يوميات مقاتل الحلقة الثلاثين - الأخيرة
تاريخ النشر : 2013-10-13 23:14

في مثل هذا اليوم من العام 1982

الاستنتاجات من حرب لبنان ـ 1982

اولا : جاءت حرب 1982 لتثبت أن هنالك خللا خطيرا في عملية صنع القرار ازاء الامن (القومي) الاسرائيلي، حيث تحددت فيها أهداف لم تكن مرتبطة مباشرة بضمان أمن اسرائيل، مما أدى الى فقدان ألثقة عند أكثرية الجمهور الاسرائيلي بقيادته، وبالتالي الى توجيه الاتهامات التي طالت رئيس الوزراء، ووزير الدفاع ورئاسة الاركان وكبار الضباط، فعلى صعيد ألحكومة قال زئيف شيف :" ان حكومة بيغن لم تكن تعلم بالمناقشات الاولية التي أجرتها قبل الحرب هيئة الاركان العامة، حيث تم الاعراب عن وجهات نظر جذرية متعددة، وحيث ظهرت تحفظات على الحرب وانتشارها وفرصها، ف" حكومة بيغن" لم تكن تعلم على سبيل المثال : أن رئيس الاستخبارات العسكرية يهوشوا ساغي ورئيس الموساد اسحق هوفي أعربا عن معارضتهما للحرب، وهو الذي قال ايضا :" لقد كان الشغل الشاغل لقائد المنطقة الشمالية الميجر جنرال امير دروري هو أن يخمن ماذا تريد القيادة السياسية بالفعل، فقد كان عليه ان يخمن ماذا يريد شارون في المرحلة المقبلة، من دون أن يحصل على موافقة الحكومة، ولا عجب في ان الميجر جنرال بن غال يقول ان الاهداف النهائية للفرق التي كانت تحت امرته في البقاع لم تكن واضحة له" .

ثانيا : ان حرب عام 1982 لم تحقق أيا من أهدافها السياسية، وقد كشف زئيف شيف أيضا ان دراسة قد توصلت الى هذا الاستنتاج قبل الحرب، والاهم من ذلك أن وزراء حكومة بيغن لم يكونوا يعلموا بهذه الدراسة . فالقضاء على بنية الثورة الفلسطينية كان الهدف الاول لهذه الحرب فأين هم من ذلك ؟ بعد ان تضاعف عددها في لبنان وامتدت الى فلسطين المحتلة، وكما يقول المثل الشائع : (هرب من تحت الدلف الى تحت المزراب ) .

ثالثا : فشل تحقيق الاهداف السياسية للحرب أوجد شرخا بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع، حيث أخذ الاول بالاتصال المباشر مع رئيس الاركان والجنرالات في القيادة العسكرية، والصحيح ان يتم الاتصال عبر وزير الدفاع، وهذا بدا واضحا عندما اتصل بيغن برئيس الاركان والميجر جنرال دروري قائد الشمال، وأبلغهما بأن وقف اطلاق النار سينفذ عند ظهر 11 حزيران .

رابعا : نشبت حرب لبنان 1982 بلا اجماع (وطني) في الراي العام الاسرائيلي وبعكس ما جرت عليه العادة عندهم اتضح ذلك من خلال المظاهرات التي لم يسبق لها مثيل ضد الحرب في وقت هي فية مستمرة، وبالتالي من خلال مطالبة العديد من الجنود والضباط باعفائهم من واجباتهم القتالية، وبرز سؤال على كل لسان : لماذا القتال ومن اجل من ؟

خامسا : وجد الجيش الاسرائيلي (من خلال النتائج الخاسرة لهذه الحرب ) نفسه محور مناقشة علنية ساخنة نبعت من دورة في الاجتياح، وفي حراسة الاراضي العربية المحتلة، ودوره في القمع، وهذا لم يكن ليحدث لولا الفشل الذي مني به هذا الجيش في حربه .

سادسا : أبرزت هذه الحرب الدور الكبير للقادة العسكريين في صياغة السياسات الاسرائيلية، من هنا أصبحت رقابة الدولة عليهم ضعيفة، ومن هنا اتضح ان ان النشاط السياسي في اسرائيل هو بمثابة مهنة اضافية يمارسها الضباط بعد الانتهاء من مهمتهم العسكرية، ونتيجة لذلك نشأ في اسرائيل نمط ثابت، يشكل الجيش فيه قناة الانتقال الى الحياة المدنية، ثم الى الزعامة السياسية .

سابعا : وعلى الصعيد العسكري : زجت القيادة الاسرائيلية معظم جيشها العامل والاحتياطي بكل امكاناتة في هذه المعركة وعلى جبهة واحدة، ورغم ذلك لم يتمكن هذا الحشد الكبير من تنفيذ الخطة العسكرية المقررة ،على عكس ما نفذه هذا الجيش من خطط سابقة، فكيف سيكون حال هذا الجيش في حال القتال على أكثر من جبهة ..أو على كل الجبهات مثلا ...؟!

ثامنا : ان الثمن الباهظ الذي دفعة هذا الجيش في هذة الحرب لا يتناسب وحجم الامكانيات، والجهد اللذين وضعا في هذه الحرب، لا سيما وان عدد الجرحى " حسب جريدة دافار الاسرائيلية الصادرة يوم 20 اب " بلغ 332 قتيلا ،2011 جريحا ،11 مفقودا ،3 أسرى ، بينما ذكر تقرير نشرتة صحيفة (هاعولام هازية الاسرائيلية يوم 2 تموز) أن عدد القتلى الاسرائيليين نتيجة المعارك في لبنان بلغ 1250 ضابطا وجنديا، بينما بلغ عدد الجرحى ثمانية الاف جريح، هذا مع العلم ان اسرائيل لا تصرح عادة بالارقام الحقيقية لخسائرها، لاسيما اذا ما اخذ بعين الاعتبار ما قاله الجنرال بن تسيون شرايدر "ان اسرائيل كانت تخسر 10 جنود في كل متر يحتله الجيش الاسرائيلي، فكم تكون خسائرهم اذا عرفنا أن الجيش الاسرائيلي احتل لبنان بعمق أكثر من 100 كم، ويعود السبب في حجم الخسائر المرتفع هذا الى ان نظرية "هتلر" التي استخدمها الجيش الاسرائيلي عندما زج الاعداد الكبيرة مع الاندفاع السريع، تصلح ضد القوات النظامية وعلى الجبهات المفتوحة، ولا تصلح ضد رجال العصابات وفي المناطق المبنية، اضافة لاعتقاد الجيش الاسرائيلي أن الفدائيين لايقاتلون عندما يواجهون قوات ضخمة، وفي هذا الصدد قال البروفسور مارتن فان غريفليد "استاذ في الجامعة العبرية " : كبر العدد أدى الى تغيير في الضباط وأفقدهم العلاقة وأصبحوا كالآلات. وهو الذي قال أيضا : لان الجيش الاسرائيلي كان لديه من الرجال أكثر مما لديه من السلاح عام 1948، لذلك كان هناك تعويض عن نقص السلاح بالتدريب والتعبئة النفسية، لذلك حارب جيدا في 56 ، 67 ، اما في 82 فكانت حلول تكنولوجية، وليست عسكرية للمشاكل التي تواجهه على أرض المعركة . أما الكلفة الاقتصادية (التي لايعير لها الاسرائيليون أي اهتمام لان الحليف الامريكي يدفع الفاتوره) فقد بلغت بحسب الخبير الاقتصادي حاييم بركائي 5 مليار دولار .

لهذه الاستنتاجات مجتمعة سيفكر قادة اسرائيل كثيرا قبل أن يتخذوا قرار الحرب في المستقبل، الا اذا ضمنوا القتال ضد جبهة عربية واحدة فقط، وتحييد باقي الدول العربية، وما عدا ذلك سيبقى كلام شيمون شيفر ماثلا في الاذهان حيث قال :" ان الابطال الرئيسيين الذين حاكوا (الخطة الكبيرة) قبل عدة أشهر من بداية الحرب رسميا، قد شهدوا كيف تساقطت ثمار خطتهم، كما يتداعى برج من ورق، هؤلاء الابطال ما عادوا في واجهة الاحداث، ففي اسرائيل أخلى مناحيم بيغن مكانه في مكتب رئاسة الحكومة، وأقفل على نفسه في منزله، تلفه كأبة عميقة، ارييل شارون أرغم على الاستقالة من منصبه كوزير دفاع بموجب توصية من لجنة كاهانا للتحقيق، رافائيل ايتان اعتزل عرش رئاسة الاركان، ولكن ليس كبطل حرب . وفي الولايات المتحدة أرغم وزير الخارجية الامريكي ألكسندر هيغ على الاستقالة .أما في لبنان فقد قتل بشير الجميل قائد الكتائب بعد فترة وجيزة من انتخابه رئيسا لهذه الدولة " .

ومعروف ان القيادة الاسرائيلية ومع كل أزمة تحيق بها فانها تفكر بتصدير هذه الازمة لمحيطها العربي عبر حرب تتذرع لها الاسباب والمسببات (وهي دائما جاهزة في جعبتهم )، لكن حرب لبنان وحصار بيروت والصمود الفلسطيني اللبناني مدة 88 يوم وما تبعها من حروب واعتداءات جعل حروب اسرائيل بحد ذاتها أزمة ومكلفة ووضع على طاولة البحث جدوى استخدام القوة العسكرية .

 

[email protected]