اصلاح القضاء ... ترهل القضاء ... استعلاء القضاء ... ومستقبل طفل
تاريخ النشر : 2014-02-07 19:21

(1) اصلاح القضاء ... الفرصة الاخيرة

أعاد اضراب نقابة المحامين، بعدم الوقوف امام المحاكم للمرة الثانية في فترة قصيرة لا تتجاوز الستة أشهر، بقوة مسألة النظر في اصلاح الجهاز القضائي الى صدارة الاولويات الوطنية، ومنحه الاولوية في العلاج لما له في ليس فقط من مكانه في النظام السياسي وثقة الناس به بل ايضا لتأثيره على مجرى العدالة وحقوق الانسان.

ما جاء في بيان النقابة من أسباب حَقَ عليها القول "بلغ السيل الزبي". أشار البيان ذاته الى أن "ما أل إليه الوضع القضائي من ترهل ومزاجية ومساس بكرامات العباد وخاصة المحامين منهم من قبل بعض القضاة ، هذا إضافة إلى الأخطاء التي لا تغتفر ومنها الانتدابات والتي انعكست سلبا على الوطن والمواطن وأهدرت حقوق العباد وهزت الثقة بمؤسسة عريقة دفع شعبنا البطل من اجلها ثمنا غالياً". هذا الامر مؤشر خطير لا بد من التوقف عنده بعمق ليس فقط لمعالجة الاضراب بل لإنهاء الاسباب التي ادت الى هذا الاضراب وكذلك ما جاء في بيان النقابة.

كما أن احالة مجلس القضاء الاعلى نقابة المحامين الى النيابة العامة للتحقيق، تحت بند أخذ المقتضى  القانوني للنظر في بيان النقابة والإساءة الى القضاء الفلسطيني وهيبته واستقلاله، يشير الى ضيق صدر مجلس القضاء الاعلى وأعضاءه، وهو ظاهرة غريبة في البلاد وكأن كل اضراب أو نقد جريمة الى أن تثبت البراءة للأشخاص والمؤسسات، ولا يختلف الامر هنا ما بين الحكومة ومجلس القضاء الاعلى وبعض رجالات المقاطعة، فمن التحقيق مع معلمينا صانعي الاجيال الى المحامين اشقاء القضاة المتوسمين بالعدالة، وهنا كيف يمكن أن ينظر القضاة في قضية هم فيها خصوم اذا اما احالت النيابة العامة نقابة المحامين الى المحكمة بتهمة المس بهيبة القضاء على غرار تهم القدح والذم والتشهير وتطويل اللسان.

قبل عام تقريبا، وجهت مؤسسات مجتمع مدني رسالة الى الرئيس محمود عباس تُفيد أن اصلاح الجهاز القضائي اصبح بحاجة الى عملية تدخل من خارج الجهاز القضائي لعدم قدرته أو رغبته على اصلاح نفسه مما يتطلب تدخل الرئيس بذلك؛ هذه الدعوة على حق وربما تتعزز القناعة بها لدي هذه الايام. حينها تشككت في هذا الامر لخشيتي من سطوة السلطة التنفيذية من ناحية، وعدم ثقتي بان الادوات والأشخاص الذين سيكلفون بذلك من ناحية ثانية، وخوفي من تغليب النوازع الذاتية للأشخاص الذين سيكلفون بذلك على المصلحة العامة من ناحية ثالثة، لكن الاهم كان عندي أن هيبة واستقلال القضاء نابع من كونه المعقل الاخير للحفاظ على كرامة الناس وحرياتهم، وتحقيق العدالة ومنع الجور ومحو الحيف والظلم عن المواطنين الغلابة لا يجوز المساس به من اطراف أو جهات خارجية من ناحية رابعة.

ما زلت اعتقد ان اصلاح القضاء من الداخل ممكنا، وربما تكون الفرصة سانحة هذا العام فقط، اذا ما رغب القضاة انفسهم، وأوقفوا تقاعسهم وصمتهم وانتزعوا حقهم في اختيار رئيس المحكمة العليا "أي رئيس مجلس القضاء" بأن يكون من بين أعضاء المحكمة العليا بالانتخاب. اقترح صديقي ماجد العاروري الية لانتخاب رئيس المحكمة العليا على غرار انتخاب "بابا الفاتيكان" بأن تجرى الانتخابات بطريقة التصفية بحيث يخرج من السباق كل من حصل على اقل الاصوات في كل مرة بحيث تجرى عمليات اقتراع متتالية بين بقية المرشحين الى أن يبقى آخر مرشحين من اعضاء المحكمة العليا على ان تكون هناك نسبة محددة من الاصوات كأغلبية الثلثين أو الأغلبية المطلقة لأعضاء المحكمة العليا لنيل احدهما مهام رئاسة المحكمة العليا وطبعا رئاسة مجلس القضاء الاعلى.

هذه الطريقة لا تحتاج الى تعديل نصوص قانون السلطة القضائية أو القانون الاساسي بل الى تجسيم القضاة لحقهم في تنسيب رئيس المحكمة العليا، وإجبار مجلس القضاء الاعلى على تنسيبه وفقا لنص قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002. وعدم التنازل عن حقه في التنسيب كما جرى في المرات الماضية، خاصة أن رئيس المحكمة العليا/ رئيس مجلس القضاء الاعلى الحالي قد شارف على التقاعد لقرب بلوغه سن التقاعد القانوني وفقا قانون السلطة القاضية، مما يؤدي الى تغول السلطة التنفيذية في اختيار رئيس مجلس القضاء الاعلى بسبب تقصير القضاة وتخلفهم عن القيام بمهامهم بحماية الجهاز القضائي من الداخل في تحديد رأس الهرم القضائي في ظل "شبهات"/ رغبات تحفز للانقضاض على هذا المنصب من قبل بعض المتنفذين في اطار تبادل الادوار الوظيفية لهم في السلطة الفلسطينية.

 (2) "ترهل" القضاء

حجزت الشرطة سائق حافلة لتنفيذ حكم صادر عن المحكمة تتعلق بمخالفة مرورية، هذه القصة أوردتها شبكة معا الاخبارية بتايخ 27/1/ 2014، على الرغم من انه قد دفع المخالفة المقدرة بـ 150 شيقلا في شهر تموز من العام الفائت، أي اكثر من خمسة أشهر على نهاية السنة أو جردها، ما يشير الى ترهل في ملفات المحكمة التي لم تسقط هذه المخالفة من سجلاتها أو انها لم تدقق بما فيه الكفاية للتحقق من الاجراءات الادارية التابعة للإجراء القضائي.

هذا الامر لن يكن ذا اهمية ما لم يحتجز السائق لمدة أربع أيام وثلاث ليالي في مركز الشرطة حتى تثبت براءته بأنه قد سدد المخالفة بحصولة على ورقة من المحكمة ذاتها تشير الى دفعه مبلغ المخالفة، أي سلبه حريته، ومنعه من العمل لتوفير قوت عياله لخلل لم يعلن مجلس القضاء الاعلى عن الاجراء الذي اتخذته لتصوب الخطأ و/ أو تعويض المتضرر من اهمال قضاته وموظفيه.

هذا الامر يقتضي انه على كل واحد منا عليه الاحتفاظ بوصل دفع المخالفة في جيبه في كل مرة خرج بها من بيته ليقود سيارته حتى لا يقع حجزه أو احتجازه.

 (3) "استعلاء" القضاء

هالني ما قاله لي أحد الاصدقاء عن طريقة استرداده لرخصة السياقة التي قررت المحكمة سحبها، بناء على مخالفة قد اقترفها اثناء سيره في شوارع مدينة البيرة طبعا، لأنني اعتقد ان اي شخص عليه أن ينفذ الحكم بحقه وإثرها يسترد رخصة السياقة.

لكن لم اصدقه إلا عندما قرأت ما يسمى "لائحة وأسباب الطلب" حينها فُجعت لما ورد فيها من استعلاء للقضاة بعبارتها "كأنني أرجو من عدالتكم النظر في طلبي بعين الرحمة والرأفة وإجابة طلبي وإصدار القرار بإعادة الرخصة لي كونها مصدر رزقي الوحيد في عملي وما ترونه سعادتكم مناسبا". هذه العبارة كانت ممكنه قبل اصدار قرار القاضي حيث يمكن التوسل قبل العقوبة لتخفيفها لكن بعد تنفيذ العقوبة فالأمر يتعلق باسترداد حقوق مما يتطلب احترام الكرامة الانسانية وعدم اقحام مثل هكذا عبارات في طلب غير ضروري اصلا، ويدل بمعنى آخر أن هناك حقا للقاضي للاستمرار بحجز البطاقة "رخصة السياقة". بل كان ينبغي ان يكون اجراء الافراج عنها جاهزا احتراما لكرامة المواطن ووقته دون توسل أو هدر لوقته والتقليل من احترامه لذاته.

 (4) "اهمال" القضاء ... واحتجاز طفل

ترددت قبل ان اكتب هذا الجزء من مقالي بسبب نوع التهمة الموجه لطفل في عمر الرابعة عشر، لكن كفالة حقوق الناس، وصون كرامتهم، وضمان مستقبلهم وتحقيق العدالة تحتاج ليس احيانا فقط  بل دائما للمجازفة. تم احتجاز طفل بعمر اربعة عشر عاما بتاريخ 15/1/2014 في شرطة نابلس بناء على شكوى بتهمة الاغتصاب لطفل في عمر خمس سنوات، جاء في الشكوى أن عملية الاغتصاب تمت على الساعة التاسعة والنصف صباحا، لكن امام النيابة يقول والد الطفل "المجني عليه" أمام النيابة ان زوجه اتصلت به على الحادية عشر. احيلت القضية الى النيابة العامة التي بدورها احالته الى المحكمة لتمديد فترة الاحتجاز، ويوم امس الخميس مدد قاضي محكمة البداية الاحتجاز ليوم الاحد القادم للنظر في الملف التحقيقي. وفي الاثناء فإن الطفل محتجز في مركز الشرطة وقد تم تحويله أربعة مرات الى "كاووش" غرف الكبار لعدم توفر غرف خاصة للأحداث أو وجود أحداث في غرفة تخصص لهم عند وجود عدد منهم.

تشير البّينات الى وجود كتاب من مدرسة "المتهم" بوجوده في المدرسة في الفترة ما بين الساعة الثامنة والحادية عشر من ذلك اليوم، وأكد هذه المعلومة شهادة اساتذة المدرسة امام النيابة، كما أن تقرير معهد الطب العدلي يؤكد عدم وجود أي نوع اعتداء على الولد "المجني عليه" وان الاعضاء التناسلية سليمة ولا يوجد أي آثار لاعتداء داخلي أو خارجي.

المسألة التي اريد ان اثيرها هي أن القاضي قد أهمل وضع الطفل "الحدث" لوجوده في غرف المحتجزين الكبار الذين قد يكون من بينهم "مجرمين" كتجار المخدرات ومتعاطيها أو منحرفين، وعدم الخوف عليه من هؤلاء أو على مستقبله في حال ثبوت براءته، وتأخره عن دراسته، وأهمل أيضا بعدم ضمان حجزه في بيت للأحداث أو على الاقل ضمان عدم اختلاطه مع متهمين في قضايا اجرامية في مركز الشرطة، وأهمل طول مدة الحجز دون النظر في الملف التحقيقي خاصة ان القضية متعلقة بطفل "حدث" ينطبق عليه قانون الطفل الفلسطيني.

وأهمل القضاء بعدم وجود محكمة احداث أو تخصيص قاضٍ للإحداث في كل محكمة "محافظة" للتعامل مع قضايا الاحداث. بأمل أن يأخذ القاضي قراره يوم الاحد القادم بناء على الادلة المتوفرة لديه اما بالإفراج عنه لبراءته من التهمة أو نقله الى سجن للأحداث لعلاجه اذا ما ثبتت ادانته.

وأخيرا اذا كان هناك تخوف من تأثير الأهل أو مكانتهم في القرية/ البلدة على المدرسة والهيئة التدريسية لتزوير الحقائق فهل ايضا لهم تأثير على معهد الطب العدلي؟ فإن كان كذلك فعلى البلاد السلام، وعلى مؤسساتنا الاندثار، وعلى معلمينا الانتحار لشكنا الدائم ليس فقط بقدراتهم بل ايضا اليوم بأمانتهم.