الشلل الأميركي
تاريخ النشر : 2013-10-15 10:51

بعدما فشل الاجتماع الذي عُقد بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ومسؤولين في الكونغرس مؤخراً، شن الرئيس الأميركي هجوماً حاداً على رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر، محملاً إياه وفريقه مسؤولية شلل الدولة الحاصل منذ أيام، حيث انفجرت الأزمة السياسية في أميركا، منذرة باحتمال امتدادها لفترة طويلة، الأمر الذي سيؤدي في حال استمرارها الى تكبد الاقتصاد الأميركي خسائر تصل الى 300 مليون دولار يومياً على الأقل، بل إن نسبة الخسائر هذه ستنمو إذا ما استمر المأزق الحالي داخل الكونغرس، لأن الوكالات والبرامج الحكومية ربما تنفد من الأموال من دون تلقي اعتمادات جديدة.
وكالة موديز للتصنيف الائتماني قدرت احتمالات تكلفة الإغلاق، إذا استمر بين ثلاثة وأربعة أسابيع، بتراجع النمو الاقتصادي للولايات المتحدة خلال الربع الأخير من العام بنسبة 1,4 في المئة، هذا علاوة على ارتفاع معدل البطالة.
ويبدو أن المشهد كأنه، راح يتكرر إذا ما رجعنا الى الوراء، حيث كان الرئيس ديموقراطياً ورئيس مجلس النواب جمهورياً، ولا سيما أن المأزق الذي يشهده الكونغرس، يتماثل في سيناريو يشبه ما حصل في عام 1995، في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون ورئيس مجلس النواب الأسبق نوت غينغريتش.
وقد حصلت عملية الإغلاق مرتين في تاريخ الولايات المتحدة، الأولى بين 14 و19 تشرين الثاني العام 1995، والثانية من 16 كانون الأول 1995 إلى 6 كانون الثاني 1996 (21 يوماً)، وكان نتيجة للصراعات بين الرئيس الديموقراطي آنذاك بيل كلينتون والكونغرس حول تمويل الرعاية الصحية والتعليم والبيئة والصحة العامة في موازنة العام 1996.
والمعروف أن الدستور الأميركي يشترط إقرار الميزانية من قبل الكونغرس بمجلسيه قبل بدء السنة المالية، حيث يقر مجلس الشيوخ نسخته الخاصة به، وكذلك يفعل مجلس النواب، ثم يتفق المجلسان المذكوران على نسخة موحدة وإقرارها معاً، قبل إرسالها الى الرئيس الأميركي لاعتمادها، غير أن الأخير يملك حق النقض لتعطيلها، وإعادتها مرة أخرى الى الكونغرس بمجلسيه، لتعديلها والتصويت عليها مجدداً.
ومن الواضح أن الأزمة المالية الراهنة، تتعلق بمحاولة الجمهوريين عرقلة إقرار الميزانية الجديدة، لحمل الإدارة الأميركية على تأجيل تنفيذ مشروع الرعاية الصحية، الذي سيتم تنفيذه في بداية العام المالي الجديد ـ أي في الأول من الشهر الجاري -، على الرغم من أن الرئيس الأميركي تصدى بقوة لهذه المحاولة الجمهورية، من دون أن يفلح بذلك، وكي لا يكون في وضع محرج أمام ناخبيه الذين أوصلوه الى الرئاسة، بعدما وعدهم في تنفيذ هذا المشروع الذي أقره الكونغرس الذي كان تحت سيطرة الديموقراطيين آنذاك.
ومن التجاذبات الساخنة بين مجلس النواب وإدارة أوباما، فإن كل الاحتمالات تشير الى أن الكونغرس قد وصل الى طريق مسدود حيال هذه الأزمة التي تتــضاعف يوماً بعد آخر، وأن المباحثات المعقدة بين الديموقراطيين والجمهوريين على هذا المنحى في هذا الوقت، لم تسفر عن حل مناسب، يفضي الى تمرير الميزانية، حتى لو كان مجلس النواب قد صوّت على مشروع قانون موازنة مؤقتة لتفادي عملية الإغلاق، لكن مشروعاً كهذا لم يتضمن تمويلاً لمشروع الرعاية الصحية.
وأمام هذا الفشل في تمرير تمويل الدولة الفيدرالية، أصبح حتمياً على الحكومة الأميركية القيام بإغلاق جزئي للأبواب مع بدء السنة المالية الجديدة في الأول من الشهر الجاري كما أسلفنا، لكن الأيام المنصرمة من هذا الإغلاق، أصابت الوكالات والبرامج الحكومية بشلل كبير، وهي التي تعتمد أصلاً على اعتمادات التمويل السنوي من الكونغرس، وهذا الشلل بات يُعرف حالياً بـ«الشلل الأميركي».
وعلى واقع التضارب في المواقف بين الجمهوريين والديموقراطيين، فإن التسوية تبدو صعبة بين الطرفين على الأقل حالياً، كما أن الرئيس الأميركي لن يقدم على تقديم تنازلات للجمهوريين قد تؤدي الى ركود اقتصادي.
ويُذكر في هذا السياق أن الجمهوريين اشترطوا إلغاء مشروع الرعاية الصحية (أوباما كير) من الميزانية، وهذا الشرط من بــنات أفـكار الجنــاح المحــافظ داخل مجلس النواب الذي يُعرف باسم (حزب الشاي)، الذي برر هذا الشرط بمعالجة عجز الميزانية، الأمر الذي جعل رئيس المجلس جون بينر (الجمهوري)، يعمد الى إضافته الى مشروع الميزانية، لكن هذا الربط رفضه الديموقراطيون بشدة، كما أن أوباما بدا ساخطاً حيال مطالب الجمهوريين، حتى أنه صرح لمحطة التلفزيون (سي إن بي سي) الأميركية وأوردها راديو سوا بالقول، أنا ساخط لأنه إذا لم أقل لعشرين مليون شخص أنه ليس في إمكانهم الوصول إلى الضمان الصحي، فإن الدولة ستبقى مشلولة بسبب الجمهوريين.

عن السفير اللبنانية