قمة اسطنبول الانسانية ..وماذا بعد
تاريخ النشر : 2016-05-26 16:18

علي مدار يومين من الاجواء التفاعلية والمناقشات واوراق العمل انتهت اعمال قمة العمل الانساني التي استضافتها العاصمة التركية "اسطنبول" ونظمتها الامم المتحدة وحضور ومشاركة امينها العام "بان كي مون" ووفود 175 دولة والاف المدعوين من شخصيات وممثلي مؤسسات وهيئات من مختلف دول العالم جميعهم ناقشوا اليات التعامل مع الازمات الانسانية، واعتماد استراتيجية جديدة تقوم على الاستعداد للأزمات والاستجابة لها وتأتي القمة في وقت يتعرض فيه ملايين من البشر في أنحاء مختلفة من العالم للتهجير من مناطقهم بسبب العنف الدائر في بلدانهم انتهي بهم المطاف في مخيمات اللجوء و التشرد بعدما غادروا اوطانهم تحت تهديد القتل المحقق بفعل الاقتتال الداخلي بحثاً عن الامن المفقود في بلاد الاغيار لم يكن السوريين والعراقيين و اليمنيين و الليبيين هم وحدهم من يدفع فاتورة الحروب الفتاكة بالوكالة في بلدانهم وسبقهم بعقود نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948م وما نتج عنها من تشرد ولجوء ومعاناة لازالت فصولها مستمرة , كثير من القادة والشخصيات ممن شاركوا في اعمال القمة الانسانية يمثلون نموذجاً للانحدار الاخلاقي والقيمي وغياب الضمير الانساني واستخفافاً بأبجديات الحقوق المشروعة التي كفلتها القوانين والمعاهدات الدولية ويشارك الان بفاعلية في قمة انسانية ويدلي بدلوه في كيفية توفير سبل حماية والعناية ممن يعانون ويلات الاقتتال و العنف.!

" بان كي مون " وفي نهاية فعاليات القمة الانسانية وجه انتقاداً مباشراً لمجموعة الدول السبع التي لم يحضر قادتها جلسات قمة العمل الانساني باستثناء المستشارة الالمانية "ميركل" قائلاً من المخيب للآمال ان عددا من قادة العالم غابوا من هذه القمة ولا سيما قادة مجموعة السبع.. ! ادعو كل منكم الى مزيد من الالتزام ..!, متزامناً مع غياب قادة ورؤساء كل من كندا, فرنسا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية قطعاً لا مبرر لعدم حضورهم ويكتسب وجود تلك الدول اهمية كبيرة كونها تمثل مجموعة الدول الصناعية وصاحبة رؤوس الاموال ومن تمتلك التأثير في السياسات واقتصاديات العالم وتعتبر لاعباً وداعماً رئيسياً لا يستهان به من خلال مشاركاتها التمويلية والمالية وان كان من بين الحضور من يمثلهم الا انه لا يرقي لمستوي حضور رأس الهرم السياسي للمجموعة الاقتصادية ما يطرح تساؤلاً حول جدوي انعقاد القمة الانسانية وغياب اهم اللاعبين في الحلبة السياسية الدولية وان كان هذا واقع الحال في القمة كيف ستكون النتائج وهل ستتحقق ما تم اقراره وفق ما جاء في البيان الختامي الذي جاء باهتاً وضعيفاً وهزيلاً فيما يخص جوهر الصراع في المنطقة وقضية اللجوء و التشرد الفلسطيني مع عمق المأساة واستمرار المعاناة المترتبة علي بقاء الاحتلال الاسرائيلي جاثماً علي الارض الفلسطينية ولا ينصاع للإرادة والقرارات الدولية بإنهاء احتلاله واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ,وتركيز القمة على قضايا انسانية من طراز اخر..! ستواجه باختبارات مستقبلية عدة تظهر مدي المصداقية من عقد قمم اخري وتحت عناوين مختلفة كأن تكون قمة اخلاقية و اجتماعية..! تضاف الي انشطة الامم المتحدة الحاضرة الغائبة المغيبة في غمرة سطوة ونفوذ دول بعينها..

القمة الدولية التي عقدت في اسطنبول التركية واطلق عليها قمة العمل الانساني مع ما تحمله من عنوان لافت ومهم تأتي في ظل اوضاع انسانية وكارثية تعاني منها شرائح انسانية كثيرة تتواجد في انحاء عدة من العالم الممتد بين الاتجاهات الاربع وتأخذ ابعاداً ولها اسباباً ونتائج مختلفة لكنها بالمجمل تحصد ارواح ابرياء , وتُشرد اخرين , وتقتل امال و احلام كثيرين , وتثقل كاهل الضعفاء وتنشر البؤس بلا رحمة و تفتك بهدوء بلا شفقة للوهلة الاولى يُبعث على النفس راحة وشعور بأمل يطل برأسه من وسط ركام القتل والتشرد واللجوء وهي بفعل البشر !! ومستقبل زاخر ومزهر لمن هدمت بيوتهم وطمرت حقولهم الفيضانات وابتلعت مساكنهم المتواضعة اهتزازات الارض وقضت علي احلامهم ثورة البراكين والمد البحري الغاضب, واغرقت حاجياتهم ومقتنياتهم غضبة تسونامي وطمرت حقولهم الفيضانات بين المشهدين يقبع الانسان والنتيجة مأساة ومعاناة قد تتواصل لعقود وتتوارثها الاجيال لكن الاختلاف جوهري ويقينا ان المشهد الاول ضحيته الانسان ومن فعل اخرين نتيجة لغياب جمله من القيم الاخلاقية والمبادئ السامية والضمير الانساني والوازع الديني واستبدالها بنزعة الشر وتأجيج الفتن الطائفية وتعزيز قيم حزبية ومعتقدات و أيدولوجيات يحارب مُنسبيها حتي الثمالة دفعاً عنها, واما المشهد الثاني هو بمشيئة الله وحده ويكون تحمل نتائجها برضي شديد ..

اختتمت اعمال القمة الانسانية الدولية بالتزامن مع تسريبات اعلامية لمخطط يثير الشكوك والظنون ومن حُكم المُؤكد له تداعياته علي ما تُقدمه الوكالة الدولية من خدمات تم تقليصها بشكل ملحوظ تركت اثاراً علي شريحة كبيرة من المستفيدين في جوانب عدة دأبت دوائر الوكالة الاممية علي تقديمها منذ عقود , الامر المقلق والمُثير للتساؤلات حيث ستقوم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" الأونروا" بتنفيذ سياسة تقشف مالي وتقيد الانفاق ما من شأنه ان يؤثر علي الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين وقد سبق تقليصها عدة مرات وعلي مراحل وخلال فترات متباعدة نسبياً تتبني الهدوء وعدم اثارة الزوبعة في التقليص و الضغط علي المستفيدين وكل المؤشرات تشير الي تقليص "الأونروا" لخدماتها الاغاثية و الخدماتية و العلاجية وبات الواقع يُثير تساؤلات الي ما ستؤول الية اوضاع اللاجئين بعد ما يُشاع عن ازمات مالية تعصف بالوكالة الدولية التي انشأتها الامم المتحدة ووُجدت من اجلهم وهل اهتمام العالم الانساني الان في قضايا انسانية اخري..! يَعتبرها اكثر انسانية من قضية التشرد و اللجوء الفلسطيني بفعل النكبة التي احلت به و بأرضه عام 1948م بعد ارتكاب الجماعات اليهودية المتطرفة جرائم حرب ومجازر بحق الابرياء وعليه حرف انظار والاهتمام الدولي نحو قضايا ملايين اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم الاقتتال الداخلي , وملايين من تشردهم تداعيات الظواهر الطبيعية والاوضاع الانسانية المعقدة في مناطق عديدة هم بحاجة ضرورية وماسة للمساعدات وتحسين ظروفهم في مخيمات تفتقر لادني مقومات الحياة البشرية تتشابه ظروفهم مع ما تعانيه غزة من ظروف انسانية صعبة نتجت عن الاعتداءات الدموية الاسرائيلية ضد غزة كان اخرها صيف العام 2014م التي دمرت البني التحتية والاف المنازل وتسببت بمعاناة الاف الأُسر الفلسطينية مما باتوا بلا ماوي و يقيمون في كرافانات حديدية و خيام يعيشون ظروفاً غير انسانية.! تسبب به التقاعس المقصود في ملف اعادة الاعمار المعمول به وفق تفاهمات لإدخال الاسمنت ومواد البناء تتبني خطة "روبرت سيري" المسؤول الاممي..! والقيود والمعيقات والاجراءات المفروضة من قِبل دولة الاحتلال الاسرائيلي ما يستدعي توقف واهتمام اعمال القمة الانسانية امام مسؤولياتها الاخلاقية و الانسانية تجاه الشعب الفلسطيني ومعاناته الممتدة واستئناف دعم موازنة "الاونروا" وعدم التنصل من مسؤولياتها تحقيقاُ لأهداف سياسة مشبوهة واخضاعها للابتزاز من قبل الدول الممولة ويبقي الشعب الفلسطيني و اللاجئ الذي طُرد من ارضه عنوة وان اختلفت ظروف الرحيل من لاجئ الي اخر الا انه هو الاقدر علي ملامسة و معايشة ظروف كل من تركوا بلدانهم وغادروا لأنه عاش مأساة التشرد وهروب اللحظة الاخيرة من حراب و بنادق هددت روحه ..علي المجتمع الدولي ان يقوم بواجبته وان يضطلع بمسؤوليته تجاه القضايا الانسانية في أي بؤرة كانت دون اخضاع التدخل الانساني الي حسابات ومصالح قوي النفوذ والتعامل مع الحاجات الانسانية وفق اخلاقيات العمل الانساني المُجرد ..

سؤال مهم للقائمين على القمه وضيوفها ومقرراتها واهدافها المُعدة مُسبقاً..! كونها تعقد في العاصمة التركية مع تمثله السياسة التركية الطموحة بتجسيد دور عالمي وهذا حقها مع ما احرزته الدولة التركية من انجازات على كافة الصعد والمستويات تؤهلها لـتأخذ دوراً اكثر تأثيراً وعمقاً في قضايا شائكة الملف السوري حاضر بقوة وملايين من اللاجئين السوريين يقيمون على اراضيها واخرين يغادرون منها الى دول اخرى , والملف العراقي تحت المجهر وعلاقاتها المتوترة مع الاكراد ويكتسب عقد القمة في العاصمة تركيا اهمية كونها الملاصقة للحدود الشمالية للقطر السوري وتشهد حدودها ومعابرها حركة نزوح جماعي كثيفة ويقيم علي اراضيها ما يقارب 2.7مليون مواطن سوري هم بحاجة الي تحسين ظروفهم الانسانية والخدماتية والحياتية ويترتب علي ذلك اموال طائلة تكلف الخزينة العامة التركية مليارات الدولارات مع يزيد على كاهلها وما سينتج عن القمة الانسانية شأنه ان يوفر تغطية مالية لاحتياجات اللاجئين السوريين ليس في تركيا بحسب وانما في دول اوربية عديدة تتشابك في قضية اللجوء السوري الي أوربا اين المعاناة الفلسطينية بعد رحلة متواصلة من اللجوء و التشرد والتنكر للحقوق المشروعة لكل المهجرين بالعودة الي درياهم وفق النصوص الصريحة و الواضحة للقرار 194 الصادر عن الامم المتحدة وهي ذاتها من تنظم قمة العمل الانساني..! والاجدر بالقائمين والمشاركين في القمة الانسانية ان يبحثوا في تقديم حلول جذرية للحالة المأساوية و الانسانية لملايين اللاجئين الفلسطينيين المشردين بالتزامن مع مناقشة قضايا ملايين من البشر يعيشون ظروفاً انسانية قاهرة في مناطق تشعلها الحروب وتنهكها الازمات ويعيق نموها ندرة الموارد وينهشها الفقر و يستحكم منها الغرباء..