مناشدة للأخ الرئيس أو مازن .. مُدخلات المؤتمر السابع تكرس ظاهرة «الإقطاع التنظيمي»
تاريخ النشر : 2016-11-26 00:51

الإقطاع هو نظام اجتماعي اقتصادي سياسي قائم على حيازة الملكية العامة (الأرض)، وينظم العلاقة بين السيد الإقطاعي والتابع. وتتكون عناصر هذا النظام من السيد الإقطاعي، وهو الشخص الذي يمتلك الأرض وقد يكون من طبقة النبلاء «الأسياد»، ويساعده التابع وهو الشخص الذي عليه العمل في الأرض والفلاحة، ويكون من طبقة «الشغيلة» بالوراثة، والأرض المُقطَعة هي الأرض التي يمنحها السيد الإقطاعي للتابع للعمل بها وضمان معيشته.

وأما «الإقطاع التنظيمي» المقصود هنا فهو: حيازة أو ملكية الفئة العليا من القيادة لمقدرات الحركة، وقدرتهم على التحكم بأصول العملية التنظيمية عبر فئات من التابعين (الأعضاء). وبالتمعن في الكشف النهائي لأعضاء المؤتمر العام السابع لحركة فتح، تحديداً في قطاع غزة، نرى أن ظاهرة «الإقطاع التنظيمي» تبدو واضحة في مدخلات المؤتمر، بل وأكثر من ذلك تبدو بعض المدخلات والأسماء قد اختيرت بشكل انتقائي، لكي تصوت لصالح أحد المرشحين «النبلاء» المتنفذين والمتحكمين في مُدخلات المؤتمر. ويمكن توضيح ذلك من خلال:

أولاً: الأوزان النسبية داخل المؤتمر: ظهر من خلال الكشف المُعلن (أو المسرب عبر وسائل الإعلام) عدم التكافؤ، وغياب المنطق والعدل في توزيع العضويات، وقد تمثل ذلك في:

1)       جاءت الكتل الانتخابية كالتالي: أقاليم المحافظات الشمالية (198 عضواً)، أقاليم المحافظات الجنوبية (112 عضواً)، الأقاليم الخارجية (128 عضواً). المفوضيات (57 عضواً)، العاملين في السلطة (138 عضواً)، المنظمات الشعبية (146 عضوا)، العسكريين (151 عضواً)، الأسرى (66 عضواً)، المرأة (51 عضواً)، السفراء (44 عضواً).

2)       جاءت حصة تمثيل الأقاليم الخارجية (128 عضو)، فباستثناء الساحة الأردنية (16 عضواً) والسورية (15 عضواً) واللبنانية (16 عضواً) وهو تمثيل منطقي بحسب نسبة التواجد الفلسطيني، لكن ليس من العدل أو المنطق أن مجموع أقاليم الساحات الخارجية يفوق عدد أقاليم قطاع غزة (112 عضواً)، فإذا كانت نسبة التمثيل في المؤتمر تتناسب مع نسبة العضوية في كل إقليم/ساحة، فلا أعتقد أن عدد الأعضاء في كل ساحات أوروبا يساوي عدد الأعضاء في مخيم الشاطئ أو مخيم جباليا مثلاً.

3)       كان المتعارف أو المتفق عليه، أن تكون نسبة أعضاء المؤتمر من قطاع غزة إلى نسبة أعضاء المؤتمر من الضفة الغربية بنسبة (40% غزة مقابل 60% الضفة)، وذلك بعد خصم نسبة تمثيل أعضاء الخارج. ومن خلال مقارنة عدد أعضاء لجان الأقاليم يتضح أن نسبة قطاع غزة لا تتجاوز 36% من أعضاء لجان الأقاليم في محافظات الوطن، بمعنى أنها أقل من المفترض، وبالتالي كان لا بد من تعويض هذه النسبة من خلال باقي القطاعات الأخرى (كفاءات، أو المنظمات الشعبية، أو العاملين في السلطة وغيرها من مكونات المؤتمر)، إلا أن هذا الأمر لم يحصل بل ما حصل هو العكس تماماً؛ ففي حين تمثلت الضفة بعدد من الكفاءات تجاوز (70 عضواً) شملت كفاءات حركية، ومتقاعدين مدنيين، ومقاومة شعبية، وأمانة سر اللجنة المركزية، وذوي الاحتياجات الخاصة، ورجال إعمال، تمثلت غزة بـ(25 كفاءة) من كل تلك القطاعات، أي بنسبة 26% فقط مقارنة بـ 74% للضفة الغربية. وأما كفاءات المرأة فقد تمثلت الضفة الغربية بـ(20 أخت) بينما تمثلت غزة بـ (10 أخوات) فقط، بما يعادل نسبة 33%. وقس على ذلك، وبالتالي ازدادت الهوة بشكل طردي أكبر بعد تحليل باقي بيانات ومدخلات المؤتمر. والنتيجة النهائية لا تتجاوز في أحسن الأحوال نسبة 25% غزة مقابل 75% الضفة.

4)       التكرار في نفس القطاعات: فمثلاً تجد في بند الكفاءات عدد (15 عضو) لذوي الاحتياجات الخاصة، ثم تجد في بند آخر نقابة الجرحى وقد مثلت بعدد (5 أعضاء). وكذلك بند كفاءات الجامعات (4 أعضاء)، وبعدها تجد ممثلين لنقابة العاملين في الجامعات (5 أعضاء). وكأننا نختار أشخاص ثم نبحث لها عن مسميات لإدخالها في المؤتمر.

5)       العاملين في السلطة: وأما القطاع الذي جاء أكثر ظلماً فهو قطاع العاملين في السلطة الفلسطينية، والذي يمثل (138 عضواً)، فقد تمثل قطاع غزة بـ(14 عضو) فقط، وهذا العدد يشمل السفراء، أعضاء المجلس التشريعي، وأعضاء مجلس الوزراء، وموظفي الوزارات والهيئات المختلفة، والعاملين في دوائر منظمة التحرير. وجزء من هذا العدد (14) مقيم أصلاً خارج قطاع غزة.

6)       المنظمات الشعبية: يبدو من خلال الكشف النهائي أن حجم الخلل في قطاع المنظمات الشعبية أكثر وضوحاً. فتجد أن المنظمات الشعبية قد تم تمثيلها في المؤتمر بـ(146 عضواً)، وهي الكتلة الثالثة من حيث العدد (بعد أقاليم المحافظات الشمالية، والعسكريين)، وبغض النظر عن مدى حضور وفعالية المنظمات الشعبية داخل الحركة – وهو أمر يحتاج لنقاش معمق - فإن التوزيع النسبي للعضوية شابه الكثير من الخلل؛ فمثلاً: في بند اتحاد الفنانين التشكيليين (13 عضو) جلهم لا ينتمون أساساً لهذا القطاع، وعددهم يفوق اتحاد العام لعمال فلسطين (11 عضو). وبينما مُثّل الأطباء بـ(9 أعضاء) والأطباء البيطريين بـ(3 أعضاء) وأطباء الأسنان بـ(6 أعضاء) ونقابة الطب المخبري بـ(3 أعضاء)، والصيادلة بـ(4 أعضاء)، والتمريض بـ(5 أعضاء)، بما يعني أن مجموع القطاع الصحي (30 عضواً)، مُثل قطاع المعلمين بـ(7 أعضاء) فقط!. وأما المفاجأة فقد كانت في اتحاد الفنانين التعبيريين (5 أعضاء)، وعن السؤال عن ماهية هذا الاتحاد؟ تبين لنا أنه يمثل الفنانين والعازفين والمغنيين في الأعراس!.

7)       وأخيراً، ونحن نتحدث عن الأوزان النسبية داخل المؤتمر، فلا يفوتنا التنويه إلى نسبة المنتخبين مقارنة بنسبة المكلفين (المُعينين). فمن خلال تحليل البيانات المُعلنة نجد أن الفئات المنتخبة هي: اللجنة المركزية والمجلس الثوري (على افتراض أن كلهم منتخبون)، وأعضاء الأقاليم الشمالية والجنوبية، وأعضاء الأقاليم الخارجية (لو افترضنا أنهم منتخبين)، وأعضاء المجلس التشريعي، بالإضافة للمنظمات الشعبية (بافتراض أن كل ممثلي المنظمات منتخبين من قواعدهم)، ومجموع كل هذه الفئات (22+86+112+198+128+16 = 562 عضواً) من أصل 1400 عضواً، أي بما نسبته 40% منتخبين في مقابل 60% من أعضاء المؤتمر مكلفين (معينين)، وهي نسبة تستحق التأمل والنقاش!.

ثانياً: تكريس ظاهرة «الإقطاع التنظيمي» والعلاقات الشخصية و«الزبائنية»:

الملاحظة الرئيسية الثاني في تحليل مدخلات المؤتمر هي: أن الآلية التي تم بها اختيار العضوية اعتمدت على العلاقات الشخصية ببعض المتنفذين في قيادة الحركة واللجنة التحضيرية، وأن تلك القيادات المتنفذة اعتمدت على علاقات «زبائنية» فجة في الاختيار، مع غياب حد أدنى من المعايير التنظيمية، وقد اتضح ذلك بوضوح من خلال بند الكفاءات والمنظمات الشعبية، وحتى في كثير من مكونات المؤتمر تجد أن ضمن الفئة الواحدة يتم اختيار شخص واستثناء آخر، دون معايير واضحة، كأن تستثني أمين سر مكتب حركي مركزي وتختار عضو في نفس المكتب، فقط لأن القائد «الإقطاعي» المتنفذ لا يرغب بوجود أمين السر. أو أن يتم اختيار عضو تحت بند الكفاءة من إقليم معين، بينما يستثنى أعضاء آخرين من نفس الإقليم يفوقوه في الكفاءة والنشاط والفعالية والتواصل ويعلوه في المرتبة التنظيمية، وعدد منهم شغل عضوية مكتب تعبئة وتنظيم أو أمين سر إقليم سابق، وهم من الملتزمين بالشرعية، وعند السؤال عن السبب يتضح أن الأخ الذي تم اختياره صديق مقرب لأحد الأعضاء في اللجنة التحضيرية (مرضي عنه)، وهو تجسيد حقيقي للعلاقات «الزبائنية» القميئة، التي لا تليق بحركة جماهيرية كحركة فتح، والأمثلة هنا كثيرة لا يتسع المجال لتعدادها! وهذا ما خلق حالة من الغضب، والشعور بالامتهان لدى قطاع عريض من الكادر التنظيمي المتقدم، بخاصة كادر الانتفاضة الأولى، وهي شريحة عُمرية ونمطية مؤهلة وقادرة على البذل والعطاء (ما بين 40-50 سنة).

وتتضح العلاقات «الزبائنية» والنزعة «الإقطاعية» بوضوح في بند كفاءات رجال الأعمال. فهل هنالك مادة في النظام الأساسي للحركة تنص على تمثيل كفاءات رجال الأعمال؟، وعلى حساب من استحوذ رجال الأعمال على تلك الحصة (11 عضواً)؟، ومن قال أصلاً أن رجال الأعمال لديهم هذا الحرص على عضوية مؤتمر فتح؟، وعلى افتراض أنهم قطاع مهم يجب تمثيله ضمن الحركة فهل يحق لهم هذا العدد؟ هل شريحة رجال الأعمال أكبر من شريحة المعلمين مثلاً؟ أولم يكن من الأجدى اختيار بعض رؤساء القوائم الانتخابية الممثلة لحركة فتح في انتخابات البلدية الأخيرة، حيث تم اختيارهم بعد عملية ترشيد وفلترة طويلة ودقيقة، عبر قطاعات واسعة من أبناء الحركة، فيما يشبه استفتاء داخلي على مدى حضورهم وجماهيريتهم؟ هذا إن أردنا أن نفكر خارج الصندوق.

وفي ظني أن القضية ليس مجرد رغبة في تمثيل شريحة رجال الأعمال، أو رغبة في تنشيط وتحفيز القطاع الخاص، فمصالحهم الاقتصادية تدور بفاعلية وكفاءة سواءً دخلوا المؤتمر أو لم يدخلوه، ولا أعتقد أن عضوية «كفاءة» المؤتمر بالنسبة لهم مطمع كبير ليزاحموا أبناء الحركة عليه، بل القضية في رأيي أن هنالك توجهات نمطية ذات نزعة «إقطاعية»، تسعى لتكريس فئة رجال الأعمال داخل الحركة والمجتمع، وتسمح لها بالتغلغل التدريجي داخل أطر الحركة ومؤسساتها، ربما تمهد لبروز دور رجال الأعمال في الحياة السياسية الفلسطينية؟. وهذا مع احترامنا – بالطبع - لرجال الأعمال الوطنيين، فلسنا ضد وجودهم الفاعل في الحياة العامة لاستنهاض القطاع الخاص، وبناء المجتمع.

أضف إلى ذلك، أن هذا المؤتمر شهد بروز ظاهرة جديدة أخرى – ربما لم تكن بنفس الوضوح في السابق- وهي ظاهرة المواطنين واللاجئين! ورغم أننا نشعر بالخجل من هكذا تقسيمات داخل الحركة، فإننا نفاجأ بأن البعض يمارسها بشكل فج ومفضوح لصالح أبناء الباشوات «الإقطاع»، وعلى حساب مئات الكادر الذي أفنى عمره في رحاب الحركة، متنقلاً بين المعتقلات الإسرائيلية. والأمثلة هنا كثيرة، ولا داعي لتفصيلها من باب المسؤولية الأخلاقية، وعدم شخصنة الأمور، فهنالك شخوص لا تراهم في أي موقع أو مهمة تنظيمية، إلا إذا كان القائد الفلاني مسئولاً ومتنفذاً في ملف غزة، فهل هي من قبيل الصدفة؟! والواضح إذن أن جزء لا يستهان به من أعضاء المؤتمر قد تم اختيارهم بعناية، لأهداف انتخابية صرفة، ليصبحوا كذكر النحل الذي يؤدي مهمته الأخيرة!

وخلاصة القول، أنه لم يحدث من قبل في فتح أن بلغ مثل هذا التفاوت، واتساع الفجوة بين المحظوظين والمهمشين في الحركة لهذه الدرجة التي وصلت لها اليوم .. لدينا أزمة عدل، وأزمة قانون، وأزمة إدارة، وأزمة برنامج، وأزمة ثقة، حيثما التفت هناك أزمة، هناك استعصاء، هناك عجز. إن العدل أساس الحُكم، وإذا غاب العدل وعمّ الظلم، وغابت المعايير التنظيمية والأخلاقية، فتوقع أي شيء، وكل شيء.