عودة إلى سفر تكوين أوسلو (1-3)
تاريخ النشر : 2013-10-14 12:58

على ما يبدو أننا فشلنا في التحدي الذي فرضه اتفاق أوسلو حين وضعنا أمام سؤال ، هل يستطيع الفلسطينيون اجتياز الامتحان الصعب في التداخل بين البرنامج الوطني والاجتماعي ؟
في اليوم الرابع والخامس من شباط عام 1994 عقد في فندق الامباسادور في القدس مؤتمر تحت عنوان " تحديات المرحلة الانتقالية للمجتمع الفلسطيني /المؤتمر الأول بمبادرة من مركز القدس للإعلام والاتصال JMCC وخاضت شخصيات وازنة من النخبة الواعية الفلسطينية في الوطن والمهجر حوارات ديمقراطية جادة ومسئولة ومعمقة وقدمت أوراق كثيرة تتعلق بتحديات المرحلة الانتقالية.
كانت خلاصة التحديات هي، كيف نناضل؟ وما هي أدواتنا في النضال لاستكمال التحرر؟ وكيف تكون العلاقة بيننا كشعب؟ وأحزاب؟ وحكام؟ أي بمعنى ماهية النظام السياسي الجديد والديمقراطية ومصير الانتفاضة سلاحنا الوحيد الذي أنتج اتفاق أوسلو وحول الثوار إلى حكام.
وأتذكر عند قراءتي للأوراق ضمن الكتاب الذي أصدره مركز القدس للإعلام والاتصال جزء من مداخلة للرفيق نعيم الأشهب في احدي الجلسات حين قال:
" نحن منذ أن بدأت العملية السلمية أهملنا كفاحنا الأساسي في المعركة المتاحة وهي الانتفاضة ولم نسهر أبدا على حمايتها من التآكل ، نحن نعترف بأن الفيتناميين والجزائريين دخلوا مفاوضات لسنوات طويلة ولكن خلال المفاوضات كانوا حريصين على سلاحهم الأساسي في المعركة ، ""إن سلاحنا الأساسي كان الانتفاضة تآكل ونحن نراه دون أن نبدي أي اهتمام بالحافظة عليه""
نعم اليوم ونحن على حافة الهاوية يدرك كل وطني فلسطيني غيور متورط أو غير متورط في تمجيد أو معارضة اتفاق أوسلو أو ربط مصالحه بمكاسب السلطة ومفاتنها أو من تبنى افشال أوسلو ، ندرك جميعا اننا كنا ومازلنا أمام الحالة التاريخية الوحيدة التي أتاحت للفلسطينيين أن يبنوا نظاما سلطويا على جزء من أراضيهم وبأننا فشلنا بجدارة في حماية سلاحنا الاساسي وهو الانتفاضة الشعبية "السلمية" التي انتجت بل أجبرت اسرائيل والعالم للدخول في عملية أولية للتحرر أو الانتحار سميت اتفاق أوسلو.
ولكن لماذا وكيف تخلينا عن انتفاضتنا السلمية السلاح الأقوى في وجه اختلال التوازن العسكري بالمطلق لصالح اسرائيل ؟ كانت انتفاضتنا السلمية السلاح الأقوى لمنع غطرسة اسرائيل العسكرية أمام العالم كما يقول الأثر والنتائج الآن وهو الأهم من الشعارات والعواطف.
حين تنبه البعض منا متأخرا وحاول من جديد استعادة هذه الانتفاضة وأطلقوا عليها المقاومة الشعبية كان الوقت المناسب قد مضى وهيهات فقد جرى في النهر مياه كثيرة.
جرى في النهر تحول قطاع كبير من شعبنا إلى موظفين ومنتسبين لمؤسسات الحكم واعتمادهم على سلطة بدأت اسرائيل مبكرا وعلى خلفيات كثيرة تتحكم في مصيرها، وأصبحت السلطة بقدرة قادر كمؤسسة مجتمع مدني تتلقى الدعم وشريان الحياة بشروط الداعمين تتحكم فيه اسرائيل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وتجمدت حالة السلطة على اعتمادها الكلي على مقدمي الأموال والداعمين للمشاريع وبرامجهم وأجنداتهم ولكن لو استمرت الانتفاضة السلمية لتجاوزنا هذه الحالة لحالة متقدمة أفضل.
جرى في النهر زيادة الدعم الأيديولوجي والمال السياسي والسلاح لجماعات الاسلام السياسي وازدهرت أعمال هذه التنظيمات بالمقاومة العسكرية وانحاز الشعب لها على خلفية تعثر عملية السلام بفعل اسرائيل والفساد الاداري والمالي للسلطة وفقدان أهم أوراق إدارة المفاوضات وهي الانتفاضة السلمية، وأصبحت الصورة أمام العالم بأننا دولة وند عسكري لإسرائيل ونمتلك الألسلحة والصواريخ.
اتسع الصراع الداخلي والتنافس على قيادة الشعب الفلسطيني وباختصار شديد وصلنا لحالة الفشل السياسي والعسكري والتمزق المجتمعي وانقسم الوطن والتحقنا بالصراعات الإقليمية والدولية وفقدنا البوصلة جميعا وتمخضت الحالة عن صراع على السلطة ومكاسبها وفقدان ثقة الشعب بكل ما هو موجود ناهيك عما دفعناه من خسائر هائلة بشرية ومادية وتوحش الاستيطان نتيجة عدم تمكننا من فهم بسيط في ادارة الصراع لتآكل الانتفاضة السلمية مبكرا والذي يتحمل المسئولية عنه هي قيادة هذا الشعب بكل تلاوينها وما لم يحدث تغيير جذري للتخلص من هذه القيادة الفاشلة فلن نستطيع مواصلة الطريق للتحرر وأقصد هنا هؤلاء المزنوقين بمقاومتهم في غزة وأولئك المزنوقين بمفاوضاتهم في رام الله.
الخلاصة : الانتفاضة الشعبية السلمية وليست المقاومة هي التي أتت بأوسلو وأوسلو هو الذي أتى بهم للحكم إلى هنا كنا نسير في الطريق الصحيح ، والحكم والصراع عليه والتسلح هو الذي دمر الشعب الفلسطيني وقضيته، وهنا بدأ الخطأ فاتركوا الحكم وعودوا لانتفاضة شعبية سلمية ليس لركوبها للوصول للسلطة من جديد والتكرار الذي لا يعلم الشطار ، ولكن لإجبار اسرائيل والعالم من جديد للرضوخ لحقنا في اقامة دولتنا الحرة والديمقراطية.
14/10/ 2013م
في هذا الجزء الأول تحدثت عن الأداة النضالية
في الجزء الثاني سأتحدث عن م.ت.ف
في الجزء الثالث سأتحدث عن المفاوضات