هليفي ونصائحه السياسية..حماس "شريكا بديلا"!
تاريخ النشر : 2016-05-25 10:49

كتب حسن عصفور/ قبل أيام خرج رئيس الموساد الإسرائيلي، أحد أذرع أجهزة الأمن لدولة الكيان، بتصريحات  تمثل مظهرا "إنقلابيا" في اللغة العلنية لأحد الشخصيات الأمنية البارزة..

أفرام هليفي، وخلال مؤتمر صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، الناطقة بالانجليزية، عقدته في أمريكا، تحدث عن مسائل تمثل درجة عالية من الحساسية والأهمية في آن..

طالب المسؤول الأمني الكبير، بشكل صريح، وبلا أي مواربة بضرورة أن تتفاوض حكومة اسرائيل مع حركة حماس، خاصة بعد الحروب التي شنت على  قطاع غزة، ولم يتم إنهاء حكم الحركة لأن نتنياهو لم يرد ذلك، مضيفا بسخرية لأنه "صديق لها" لم يرد القضاء عليها..

هليفي قدم شهادة "براءة سياسية" لحركة حماس كونها لم تعد صديقة لإيران، وخرجت عن
طوعها، بما يعني أنها لم تعد جزءا من "محور الشر"، كما يحلو لإسرائيل وصف المحور الإيراني في المنطقة، وربما فاته أن يقول أنها باتت ضمن "محور الخير" التركي القطري صاحب البصمات السياسية الهامة لتل أبيب..

ولأن هليفي يريد التفاوض مع حماس، فقد كشف بعضا من "أسرار جهازه الأمني"، عندما تحدث عن مفاوضات أمريكية مع حماس، دون أن يذكر تفاصيل تتوفر في خزائن جهازه، كي لا يدخل في "صدام معلوماتي" مع المخابرات الأمريكية..

محور تصريحات رئيس "الموساد" الأسبق"، ترتكز على ضرورة اعتبار حركة "حماس"  "شريكا تفاوضيا" لدولة الكيان مستقبلا، وأنها أدركت، اي حماس، أنها لا تستطيع "إبادة إسرائيل"، لذا فهي ستكيف ذاتها ، السياسية والفكرية مع تلك "الحقيقة"..

وبعض من التفكير في تصريحات هليفي، خاصة في هذا التوقيت، يمكن استنتاج "الرسالة الإسرائيلية" التي ينصح بها قادة أمن حكومتهم، وهي أن حماس باتت "البديل الموضوعي" لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، خاصة بعد ما وصل بها الحال ما وصل من "ضعف ووهن سياسي"، في العشرية العباسية الأخيرة..

حماس، وفقا لهليفي، بديل موضوعي للتمثيل الفلسطيني، بضمانة محورها الجديد، بعد انتقالها من دمشق الى الدوحة، ولا نظن أن تلك الرسالة صعبة الإدراك السياسي، كرسالة من مسؤول أحد أهم أجهزة الأمن الإسرائيلي، بل ويعتبر من الأهم عالميا أيضا،  فتغيير مكان الإقامة ترتب عليه تغيير رؤية ومواقف..

هليفي، يريد القول أن "منظمة التحرير" لم تعد "شريكا للسلام" مع دولة الكيان، بالمقابل حماس تملك المواصفات ومؤهلة سياسيا وفكريا لأن تكون، وما ينتظر هو أن تبادر حكومة نتنياهو، أو أي حكومة إسرائيلية بفتح الباب لحماس لتدخل محراب تلك "الشراكة"..

وبعيدا عما يريده الأمني الموسادي هليفي، أو عن تلك الأقوال التي تريد تعظيم مكانة حماس دون غيرها، مع تبخيس مكانة منظمة التحرير وحركة فتح السياسية، فهي تصريحات تحمل عددا من "الرسائل السياسية" التي قد تجد لها اثرا:

* اسرائيل، عبر هليفي، تعلن أن عباس لم يعد بذي أثر وقيمة في المرحلة المقبلة، وأن دوره السياسي وصل الى لحظته الأخيرة..وبديله المطلوب هو حركة حماس..

*اسرائيل عبر مسؤول أمني سابق، تريد أن تساهم في تكريس عمق الإنقسام الوطني الفلسطيني - النكبة الحديثة- بتلك الإيحاءات، كونها تعلم يقينا أنها لن تمر مرورا عابرا من قبل مكتب الرئيس عباس - المقاطعة - أو من حركة فتح، حتى لو أنها صمتت كليا ولم تعلق بكلمة واحدة عليها، رغم مخاطرها..

*اسرائيل، وعبر هليفي، أرادت أن تعزز مكانة ودور حماس ضمن "محور الخير التركي - القطري" لفتح مسار خاص لقطاع غزة، يمنح وضعا خاصا، بمسميات مختلفة، ما يقطع الفرصة أمام إقامة دولة فلسطين في حدود الأراضي التي أقرها قرار الإمم المتحدة عام 2012 ..

*اسرائيل، وعبر هليفي، ترسل رسائل الى الإدارة الأمريكية، ان أي مفاوضات بين الكيان وحماس لا تمثل خرقا ولكنها إمتداد لمفاوضات جرت بينكما في وقت سابق، والموساد يعلم..

*اسرائيل، وعبر هليفي، تقول أن أي مفاوضات مقبلة لن تكون دون حماس، وهي رسائل ربما لفرنسا ومبادرتها المجهولة، أو لمصر التي تبحث صياغة جديدة لحل سياسي..

*اسرائيل، وعبر هليفي، تعلن أن "الشريك الفلسطيني" هي من تختار، وليس من يختار الشعب الفلسطيني..

رسائل لا نظن أنها لم تكن في ذهن رأس الجهاز الأمني، ولا غائبة عن رأس الحاكم في تل أبيب..لكن المفارقة التي تستوجب الانتباه، لماذا صمتت حركة حماس وقيادتها على ما بتلك التصريحات من دعوة تفاوضية صريحة، وأن حماس تفاوضت مع أمريكا، دون أن تعلن ما هي الصفة التي تفاوضت بها، أهي فصيل أم ممثل ..ولا نعتقد أن قادة حماس يجهلون الفرق بين هذا وذاك..

صمت حماس، رسالة سياسية منها، أنها باتت مستعدة..أما صمت فرقة الرئيس وحركة فتح فهي تكشف مدى ما أصابهم من "وهن سياسي" أمام ضغط دولة الكيان، وكأن البعض منهم ينتظر تنفيذ تلك الرسائل وفقا للقول، كفى الله المؤمنين شر القتال..!

ما كانت تصريحات هليفي يجب أن تمر مرورا عابرا، ولكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها..

ملاحظة: أن تقرأ بأن الرئيس عباس، عبر المالكي، يقول في تركيا أن فلسطين على إستعداد لاستقبال آلاف المهجرين - المهاجرين من سوريا نتيجة الحرب والكيان رفض، ليس سوى قمة الهزل والمسخرة التي لا تخطر ببال..بالأول دخل لاجئي البلد!

تنيه خاص: "إنقلاب الغنوشي الفكري - السياسي" لا زال أثره حاضرا ولن يتوقف سريعا..البعض لا زال يشكك في صدق "النوايا"، والبعض يراه طريقا إجباريا للبقاء بعد هزيمة كبرى لـ"المشروع الإخواني الأم"!