دلالات المشهد الأمني من مكة المكرمة
تاريخ النشر : 2013-10-13 12:06

المشهد الأمني من مكة المكرمة يسر العين ويشرح القلب ويفيض اطمئناناً بالشعور بالأمن، ما يدعو كل عربي ومسلم للفخار والاعتزاز بالذات العربية التي ترد كيد المارقين والضالين إلى نحورهم,، كيف لا؟ وهو يشاهد هذه الوجوه النيرة والسواعد المعطاءة التي غادرت أهلها ودارها تحتسب عنائها ومشقة سفرها عند الله عز وجل، بهذا المستوى الرائع من التنظيم وبهذه الروح المعنوية المرتفعة الدالة على مستوى متقدم من التأهيل والتدريب، تعكس مهارات متقدمة في أداءها لأفضل وأهم وأرقى وأصعب خدمات أمنية عرفها التاريخ الإنساني، ألا وهي خدمة حجاج بيت الله الحرام.
لعله مشهدٌ جلل ونحن في أشهر الله الحرام, حيث العيون تدمع وهي تتطلع إلى إقامة الشعائر في بيت الله ببكة مباركاً وسط ملايين المسلمين الذين يقوم على خدمتهم رجال آمنوا بربهم فزادهم الله أمناً, رجال عارفون لواجباتهم وملتزمون بها, كم رأينا وسمعنا عن أكف رُفعت إلى السماء في ختام كل موسم حج تدعوا لهم على ما بذلوه جهداً وتعباً, وكم يستقيم الدعاء لهم بما منّ الله عليهم من خلق الحافظ لأرواح وأعراض المسلمين, سيما وأنهم يترجون ما تعلموه في مدرسة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وأبنائه البررة، لقواعد كثيرة استلهموها من وحي النبوة أقلها عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله. وككل عربي ومسلم زار المملكة ويعلم علم اليقين أنه لم يسمع في يوم من الأيام، عن منة أبداها هؤلاء الميامين ومن يقف أمامهم من قيادة آمنت تضرعاً طلباً لمرضاة الله عز في علاه، أنها سدنة البيت الحرام.
حقاً إنه المشهد الأمني المنظم المبتغى, الذي يختلف كلياً عن المشاهد الأمنية المعهودة في عواصم ومدن إسلامية وعربية ادعت أنظمتها لنفسها ما ادعته تغنياً بشعارات القدس والممانعة والمقاومة، دون أن تعطي انطباعاً يوحي بالاستعداد في شيء, سوى أنها استتبعت الفتن بفتن أخرى حتى وصل الأمر ببعضها حد قتل أبناء شعبها وبالبعض الآخر من صنعها منعهم من أداء فريضتهم الخامسة.
ولعل التأمل في هذا المشهد الأمني ببكة -المتقدم عاماً بعد عام- كان وما يزال ذا مغزى عميق في نفسي، يثير بين ما يثيره من عبر ودروس؛ تلك التي تعزز قناعات المرء العربي والمسلم على حد سواء بشأن حقيقة الهوية التي تنتمي إليها تلك الفئة الضالة التي أخذت على عاتقها استهداف هذا البلد الآمن المطمئن بإذن الله وهذه الكوكبة المعطاءة والمضحية من الرجال المؤتمنين على أمن الناس، ليس في خدمة بلدها أو خدمة الحرمين الشريفين فقط وإنما في خدمة كل العرب والمسلمين في كافة أصقاع الأرض، حينما يأتوك من كل فجٍ عميق كصمام أمان في يد قيادة رشيدة سارت على منهج الله سبحانه وتعالى وهدي نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.
إنه التطبيق الفعال للنظرية الأمنية التي أرساها أمير الأمن المرحوم بإذن الله نايف بن عبد العزيز، ويتابع تنفيذها وتطويرها من بعده ابن بار وقائد استراتيجي ملهم بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، فحق لهذه الدولة المباركة التمايز الذي أحدثته إيجاباً, بحفظها أمنها وسلامة حدودها, عن الكثير من الدول والأقطار. وذلك مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى في كثير من الآيات القرآنية الكريمة،: "اللذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"، و قوله تعالى " اللذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". فالأمن شعور لا شعار وهو كل لا يتجزأ، يطال كافة مجالات الحياة الإنسانية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية، وعلى كافة مستوياتها التنظيمية الوطنية والإقليمية والدولية.
إن أمن المملكة هو أمن لكل من ولى وجهه شطر المسجد الحرام، فهو أمن أولى الأولويات ما دام يدخل في أمننا الشخصي, الساهر على حفظ أرض منبع العقيدة. فإلى كل واحد من رجال الأمن المرابطين في سبيل الله في مكة، وإلى كل واحد من زملائهم اللذين تُستنهض قواهم وتَزداد مهامهم في كافة مناطق المملكة، أجمل تحية اعتزاز، وإلى قياداتهم الأمنية والسياسية خالص التقدير ومبعث الافتخار. ولحجاج بيت الله الحرام أن يبتهلوا بالدعاء إلى الله أن يحفظ هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وأن يعمها الأمن والسلام.

*أستاذ مساعد بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية