القاسم المشترك بين المسلمين الموريكسيين واليهود السيفارديم ، طرد وهجرة في ارجاء المعمورة
تاريخ النشر : 2016-05-31 14:14

 اذا جاز رصف المعادلة هكذا ، فأن الحضارة الأندلسية تركت علامات بارزة ، راسخة في الثقافتين الإسبانية والبرتغالية ، يضاف لهما تمدد ، طولاً وعرضاً ، في القارة اللاتينية ، فالمرء مازال يلاحظ وبسهولة ، حجم الازدهار والعلم والثقافة والتمدن والحضارة في المعمار والعلوم وغيرهما ، وأيضاً ، شهدت الدولة الأندلسية التى كانت تحتفظ بجغرافيا واحدة موحدة من أسبانيا والبرتغال وأندورا ومنطقة جبل طارق ، تبادل ثقافي فريد من نوعه بين المسلمين والمسيحيين واليهود من جهة وبين العرب والبربر والفرنجة من جانب أخر ، وللحقيقة الثابتة ، انفردت الأندلس ببوتقة نادرة استطاعت صهر مكونات مختلفة ، وبالتالي ، اخرجت خليط بشري ، ميز الأندلس عن الأقاليم الإسلامية الأخرى .

 هناك بالتأكيد ، مؤسسات تعرف كيف تحمي مصالح شعوبها وتصون حقوقها ، تماماً هو العكس ، في الجانب الآخر ، دول أو مؤسسات قاصرة غير قادرة على فعل ذلك ، ففي خطوة غير مسبوقة ، يجتمع البرلمان الإسباني في عام 2011 م ، بهدف تقديم اعتذار لليهود السيفارديم الذين شهدوا مع المسلمين الموريسكيين الطرد الأكبر من الأندلس في عام 1614 م ، حيث ، تفرقت الأغلبية العظمى في حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا وبقت قلة تتمتع بوضع مالي خاص ، تحولوا جميعهم بما يعرف اليوم بالمسيحيين الجدد ، لكن الملفت ، في قرار البرلمان الإسباني ، حاول معالجة ذاكرته بالاعتذار لفئة دون الآخرى ، كانت الأولى جزء صغير من الدولة الكبيرة ، فقدم البرلمان اعتذاره لها ، نيابةً ، عن ما قام به الأسلاف من مؤسسين أسبانيا الجديدة وأعطى البرلمان الحق ، لكل من يرغب استرداد جنسيته دون أن يلتفت إلى الموريسكيين الذين احتضنوا اليهود الفارين من عذابات أوروبا السابقة ، ففي واقع الأمر ، المواطنة التى استردوها أو الجنسية التى حصلوا عليها ليس سوى حقّ انتزع من الدولة الأندلسية ، فكيف لبرلمان يمثل دولة تدعي الديمقراطية والعدالة والمساواة ، أن يعترف بحقوق وتاريخ السيفارديم دون الموريسكيون .

 

تأتي محاولة البرلمان الإسباني ، ليس في سياق الاعتذار ، كما أحبوا البرلمانيون أن تعتقد البشرية ، أو أنها محاولة إعادة الاعتبار ، بل ، هي محاولة بائسة ، خاضعة ومستسلمة للقوة التى تسيطر على العالم ، فقد تناسى البرلمان ، أن القاسم المشترك بين المطرودين من الجزيرة الإيبيرية ، لم تكن فقد ، المواطنة داخل الدولة الأندلسية ، هي ، الشيء الوحيد المشترك أو عن ذاك الانصهار والخليط الذي جئنا به في السطور الأولى ، بل ، هناك واقعة تاريخية ، تشكلت في طريق الهجرة ، من الأندلس إلى المغرب العربي ، مقاومة الاجتثاث ، وتطورت العلاقة لاحقاً ، عندما أسس الطرفين مجتمع جديد ، اجتمعت فيه كثير من النقاط المشتركة وتكونت فيما بعد ، العديدة من علامات الاختلاف ، بين المطرودين من أرض الأندلس والمضطهدين والمتناحرين في أرض المغرب العربي وشمال أفريقيا ، وهكذا ، شكل الاستبداد الوطني عند الطرفين قناعة فورية ، بضرورة البحث عن موطأ هجرة جديدة ، نلاحظ ، أن اليهود السيفارديم ، فئة الشباب على الأخص ، بدأوا بالهجرة بعد الثورة الفرنسية الأولى التى ألغت الملكية تماماً وأنشأت جمهورية علمانية ديمقراطية ، وأيضاً ، شملت الهجرة ، الولايات المتحدة الأمريكية ، لكن يبقى هناك استنتاج ، أظنه لا ينهض من فراغ ، حيث أن ، في بدايات لجوء مسلمين الأندلس وانطوائهم تحت مظلة حكم ، هو مصنف ، غير مستقر ومنقسم ، اختاروا القارة اللاتينية كمحطة أُخرى ومهجر ثانِ ، بديل ، يوازن بين الماضي المنفتح ، حضارياً ، والخلاص من الاستبداد الاجتماعي والاقتصادي ، المتناحر دائماً على السلطة ، ومن ثم تابع الأحفاد دون توقف ، الهجرة نحو القارتين ، الأوروبية الغربية والأمريكية الشمالية إلى يومنا هذا ، واستطاعوا المهاجرين في كلتا القارتين تأسيس مؤسسات وعناوين كبيرة ، منها إسلامية وأخرى قومية عربية ، إلا أن ، الشيء الذي يثير ، بالطبع ، يكمن في خلاصة هذه الجمعيات ، جميعها ، لم تصل إلى درجة من المستوى الذي يليق بتمثيل العربي أو المسلم ، فهي فاشلة تماماً ، كما هو حال حكومات الوطن العربي أو الإسلامي ، تتشابهان بالإخفاق ، تماماً ، كما إنهما عاجزين عن تمثيل الفرد في المجتمع الدولي أو المحلي ، كما هو حاصل ، مع اليهود .

مع حصول يهود السيفارديم الجنسية الإسبانية وإعادة الاعتبار التاريخي لهم من خلال الاعتراف ، بأحفاد المطرودين ، كونهم جزء لا يتجزأ من التاريخ الإسباني ، المعاصر والأندلسي القديم ، والحال أن أمر تجنيس السيفارديمون ، سيفتح شهية الكثير من الأحفاد المرويكسيين ، ليس في البحث عن الاعتراف ، طبعاً ، بقدر ما هو ، المطالبة بمساواتهم في الحقوق ، أو إذ تعثر ذلك ، من الأرجح أن يدعي الكثير ، أنهم يهود سيفارديم الأصل ، لكنهم اسلموا بالإكراه ، من أجل الحصول على ورقة تتيح لهم العيش بكرامة .