فلسطين: مساران متناقضان للمصالحة
تاريخ النشر : 2014-02-06 16:01

تسارعت الخطى على مسار المصالحة بين فتح وحماس أو سلطتي رام الله وغزة بشكل عام، بينما تباطأت أو حتى توقفت تماماً على مسار مصالحةالآخر داخل فتح بين الرئيسين محمود عباس والنائب محمد دحلان، بحيث بدا المشهد واضحاً جلياً المساران متناقضان متعاكسان لا يلتقيان  والتقدُّم فيإحدهما يعني حكماًأو التعثر أو التوقف على المسار الآخر.
الأمران لم يحدثا بالصدفة. فالتقدُّم ولو النسبي على مسار المصالحة بين فتح وحماس جاء نتيجة لحسابات أو مصالح وأهداف سياسية واضحة لدى الطرفين، بينما حصل التعثُّر على مسار المصالحة الفتحاوية الداخلية بناء على قناعة رافضة وراسخة لدى الرئيس محمود عباس وفريقه رغم تلهف وحتى هرولة النائب دحلان وفريقه.

يرى الرئيس محمود عباس أن جهود وزير الخارجية الأمركية جون كيري من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وصلت إلى محطة حاسمة وتحتمل النجاح أو الفشل بنسب متساوية وهو يريد التحسب لكلا الاحتمالين والذهاب إلى المصالحة أو بالأحرى الشروع العملي فيإنهاء الانقسام لمواجهة احتمال النجاح والتخفيف من حدة المعارضة والعمل على الحسم داخل المؤسسات الفلسطينية الموحدة ضمن أجواء هادئة أو حتى الذهاب إلى استفتاء عام، ولو في الضفة وغزة فقط، بعيداً عن أجواء التجريح والتخوين، وحتى التفكير في الاعتزال فيما بعد دون التسبب في تفجير الساحة الفلسطينية أو  تفشي الفوضى فيها.أما في حالة الفشل فيريد أبو مازن تحصين ساحته الداخلية وضمان عدم انخراط أي طرف في لعبة  القائد البديل والتوافق داخل المؤسسات،أيضاً على الخيار البديلمع تفضيل العمل السياسي والديبلوماسي داخل مؤسسات الأمم المتحدة، وفي الفضاء الدولي الرحب الذي يراه عباس مؤيداً ومتقبّلاً للرواية الفلسطينية.
الرئيس الفلسطيني يعتقد أيضاًأن حماس تمر بواحدة من أصعب أزماتها السياسية الاقتصادية والجماهيرية،  ويرى أن بالإمكان التوصل إلى صفقة جيدة معها للشروع فيإنهاء الانقسام وعملية المصالحة، ولذلك بادر إلى تخفيف شروطه عبر التراجع عن اختزال المصالحة بالانتخابات أو الإصرار على التزامن بين إصدار مرسومي حكومة التوافق الوطني ومرسوم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو ما نادت به حماس دائماً واعتبرته شرطاً لمصالحة ناجحة ومثمرة.
حركة المقاومة الإسلامية لا تنكر مأزقها ووضعها السياسي والاقتصادي الصعب وأحكام الحصار حولها من مختلف الجهات، وهي بادرت إلى الإعلان عن رغبتها في تسريع عملية المصالحة، ولكن دون التخليالكامل عن مواقفها الجوهرية المتمثلة في الانطلاق من المصالحة المجتمعية؛ فتح المعابر، ورفع الحصار، والشروع فيإعادة الإعمار. ومن ثم التوافق على موعد للانتخابات، ولكن بعد تهيئة الظروف المناسبة أمامها  بمعنى إبقاء الوضع على حاله والاحتفاظ بسيطرتها الأمنية، ولو غير المطلقة في غزة لشهور، وربما سنواتغير أنها اضطرت إلى تقديم بعض التنازلات المهمة المتمثلة في الموافقة على تواجد، وحتى إدارة الحرس الرئاسي لمعبر رفح والاعتراف بزمام القيادة وحرية الحركة السياسية للرئيس محمود عباس، وفك الترابط ليس فقط بين الحكومة والانتخابات، وإنما بين السلطة والمنظمة،أيضاً بمعنى تفهم أن إصلاح هذه الأخيرة يستغرق وقتاً طويلاً، وإن الاولوية هي لرفع الحصار، وترتيب أوضاع السلطة انتظاراً لما ستؤول إليه جهود جون  كيري، كما التطورات الإقليمية المتلاحقة والعاصفة.
في المقابل جاءت الجهود الهادفة إلى تطبيق المصالحة الفتحاوية نتيجة لتطورات وقناعات إقليمية، رأت أن الفرصة مؤاتية للتخلص من حماس بصفتها فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين،أو في الحد الأدنى إضعافها وتحييدها، واعتقدت بعض القوى الإقليمية النافذة أن المصالحة بين الرئيس عباس ودحلان دعماً  لفتح، ليس فقط في سياق مواجهة حماس أو حتى المصالحة معها من موقع  قوة، وإنما في سياق دعم جهود جون كيري وتقوية نهج أبي مازن وسياساته، بهذا الخصوص غير أن هذا الأخير نظر بتوجس إلى الأمر برمته، واعتقد أن يأتي في سياق تهيئة البديل عنه باعتبار النائب دحلان القوى في غزة والموسع لنفوذه في الضفة والخارج ولبنان تحديداً، والمدعوم من عواصم عربية مؤثرة أقوى المرشحين وأوفرهم حظاً لخلافته، خاصة مع وجود القائد الفتحاوي القوي الآخر مروان البرغوثى في المعتقل الإسرائيلي.
التزامن كان لافتاً بين نعي القيادى سمير المشهراوى المقرّب من دحلان-عبر صفحته على الفيسبوك- ثم زميله اللواء رشيد أبو شباك عبر تصريح صحفي نادر للمصالحة الفتحاوية، وبين  تشديد الرئيس عباس لهجته تجاه مقترحات جون كيري لاتفاق الإطار المقترح مع إسرائيل، وتسريعه وتيرة الاتصالات مع حماس عبر إيفاده اللواء جبريل الرجوب أحد خصوم دحلان إلى الدوحة للقاءخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس واستعداده لإيفاد خصم دحلان الآخر عزام الأحمد إلى غزة للقاء رئيس حكومتها إسماعيل هنية من أجل التباحث في الآليات والسبل الكفيلة بالشروع فى عملية المصالحة وفق المواقف المستجدة للطرفين.
على عكس ما يرى البعض فإن المصالحة بين فتح وحماس أو سلطتي رام الله وغزة تأتي أساساً على حساب المصالحة الفتحاوية الداخلية، وتهدف إضافة إلى المعطيات السابقة إلى إضعاف النائب محمد دحلان وفريقه، وقبل ذلك وبعده تقطيع الوقت انتظاراً للتطورات الإقليمية المتلاحقة والعاصفة التي يأمل كل من الطرفين أن تأتي لصالحه وببساطة. نحن أمام شروع في عملية المصالحة بخطوات بطيئة متأنية، وحتى متواضعة، علماًأنها أي العملية باتت مرتبطة ليس فقط بعملية التسوية، وإنما بعملية التحول التاريخية والهائلة التى تجتازها المنطقة في ظل الثورات العربية وميدان التحرير المتتقل من دولة إلى أخرى.
باحث فلسطيني