مشانق غزة ..و"أمنها القومي"!
تاريخ النشر : 2016-05-31 11:01

كتب حسن عصفور/ مغ فجر الثلاثاء 31 مايو 2016، أقدمت حركة حماس على تنفيذ "جريمة سياسية" مضافة لما سبق لها أن قامت به منذ 14 يونيو 2007، عندما نفذت حكم الإعدام بثلاث مواطنين مدانين بجرائم قتل وسطو..

الجريمة السياسية ليس في عملية الإعدام ذاتها، فتلك مسألة خلافية، رغم ان "القانون الأساسي- دستور السلطة"  أقرها، ولم ينفذ عملية سابقة، لكنها في اصرار حركة حماس على تعميد "خطوة إنشقاقية" إضافية وتكريس "أنها حالة كيانية مستقلة"، ما بين "حكم ذاتي" أو "إدارة ذاتية" لكن مرجعيتها ليست السلطة بل جهة أخرى، غير معلومة..

خطوة حماس فجر الثلاثاء، ستسجل إعلانا سياسيا بأن قطاع غزة يتجه "قانونا" نحو "الإنفصال السياسي"، وترسيخه بممارسات تضرب عرض الحائط بـ"الرابط الخاص لجناحي السلطة، القانون  الأساسي"، رغم عدم إلتزام أي من قيادتي التسلط في جناحي "بقايا الوطن"، ويأخذ كل منهما ما يراه مناسبا لخدمة منهجه ومصالحة..

"مشانق غزة" التي نصبتها حماس، باتت منذ اليوم علامات فارقة على طريق استمرار الانقسام، ورسالة رسمية من الحركة المنفذة أنها لا تولي قيمة ولا أهمية لأي نداء خاص بالمصالحة، وهي تتعامل معه تساوقا وليس قناعة، كما هي بعض قيادة فتح، التي تعمل بقوة مضاعفة كي لا يكون للوحدة مكانا كونه خطر على مصالحها التي تكونت عبر الإنقسام..

ما أقدمت عليه حماس جريمة كبرى، رغم كل "الذرائع" التي ساقتها بإسم "عائلات الضحايا" وانتشار الجريمة، وسبل الردع، لأنها في الواقع هدمت ركنا رئيسيا من أركان السلطة الوطنية، لا تقف عند حدود التحقيق وجهة إصدار الحكم، وما تسميه بـ"النيابة العامة" التي تؤكد بها إنشقاقها عن النيابة العامة الرسمية، وصنعت منها نيابة حزبية، لكنها تجاهلت شرط الضرورة للتنفيذ بمصادقة رئيس السلطة على الحكم..

وعندما سن المشرع ذلك لم يكن منحا لسلطة مضافة للرئيس بل كان بها يمنح فرصة للتفكير قبل التنفيذ، سواء من أهل المغدور بهم، أو من الرئيس لمراجعة صوابية الحكم، وكما قال مسؤول حمساوي في مجلسها الخاص للقضاء، ليس كل جريمة قتل تساوي الإعدام، ولذا كان المشرع حريصا على وضع مساحة ما قبل التنفيذ..

حكم الإعدام بذاته جزء من القانون الفلسطيني، رغم أنه لم يكن حلا ولن يكون لمنع الجريمة، ولو فكر البعض في واقع الدول التي تطبق حكم الإعدام، غالبية الدول العربية وأمريكا سيجد أنها من أكثر مناطق البشرية تشهد جرائم جنائية قتل وسطو وكل أنواعها، فيما تلك التي لا تنفذه أقل بكثير منها، والمقارنة بين دول أوروبا والكيان الاسرائيلي ..الجريمة الأقل نسبة في هذه الدول وليس في تلك التي تنفذ حكم الإعدام، وامريكا كانت ولا تزال "أم الجرائم" الجنائية!

حماس صنعت بقرارها زمنا جديدا وخاصا لما تحلم به إنفصالا، مهما إدعت غير ذلك قولا، فقديما قيل وبصدق، المهم "الأفعال وليس الأقوال"..

وعل جريمة حماس في "إعدام القانون" قبل "إعدام مجرم" هي الجريمة ذاتها التي وجب عقابها وطنيا على ما فعلت يداها من جرم يتسحق "الرجم الوطني"..

ولأن ثقافة حماس السياسية باتت ثقافة "إنفصالية" متأصلة بداخلها، اصدرت قبل أيام بيانا نشرته عبر بعض وسائل اعلامها ومقربيها بيانا تهديديا بعد نشر صحفي فلسطيني تقريرا عن "التحرش الجنسي واستغلال الوظيفة" في صحيفة لبنانية إعتادت نشر تقارير تخدم رؤية صاحبها، التقرير أثار كل أشكال الغضب الحمساوي، وصل الى اعتباره والصحيفة التي نشرته "تهديد أمني وحملة منظمة لتشويه المقاومة وقطاع غزة"..

(علما بأن ذات الصحيفة نشرت تقريرا تشويهيا وكاذبا حول القدس روجت له حماس في كل ما لها من وسائل إعلام، كما روجت له وسائل اعلام فتح والرئاسة..لأنه كان على هواهم)

وبالتدقيق في التعابير المستخدمة من قبل حماس ردا على تقرير صحافي غزة، نجد أن حماس نصبت ذاتها حركة مقاومة "مقدسة" لا ينالها الخطأ ولا الخطيئة، وأن قطاع غزة بات "كينونة مجتمعية خاصة".. بيان لا يرمي للدفاع عن أي "اساءة" يمكن أن يراها البعض في التقرير، رغم انه عكس الواقع القائم في أي مجتمع وليس في قطاع غزة وحده، فلا الضفة أنقى ولا القدس أبعد، ولا دولة في العالم لا تعيش تلك الحالة التي اشار لها التقرير..

لكن حماس تريد قطع الطريق على تنامي خلل مجتمعي مضاعف منذ انقلابها عام 2007، كما حدث مع فعل الإعدام، فهي تحاول "إعدام الغضب المجتمعي" المتزايد في القطاع، الى جانب تعزيز مفهوم أن "قطاع غزة وحدة جغرافية خاصة"..تحت يافطة أنه "يتعرض للتشويه المنظم واستهدافه كمقدمة لاستهداف المقاومة"..تعابير فخمة اللغة سطحية المضمون..

قطاع غزة كما غيره به ما به، والمقاومة في الضفة والقدس أكثر حضورا بكثير منها عن قطاع غزة، كون الهبة الشعبية التي تتغنى بها قيادات حماس هناك، وقطاع غزة "هادئ" جدا..ولذا التلاعب اللغوي لن يخفي الواقع بأن القطاع يعيش زمنا أغبر منذ 14 يونيو 2007 آن أوان وضع حد له..

دون ذلك لا تغيير حقيقي يمكن أن يكون.."الخطف السياسي العام ينتج خطفا شخصيا" كلما أمكن..ذلك هو الدرس الذي يغيب عن قيادات التسلط في "بقايا الوطن"!

ملاحظة: جنيف تشهد اليوم "ورشة عمل دولية" حول المصالحة الفلسطينية..النكتة أن حركة فتح أرسلت وفدها فيما حماس غابت عن الورشة..متى يخجل فريق السياحة السياسية مما يفعل..فلسطين تستحق خيرا منكم!

تنويه خاص: اشاعات سياسية بأن هناك محاولات لعقد "اللجنة التحضيرية" الخاصة بالمجلس الوطني المرتقب في رام الله..مش غريبة أن يصر البعض أن تعقد هذه اللجنة لقاءها تحت الاحتلال..المكان عنوان الفشل..ولنا وقفة قادمة مع ذلك!