الخطوط الحمر لتركيا في الأراضي السورية
تاريخ النشر : 2016-11-28 21:49

بعد أن تم أتفاق المصالحة بين أنقرة وموسكو، قامت أنقرة برسم خارطة لتحركها في الشمال السوري، وذلك ضمن معادلة الحفاظ على أمن تركيا، فقامت قوة تركية ودخلت بلدة جرابلس، باعتبار أن جرابلس نقطة تحت سيطرة تنظيم داعش، كما أن تركيا أرادت ضمن تلك المعادلة منع تواصل السيطرة الكردية الرامية لبناء شريط حدودي يصيب وحدة سورية، ويهدّد أمن تركيا، واستخدمت جزءاً من البنى العسكرية للمعارضة التي نقلتها من مناطق انتشار جبهة النصرة لتشارك بها المعارك ضدّ تنظيم داعش تحت شعار فصل جبهة فتح الشام النصرة سابقا عن فصائل المعارضة.

والمتتبع للشأن التركي يرى بأن تركيا واصلت من رسم خرائط أشمل لتحركها هناك، كما أنها اعتمدت إلى الوقت الضائع قبل أن تقوم موسكو ودمشق وطهران لدخول ساعة الحسم في الشمال السوري، وذلك من أجل فرض أمر واقع في المناطق الهشة، التي تشبه وضع بلدة جرابلس، وتمكنت تركيا من الوصول إلى تخوم مدينة الباب في توقيت كان ذروة معارك، واعتبرت حاسمة لموسكو ودمشق والحلفاء حول شرق مدينة حلب، فما كان من دمشق إلا أن قامت بإرسال رسالة دبلوماسية قويّة إلى أنقرة توعدتها بالتصدي بالقوة لكلّ توسع وتوغل داخل أراضي سورية وكلّ انتهاك لأجواء سيادة سورية، وكان على حكومة أنقرة حينذاك أن تواجه ساعة الحقيقة، لأن التصدي بالنار لجيش سورية هو مشروع حرب سينتهي في النهاية باشتباكات مباشرة مع القوة الروسية، مما يعود بعلاقات أنقرة مع موسكو إلى أسوأ مما كانت، لكن المعادلة في مدينة الباب تبدو مختلفة، فهي ليست منطقة هشة وكما أنها بعيدة عن تموضع جيش دمشق، والتقرّب إليها يتمّ في ذروة وقت الحسم، لأن قيمة التمسك بوحدة سورية يستدعي من موسكو الوقوف مع جيش سورية، وذلك لكي يتم منع كانتون تحت سيطرة الأتراك، عوضا من الشريط الكردي، الذي لم يعد يشكل خطرا في الوقت الحالي، لأن مفهوم السيادة السورية يعني حكما مساندة جيش سورية، والخيار هنا ليس بين تنظيم داعش وأنقرة أو الأكراد، بل بين جيش سورية الحليف فوق أرضه وترابه الوطني، وبين جيش أجنبي لا يملك أيّ تفويض من حكومة دمشق الشرعية.

ومن هنا فإن موسكو كانت بحاجة إلى قيام جيش النظام السوري بمواجهة توغل تركيا، ومما لا شك فيه فإن دمشق كانت بحاجة لعرض سلاح ونار يرسلان الرسائل بقوة، وعليه فموسكو وفّرت الطائرات التي تمكنت من التصدي للطائرات التركية، التي استهدفت مواقع تركية حول مدينة الباب، لدفع أنقرة للاتصال بالرئيس الروسي مستفهما خطورة الموقف، مما جعله يذكّره بثوابت موسكو كما صرح بها في لقاء التصالح، ودعاه للتصرف بعقلانية، حيث إذا أراد الجيش السوري دخول الباب فلا يمكن لموسكو إلا أن تكون معه، وسيطرة تنظيم داعش في مدينة الباب لا تجعل المدينة أرضا مشاعا يملكها من يستطيع إخراج تنظيم داعش منها، لكن تبقى الأولوية لدخولها لجيش سورية.