إحتمال الحرب الأهلية موجود... ولكن؟
تاريخ النشر : 2014-01-28 10:31

يستيقظ لبنان يومياً على جملة من المخاطر الأمنيّة والسياسيّة التي تحدق به منذ فترة طويلة، وتتعاظم الهواجس لدى اللبنانيين من اندلاع حرب أهلية مذهبية داخليّة تُدخل لبنان في أتون النار الذي يصعب اطفاؤه، الأمر الذي يجعل الساحة الداخلية هشّة ويتعثر بالتالي على الأفرقاء السياسيين والأجهزة الأمنيّة ضبطها.
وتلفت مصادر ديبلوماسيّة الى أنّ أمام ما يجري على مساحة لبنان من أحداث أمنية متنقلة من الجنوب الى الشمال، ومن صيدا الى طرابلس، ومن عرسال والهرمل الى وادي رافق في البقاع الى التبانة وجبل محسن، وإن كان محصوراً في نطاقه الضيق إلّا أنه يستدعي دق ناقوس الخطر بأنّ ثمّة شيئاً ما يقلق اللبنانيين، ناهيك عن تدخّل "حزب الله" علناً في سوريا وقتاله الى جانب النظام السوري بالإضافة الى تدخّل مجموعات لبنانية أخرى تقاتل أيضاً هناك ضدّ النظام مع مخاوف أن ينتقل قتالهم من سوريا الى لبنان وتتحوّل أرض المعركة الى الداخل اللبناني.
ولا تخفي المصادر الديبلوماسية عينها انّ لبنان بات اليوم مرشحاً أكثر من أيّ وقت مضى للدخول في حرب أهليّة تهدّده مباشرة في ضوء الحوادث اليومية المتنقلة واشتعال الحساسيات المذهبية، على رغم من انّ تيار "المستقبل" يرفض تقديم أيّ تغطية سياسية لهذه الحرب، وليس القرار الاتهامي الذي صدر عن المحكمة الدولية والذي تم من خلاله اتهام "حزب الله" باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الّا دليلاً على ذلك، إذ استطاع تيار"المستقبل" وقاعدته امتصاص ردة فعل القرار في ذلك الوقت، ونجح بالتالي في السيطرة على شارعه الذي كان يغلي ويحضّر لردة فعل انتقامية تودي بلبنان الى حرب أهلية خطيرة.
بدوره يرفض "حزب اللّه" إدخال لبنان في حرب أهلية معروفة النتائج وهو الذي كان قد حذّر من الذهاب الى حكومة "أمر واقع" يشكلها الرئيس المكلف تمام سلام تفادياً لإضطرار الحزب الى مواجهة حتمية معها، وبالتالي يفرض سيناريو الحرب الداخلية عليه أمراً واقعاً لا مفرّ منه.
وعلى رغم الهجمة السياسية التي تعرّض لها الجيش والتي وصلت الى حدّ التشكيك بقدرته على ضبط الاوضاع، فإنّ غالبية المواطنين لم يفقدوا ثقتهم بالمؤسسة العسكرية، فأبدى 65 في المئة منهم، حسب دراسة احصائية، ثقتهم بالجيش والقوى الأمنية، وهي نسبة، يمكن اعتبارها مرتفعة نسبياً في ظلّ حرب التصريحات التي حاولت النيل من المؤسسة العسكرية وتحويلها طرفاً في النزاع السياسي والمذهبي.
وفي ظلّ الاتفاق الايراني ـ الأميركي وإجراء ايران ترتيبات اقليميّة تتم معها هي بالذات، وعدم نيل الملف اللبناني الداخلي أيّ حيّز من الاهتمام الخارجي الاقليمي في المرحلة الراهنة، تبدي المصادر الديبلوماسيّة خشيتها من استمرار حال الشلل والتعطيل ما يعني وضع العصي في الدواليب أمام تأليف الحكومة العتيدة. وتجزم هذه المصادر بأنّ قيادتَي "حزب اللّه" وتيّار "المستقبل" تشكّلان الحصن المنيع في وجه هذه المخاطر التي تهدّد اللبنانيين في مضاجعهم. وصحيح أنّ ظاهرة الشيخ أحمد الأسير لم تلقَ صدىً مؤثّراً في توليد حرب طائفية - مذهبيّة بل اتخذت فقط دعماً اعلامياً واسعاً، إلّا أنّها ساهمت في اشعال فتيل الحرب الأهلية نفسياً ومعنوياً، والدليل أنّ الشارع السنّي اعتبر نفسه منذ القضاء على الظاهرة الأسيرية مستهدَفاً من الجيش اللبناني على رغم أنّ قائد الجيش العماد جان قهوجي قد أرسل في أكثر من مناسبة رسائل تطمينيّة الى الشعب اللبناني كلّه، وتحديداً الى الشارع السنّي، أراد من خلالها التأكيد على انّ الجيش سيعمل بكلّ قوة لبقاء لبنان ارضاً واحدة لجميع اللبنانيين. واضاف أنّ الجيش سيكون ضدّ أيّ جهة تناقض العيش المشترك وسيضرب أيّ محاولة للتقسيم او التجزئة او التوطين، وسيتصدّى لأيّ نزاع داخلي يتخطى الحدود الديموقراطية ويصون حق كل لبناني في إقامة آمنة كريمة في ظل سيادة القانون، وأنّ الجيش لجميع اللبنانيين، وأنّ أهل السنّة هم أهل المؤسسة العسكرية.
وعلى رغم ذلك يستشعر اللبنانيون اليوم أنّ عرسال وطرابلس يشكّلان نقاط جاذبة لاشعال فتنة مذهبيّة، نظراً لأنّ النظام السوري يستهدفهما في اعتبارهما نقطتَي هروب ولجوء للمعارضين السوريين، مع ما يمكن أن يفتعل من اجل شلّ حركتهما وتطويقهما اكثر، وما يمكن أن يترك ذلك من تداعيات خطيرة.
وتجزم مصادر أمنيّة أنّ احتمال اندلاع حرب أهليّة أمر مستبعد حتى الآن على رغم وجود العوامل المشجّعة لإندلاع الحرب على أرض لبنان، وهذا الأمر لا يعني أنّ البلد ليس في خطر كبير.

عن الجمهورية اللبنانية