يقبل العالم الحر باستمراره ، وأن التغول على مقدرات الوطن والاستفراد بها كما هو الحال لن يستمر كذلك ، وكما كان هناك بداية فلكل بداية نهاية ، ومؤتمر باريس سيرسم معالمها كما عبرت حركة فتح اليوم في قطاع غزة عن نفسها ببداية جديدة بأنها لا زالت حية ولا يمكن تجاوزها!.