أحداث الجامعة والقائمة الوطنية
تاريخ النشر : 2016-11-29 13:02

لن تستطيع توصيات مجلس أمناء الجامعة الاردنية وقرارات رئاستها ، بعد التحقيقات الامنية ، ونداءات العاقلين ، وأسئلة الكاتب المميز عبد الهادي راجي المجالي ، وإجاباته الحاسمة أن الذين قاموا بأفعالهم المشينة يوم الخميس 24/11/2016 ، في إختراق حرم الجامعة الاردنية والمس بأمنها وحرمتها لن يستطيعوا حماية بلدنا ووطناً يسكننا ، طالما “ لا يجيدون حماية بناتنا اللواتي أرسلهن الاهالي للجامعة كوديعة مصانة بين أولاد العشائر والقبائل “ .

مظاهر مشينة حينما يصرخون “ عليهم عليهم “ وكأنهم شرق النهر يفعلون كما فعل أجدادهم وأبائهم غرب النهر على أسوار القدس عام 1967 وغربها عام 1948 ، أو يفعلوا كما فعل جنودنا على حدودنا الشرقية والشمالية الشرقية ، في مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة وصد كل المحاولات التي سعت نحو المساس بأمن شعبنا وبلدنا ووطننا الذي يسكن فينا كما نسكن فيه ، فأفعالهم المشينة في إجتياح الجامعة لا صلة لها بالمجد والكرامة التي خطها شهداء وبواسل من الاردنيين ، من كافة أصولهم ومنابتهم حماية للأردن من عدونا الوطني والقومي والديني ، ودعماً لفلسطين ، في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، لأنهم أولاد الاردن التعددي بمكوناته من أبناء الريف والبادية والمدن والمخيمات ، أردن العرب كما الشركس والشيشان والاكراد ، أردن المسلمين والمسيحيين والدروز ، أردن كرامة الانسان الذي يستحق الكرامة ، أردن السلطية كما أهل الكرك ، والطفايلة كما أهل الشمال ، وأبناء عجلون كما هم أبناء معان ، وحينما تباهى يحيى السعود أمام مجلس النواب ، قال أنا من مواليد الطفيلة وجسدت الوحدة الوطنية بوالدتي وزوجتي والناس الذين إنتخبوني كما حصل في نوعية الناخبين الذين إنتخبوا عبد الله العقايلة في الثانية ، ومحمد راشد البرايسة في الاولى ، وكما يتباهى مرزوق الدعجة من الزرقاء .

إجراءات المعالجة ، وتنفيذ العقوبات ، ونداءات الخيرين ، وقذائف عبد الهادي راجي المجالي الدافئة وغيرها من وسائل الحماية مطلوبة ولكنها غير كافية إن لم نذهب إلى جذر المشكلة ، والمشكلة سياسية تربوية إقتصادية إجتماعية ، إنها مشكلة التعصب ، والانغلاق ، ورفض الاخر ، والادعاء بالتفوق ، والقوة ، والتباهي بالاحادية ، إنها تراث تراكمي من الخطايا التي أرتكبت بحق شعبنا وشبابنا وعملت على تمزيقه ، بوعي مرضي أو بجهالة متخلفة .

لنقفز نحو السياسة أساس البلاء وأداة إزالته ، فالسياسة هي العنوان الجامع الذي يضم تحت إبطه الاقتصاد والتربية وتسيير المجتمع ، وثمة سياسة أمنية ترسخت خلال عشرات السنين تقوم على المحاصصة الجهوية ، فغدت هذه السياسة ، هذه المحاصصة هي بوابة الوصول إلى الحكومة ، فالتوزيعات لا صلة لها بالقدرة والتفوق ، بل بالمحاصصة الجهوية ، ولذلك بدون فلسفة ولا تردد ، لقد إستند تشكيل الحكومات على المحاصصة الجهوية منذ عشرات السنين ، وهذا أصل البلاء السياسي لأن الجهوية والعشائرية هي أداة الوصول إلى السلطة وبوابتها للنفوذ ، والاضافة النوعية الاكثر خطورة في إستمرارية هذا البلاء وتعمقه وإنفجاره كما حصل في العراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان والصومال ، بين عناوين المواطنة الواحدة المأزومة ، بين العرب والاكراد ، بين السنة والشيعة ، بين العرب والامازيغ ، وبين العرب والافارقة .

الحل في بلدنا ، حل سياسي بالدرجة الاولى ، ليتبعه حلولاً إقتصادية وإجتماعية وتربوية ، في العمل نحو ترسيخ روح المواطنة الواحدة تحت راية الهوية الوطنية الاردنية الموحدة ، ليست على حساب الهويات الفرعية والجهوية ، بل من خلال جمعها ، لتكون موحدة في أحزاب سياسية ، وكتل برلمانية سياسية ، لتصل إلى نائب أردني ، وهوية أردنية ، ووزير أردني ، خلاصة إنتاج قائمة وطنية أردنية تجمع الكل في قائمة إنتخابية موحدة .

لقد إستخلصت لجنة الحوار الوطني الملكية برئاسة طاهر المصري ، وعضوية ذوات يمثلون مختلف الاطياف السياسية إلى ضرورة الجمع بين قائمتين للإنتخابات ، قائمة محافظة ، وقائمة وطنية ، كي تتطور القائمة الوطنية بشكل تدريجي تراكمي لنصل إلى قائمة مائة بالمائة قائمة وطنية ، وحينما قررت الحكومة ومعها مجلس النواب عدد القائمة الوطنية ، رفع رأس الدولة جلالة الملك عدد القائمة الوطنية من 15 مقعداً إلى 27 مقعداً ، وإستبشرنا خيراً ، وقلنا لقد تم وضع القاطرة على السكة ، ونفذ جلالة الملك إرادته بضمان تنفيذ توصيات لجنة الحوار الوطني الملكية .

وتشكلت قوائم على مستوى الوطن على إمتداد الاردن ، لتكون النتائج الاولية مبشرة ، إذ نجح عاطف الطراونة إبن الكرك مع خميس عطية إبن المخيم ، والمرأة المسلمة رولا الحروب مع الرجل المسيحي منير الزوايدة ، ومصطفى العماوي إبن أربد مع محمد الحاج إبن الزرقاء على قائمة حزب الوسط الإسلامي ، وعبد الهادي المجالي حصل على أصوات معتبرة من البقعة ، وهكذا كبداية مقبولة في بداية الطريق ، وتغيرت الحكومة ، وتغير القانون ، وكأننا بلا مرجعية ، وبلا ذاكرة ، وبلا هدف ، حيث تم شطب القائمة الوطنية ليكون بديلاً عنها قائمة المحافظة الاكثر خللاً وإنحداراً وتمزقاً .

معالجة أحداث الجامعة الاردنية من السهل معالجتها بالعقوبة للمتسببين ، ولكن تداعياتها وإنتقالها من موقع إلى موقع ، ومن حدث إلى حدث ، ظاهرة سياسية مرضية بإمتياز ، تحتاج لمعالجة سياسية نقية ونبيلة بعيداً عن الانغلاق والتسلط والهيمنة لقوى الشد العكسي التي تدعي أنها الاكثر حرصاً منا ، من كل الاردنيين الوطنيين والقوميين واليساريين والإسلاميين والليبراليين وهم دونهم جميعاً ، لأن “ قوى الشد العكسي “ لا ترى إلا مصلحتها الجهوية والفردية الضيقة وهي سبب العلة والداء والتخلص من سياساتها وتسلطها وإنفراديتها هو العنوان الاول والخطوة الاولى عبر توسيع قاعدة المشاركة والشراكة لكل الاردنيين ، أردن التعددية والديمقراطية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والاحتكام إلى صناديق الاقتراع التي تفرزه القائمة الوطنية من كل الاردنيين ولكل الاردنيين ، وصولاً إلى حكومة برلمانية حزبية حقاً كما حصل في بلد شقيق هو المملكة المغربية .

[email protected]