كمـنْ يـركــب فــرســيــن فــي آنٍ ..
تاريخ النشر : 2014-02-01 12:32

يحار المرء في أمر حركة حماس وخطابها الإعلامي بشأن المصالحة والمقاومة, ممارسة السلطة والمعارضة, ضنك الناس والوعود البراقة.... ثنائيات تكمل بعضها بعضا, وبعضها يناقض ما نسمع ونشاهد! كلما سمعنا أنباء عن المصالحة نجد استعداداً لفظياً عن جهوزية للتطبيق, فنتفاءل خيرا.

لكن الحركة سرعان ما تتراجع وتتحدث عن أشياء في عالم اخر كالخوف من تزوير الانتخابات!... تتحدث عن المقاومة وكأن هناك من يقف على الحدود يمنعها من مواصلة التحرير. تنزّل المقاومة منزلة المقدس, فاذا بالمقدس مجمد بفعل اتفاق.

المصالحة والمقاومة مصطلحان حاضران كأنهما توأمين أو لازمة خطابية في كل مناسبة أو بدونها. ويكاد كل زائر لرئيس الحكومة المقالة لا يخرج من اجتماعه دون أن يشير الى قناعة الرجل بهما من كثرة ورود هذين المصطلحين على لسانه الطيب, وتكرار جهوزية الحكومة والحركة لهما, دون أن تجد جوابا لسؤال: اذن لماذا يتعطل العمل بكليهما أو بأحدهما على الأقل؟ هل هي مصلحة عامة, أم ماذا؟ ؟.

 "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" اية نزلت في اليهود وتنطبق على حالنا. منقسمون متخاصمون مختلفون. لا رؤية تجمعنا ولا راية, ولا ثقة متبادلة تجعل بعضنا يطمئن الى بعضه الاخر.

نظن أننا نخدم احزابنا, فاذا بنا نخدم عدوا يتربص بنا, وأكثر احزابنا امكانياتها صوتٌ عالٍ يثير ضجيجا ولا ينتج قمحا. فكيف سننتصر والشقاق بيننا ؟! بتنا نخشى أن يظل الانقسام بيننا ونتعوّد عليه قبل أن نكتشف أننا ننتحر, ثم نضطر أن نرتب وقفا لاطلاق النار بفعل التعب - لا القناعة أنّ كلا منا ليس في غنى عن الاخر.

دعك من هذا. وحتى لا ندخل في أحد المحرمات. فالمثل القائل:" أنج سعد فقد هلك سعيد" ينبغي أن يظل حاضرا, ولكننا نسأل: هل قرأت حكومتنا الرشيدة تصريحا لمسؤول أممي يقول: ان غزة لم تعد صالحة للعيش؟ وهل وصلتها صرخة "مؤتمر أصدقاء الأرض في الشرق الاوسط": بأن المياه الجوفية الصالحة للشرب في غزة ستنفذ بعد عامين, وستدمر بشكل لا يمكن اصلاحه؟!

أثق أن حكومتنا الرشيدة تعرف مخيم جباليا – أكبر مخيمات قطاع غزة - فهي حاضرة في كل شوارعه, تعرف حركات سكانه وهمساتهم.

هل وصلها أن من يجد فيهم عشاءه اليوم يصوم قسرا في الغد؟ وأن ثمة من لا يجد دواء لمريضه وأن معظم شبابه بلا عمل كريم مقابل لقمة عيش كريمة.

حتى الذي قيل لهم يوما يمكن الاعتماد عليه – الزيت والزعتر - لم يعد بإمكانهم الحصول عليه. وصار النمو محصوراً في زيادة عدد السكان وعدد حالات الطلاق, وزيادة عدد العاطلين عن العمل وانتشار المخدرات!

هؤلاء يا سيدي رئيس الحكومة المقالة أو الرشيدة أو الربانية – سمها ما شئت – يرون السيارات الفارهة تسير في شوارعهم ويعرفون ركابها. يشاهدون البدلات الانيقة والكرافات الزاهية ويسمعون من أصحابها كلاما جميلا عن المصالحة والمقاومة والمستقبل المشرق والجنة...

هؤلاء – يا سيدي - كفروا بالقصيدة والكلام المطرز نشيداً واشادة بتضحياتهم, وأخشى أن يمتد كفرهم الى الشعراء ومنْ يغيرون بدلاتهم وكرافاتهم وسياراتهم, ويفاخرون بتعدد زوجاتهم .. مشاهد لم تعد خافية الا على أعمى البصر والبصيرة.

أحلامنا ودماؤنا وانسانيتنا بدأت تتلاشى, وكرامتنا محفوظة في تصريحات قادتنا والقادة لا يهمهم الا ما يقال عنهم في صحف مجاورة.

من حقنا أن نرى بوادر لحل مشكلات هائلة تواجهنا في الاقتصاد والتعليم والصحة والتنمية والتفاوت الاجتماعي .. وغيرها مما يقتضي وجود خارطة طريق وخطط عمل محددة زمنيا قابلة للتنفيذ, وليس البحث عن بنطال ساحل وشعر كعرف الديك.. ليس هذا استعلاء معرفيا بل هو حزن في القلوب وألمٌ في العقول لما هو كائن وما يجب أن يكون.

ارحمونا يرحمكم الله. الاسلام يطالب ولي الامر بتوفير العمل ولقمة العيش أولا قبل قطع يد السارق, ويهيئ سبل الزواج للشباب قبل معاقبتهم على انحرافهم ... بعدها خذهم الى المقاومة ولا تتردد.

هل ترني أطلت وأخذت نفسي الى التهلكة دون أن أدري. يا ليتني كنت أدري.

رئيس سابق لوكالة الأنباء " وفا "