روسيا تؤكِّد لأميركا: لا عودة للحرب الباردة
تاريخ النشر : 2014-01-26 10:19

يقول الرئيس السوري بشار الأسد أن جيشه يربح، ومنذ أشهر، معركته ضد الثوار. لكن الباحثين الأميركيين أنفسهم - المتابعين من قرب الأزمة - الحرب السورية وخلفياتها وأبعادها المتنوعة يؤكِّدون، مع اعترافهم بنجاحاته العسكرية منذ معركة القصير قبل ستة أشهر أو أكثر، أنه ما كان يستطيع تحقيق ذلك لولا مقاتلي الخارج الموالين للجمهورية الاسلامية الايرانية الذين انضمّوا الى جيشه أو بالأحرى الى ما تبقّى منه معه. ويشيرون الى عوامل كثيرة جعلت الوجود العسكري الأجنبي (أو الشقيق مذهبياً) أمراً واقعاً في سوريا. أبرزها أن ديناميكية الحرب خلقت الحاجة الى مزيد من قوات "المشاة". واستناداً الى التقارير المتوافرة عند أكثر من جهة أجنبية جدية ومسؤولة انخفض عدد الجيش السوري النظامي من ثلاثمائة ألف الى مئة ألف جندي بسبب عوامل عدة منها مقتل الكثيرين في المعارك، كما حالات الفرار من المؤسسة وحالات الانشقاق عنها للانضمام الى الثوار. ويبلغ عدد العسكريين النظاميين الذين قتلوا في المعارك إستناداً الى "مرصد حقوق الانسان" نحو سبعة وثلاثين ألفاً. وربما كبر هذا الرقم وبآلاف جراء المعارك الأخيرة. واستناداً الى التقارير نفسها فان عدم قدرة النظام على الاعتماد في صورة مطلقة على "سنّة" الجيش في المعارك مع "سنّة" البلاد دفع النظام الى التفكير في تأسيس مجموعة متنوعة من القوات العسكرية غير النظامية بأسماء عدة مثل اللجان الشعبية والميليشيات (الشبّيحة) والميليشيات المحلّية وميليشيا حزب البعث. وقد أسّسها فعلاً ثم ضمّها كلها في إطار واحد هو قوات الدفاع الوطني. وبلغ عدد هؤلاء في البداية نحو خمسين ألف مقاتل وكان القرار زيادتها كي يصبح مئة وخمسين ألفاً، وهو قيد التنفيذ حالياً.
وبسبب الحاجة المشار اليها أعلاه اشترك رسمياً مقاتلو "حزب الله" اللبناني مع قوات النظام السوري في قتال الثائرين عليه، كما اشترك معهم ايضاً مقاتلون شيعة من العراق. وكان اشتراك الجميع بقرار رسمي من الجمهورية الاسلامية الايرانية. اما الاشتراك الايراني الرسمي، والمقصود هنا العسكري، فقد كان محدوداً ولا يزال. إذ اقتصر على الخبراء والمدرّبين وعدد من كبار الضباط (ربما من "الحرس الثوري"). كانت مهمة "الحزب" والايرانيين تحديد الوجهة الاستراتيجية للحرب وسير العمليات العسكرية. كما أسَّسوا قيادة مشتركة مع النظام. انطلاقاً من ذلك يعتقد المتابعون الأميركيون انفسهم أن قرار الرئيس الأسد الاستعانة بقوات حلفاء الخارج كان في محلّه، لأنها قامت بدور أساسي في القتال الفاعل رغم قلة الأعداد، وفي تدريب الجيش النظامي والقوات غير النظامية لمواجهة الثورات المضادة وحالات التمرد داخل المدن. سمح ذلك للنظام بتعويض الخسائر البشرية في جيشه، وبإعادة توجيه القوات النظامية لكي تواجه وبنجاح الثوار والمتمرّدين. ولولا إقدامه على ذلك، وتحديداً لولا اعتماده على قوات الخارج، لكانت قدرته على الصمود حتى نهاية 2013 ضعفت في صورة دراماتيكية. علماً أن القوات المذكورة تكبّدت خسائر مهمة لكن بأعداد تبقى مقبولة استناداً الى المعايير المعروفة. انطلاقاً من الأمر نفسه يعتقد هؤلاء أن انسحاب المقاتلين "الأجانب" سيكون ضربة قوية لنظام الأسد وربما أقوى من الضربة التي وجّهها اليه آلاف الجنود السنّة الذين فرّوا من الجيش والآخرون الذين انضموا الى الثوار.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أن الأسد لا يزال واقفاً وصامداً. لكنه لم يعد وحده، اذ لديه شريكان أساسيان، هما واحد في الحقيقة: إيران و"حزب الله"، قد لا يستطيع إتخاذ قرار في أي موضوع من دونهما. وهذا أمر قد يكون سلبياً في مرحلة ما وخصوصاً إذا توصلت أميركا وإيران الى اتفاق ما حول الموضوع السوري أو اميركا وروسيا، أو الدول الثلاث معاً. ويشبّه المتابعون الأميركيون أنفسهم هذا الوضع بوضع روما في التاريخ الغابر عندما استقدمت "قبائل بربرية" للدفاع عن مداخلها فصارت أسيرة لها.
والاتفاق، أو الاتفاقات المشار اليها يُرجَّح أن لا تكون في مصلحة النظام. فايران لها مصالحها وأميركا بسبب مصالحها لن تفرض استمرار نظام الأسد على غالبية شعب سوريا، وروسيا ستحاول المحافظة على مصالحها الحيوية التي قد يكون الأسد واحدة منها اذا "تقسّمت" سوريا. لكن ذلك لا يزال في الغيب. علماً أنها أكدت لأميركا "ان لا عودة للحرب الباردة" وأنها تحترم، وستحترم، في مواقفها السورية على الأقل "القواعد الدولية والنظام الدولي".

عن النهار اللبنانية