أين يكمن الخلل
تاريخ النشر : 2016-05-23 21:01

منذ بدايات القرن العشرين الذي شهد صدور وعد بلفور المشئوم وأعطى لمن لا يملك حقا يملكه غيره، وتسهيل الاستعمار الانجليزي لليهود عملية الاستيلاء على المدن والبلدات الفلسطينية واحدة تلو الآخر، من خلال إمدادهم بالمال والسلاح، والثورات الفلسطينية التي حاولت بشتى الطرق والوسائل مقاومة اليهود والحفاظ على الأرض الفلسطينية، والحروب العربية الإسرائيلية، والهجرات الفلسطينية القسرية والانتفاضات الفلسطينية المتتابعة في مقاومة الاحتلال، والمبادرات الدولية المتتالية كذلك في العمل على الوصول إلى حل مرض للشعب الفلسطيني، إضافة إلى المبادرات العربية التي تم تقديمها لتحقيق تلك الغاية، إلا أن جل ما تم التوصل إليه ومنذ سنوات، لم يتعد وجود السلطة الفلسطينية في فلسطين إلا ضمن إطار ما ورد في اتفاق أوسلو التي كان من المفترض أن تؤدي تفاهماته لاحقا إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما لم يحصل حتى تاريخه.

كما أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة لم تحقق ولو من النجاح قدرا يسيرا في الوصول إلى حل يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية التي يحلم بها الشعب الفلسطيني كغيره من الشعوب. تتالى المبادرات حول القضية، وآخرها مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والمبادرة الفرنسية. وقد رحبت السلطة الفلسطينية بها لعلى وعسى، ولكن الرياح يبدو أنها ستظل ستسير على ما يبدو بعكس الاتجاه الذي تشتهيه السفن، فها هو بنيامين نتانياهو يرفض المبادرتين، ويطل بمبادرة تقترح مفاوضات مباشرة بينه وبين الرئيس محمود عباس، ومشيرا إلى أن المفاوضات الثنائية المباشرة هي الطريق الأسلم للمضي قدما في عملية السلام.

سيظل كل مسئول إسرائيلي، يرفض المؤتمرات الدولية والمبادرات العربية للسلام والتي تتم الدعوة إليها بين الحين والآخر لاستئناف المفاوضات لأنهم يرون في ذلك وسائل من الضغط ستمارس عليهم ولو بالنزر اليسير لتقديم ما يدعون أنه تنازلات من جانبهم لإرضاء المجتمع الدولي، مع أن ما سيتم إعطاؤه للفلسطينيين لا يشكل إلا نسبة قليلة وقليلة للغاية من حقهم في أرضهم التي انتزعت منهم غصبا وعن سابق إصرار وترصد وتخطيط شيطاني، ومن المعلوم أنهم يفضلون الوساطة الأمريكية فحسب في مفاوضات السلام، لسبيين الأول منهما عدم رغبتهم في تدويل القضية الفلسطينية من جديد بعد أن عملوا على إلغاء المرجعية الدولية للمفاوضات قبل سنوات طوال، والثاني معرفتهم بأن الجانب الأمريكي لن يمارس عليهم إلا ضغوطا شكلية أثناء المفاوضات، ما لم يكن الوصول إلى حل نهائي وفقا للشروط التي يضعونها هم وليس غيرهم دون أي اعتبار لحقوق شعب أو قوانين أو أنظمة دولية، وهو جزء من العنجهية الإسرائيلية التقليدية التي تستمد قوتها من الدعم الدولي السخي لها سواء في المساعدات العسكرية الاقتصادية المباشرة، أو تبني مواقفها والدفاع عنها في المحافل الدولية.

وهكذا، فإنه ليس إلى سبيل من تغيير للحقيقة بأن اليهود لن يقبلوا بحل المشكلة الفلسطينية بالصورة التي تؤدي إلى إقامة وطن فلسطيني قابل للحياة إلا بالطريقة التي يريدونها هم، وبالتالي سيظل الخلل قائما في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية في حالة استئنافها اقتصارها فقط على الطرفين دون تدخل دولي فعلي، وهو ما لم ولن يحدث لأن بقاء الدولة الإسرائيلية بشكلها الذي تأسست عليه يشكل للأطراف الدولية التي تتبنى سياساتها وتدافع عنها وتتبناها، يظل لهم عنصر الأمان والاطمئنان في المنطقة ما دامت فلسطين هي همزة الوصل بين آسيا العربية من جهة وإفريقيا العربية من جهة أخرى.