الغربان تنعق فى سماء اسرائيل
تاريخ النشر : 2016-05-22 12:10

من خلال متابعتى للشأن الاسرائيلى ، وردود فعل الكتاب والمحللين والشارع على اتفاق الإئتلاف الجديد وضم حزب " اسرائيل بيتنا " للحكومة ، وتعييين أفيقدور ليبرمان وزيراً للحرب لدولة الاحتلال  ، وجدت قلقاً داخلياً لليهود يفوق بكثير حسابات وقلق القوى الفلسطينية والعربية والدولية من تداعيات هذه الخطوة .

فالشارع الاسرائيلى شعر بالأمن نسبياً بوجود شخصيات وقيادات أمنية تتميز بتجربة عسكرية ، " بغض النظر عن بعض الاستثناءات " ، وبات يشعر بخشية على مصيره ، ومصير دولة الكيان بكاملها بوجود شخصية متهورة ومتعجرفة ومتطرفة بآراءها ومواقفها ، وبلا أدنى مقومات للتجربة .

وزير الحرب الأسبق ايهود براك  انتقد تعيين ليبرمان بالقول (علينا لأن نصلي لكي لا ندفع ثمناً باهضاً إن أصبح ليبرمان وزيراً للحرب  فراية سوداء ترفرف  فوق قيادة الحكومة الحالية ورئيسها نتنياهو ) .

وشخصيات كبيرة كيوفال ديسكن وعلى صحيفة مهمة كيديعوت أحرونوت وبعنوان ملفت للنظر " نهاية البداية أم بداية النهاية " يقول ( ليبرمان لا يملك تجربة أمنية ولم يسبق له أن أرسل أي جندي الى المعركة ولم يسبق له أن تحمل مسؤولية اتخاذ القرارات ، وعندما نرسل أبناءنا الى الجيش والى الحروب، نريد أن يكونوا في أيدي أمينة وصاحبة تجربة. هذه الأيدي ليست أيدي ليبرمان، تبلغ اسرائيل 68 سنة ، وتعيين ليبرمان وزيرا للدفاع يبين أنه ليس هناك شيء متجمد وأننا نستمر في الانزلاق بسرعة ، وأنا أتساءل بيني وبين نفسي – هل هذه نهاية البداية أم هي بداية النهاية ؟؟ ) .

" دان مرغليت " فى صحيفة اسرائيل اليوم يقول (يأتي ليبرمان محملاً بالديون العامة والسياسية لممارسة القوة غير المحدودة ، وضد كل صاروخ مستقبلاً سيتذكر وعوده ؟ وسيكون لديه دافع خطير للانجرار الى معارك على مستوى غير متوازن ، فقط كي يثبت أنه  يمكنه أن يفي بوعوده عملياً ،  ليس هناك من يعبر ويعكس اكثر من ليبرمان نزعة القوة والعدوان وقصر النفس وانعدام التوازن اللازم في ادارة المعركة على السلام والحرب) .

الكاتب " شمعون شيفر " فى صحيفة يديعوت أحرونوت يقول (دخول ليبرمان الى وزارة الدفاع يشكل نوعا من الاختبار الذي لم يسبق له أن جربه حتى اليوم ، فوزير الدفاع يقف في قلب الجهاز الحساس، الاكثر شمولا وتأثيرا على حياة الاسرائيليين، وبقدر كبير على ما يجري في الشرق الاوسط ايضا، وسيطلع على اكثر اسرار الدولة كتماناً ) .

الصحافيون الاسرائيليون يصفون مواقف ليبرمان بالنذر بالخطورة المستقبلية على أمن المنطقة والعالم ، إيتان هابر في إحدى افتتاحيات  يديعوت أحرونوت يقول  : ليرمان لا يقصد فعلا ما يقول ويثرثر وحسب. ويتفق معه في هذا الرأي ناحوم برنباع الذي يعتبر تصريحات ليبرمان شكلا من أشكال الهذيان اللفظي، ولكن بغض النظر عن كون ليبرمان ثرثارا أم لا، فإنه يظل تعبيرا متبلورا عن التيار العنصرى اليمينى المتطرف، فهو كما وصفه يتسحاق ليئورفى هآرتس " دودة ضخمة نبتت وترعرت في حقل القثاء "أي في الساحة السياسية الإسرائيلية". المشكلة تتجاوز وصول يميني متطرف إلى موقع القيادة في إسرائيل، ولكن الأيام القادمة ستطرح وبحدة، سؤالا مهما حول ديمقراطية دولة الاحتلال فالليبرمانية اليوم ظاهرة مقبولة ولها حضورها  في المجتمع ، هذا يعني أن المؤسسة الصهيونية وصلت إلى درجة كبيرة من الانحطاط، وأن الأوضاع تشهد درجة عالية من الخطورة على المنطقة برمتها.

أعتقد أن تعيين ليبرمان لوزارة الحرب لن يجلب الاستسلام من المحيط ، بل سيعزز لديهم الكثير من الحذر والاستعداد ، والمواجهة المستميتة لحظة الحسم ، وهنالك أفكار تكاد تتوحد فى مضمونها وعقلية صاحبيها ، " النازى الآرى هتلر ، واليهودى الروسى الحاقد أفيغدور ليبرمان " الاثنان وصلا لأروقة القرار السياسى على قاعدة الديموقراطية بالانتخابات رغم تطرفهما ، ويؤمنان باستعلاء شعبيهما على العالمين ، ويدفع توجهما  الشعور بالعظمة والقوة ، وكراهية الآخر لحد الاستهانة بالحياة ، وفى النهاية عاقبة وخيمة وكوارث غير محسوبة ومغامرات تنذر الكل العالمى  بالارهاب والدمار .

ودون شك أن أفكار ليبرمان مشبعة بالحقد والكراهية ضد العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، وتضمن تحريضاً وتهديداً ليس باتجاه الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" متهما إياه بمحاولة فتح حرب دينية ، وحمله المسؤولية عن توتر الأوضاع في المسجد الاقصى، وأنه غير شريك للسلام ، وتهديد السيد اسماعيل هنية بالقتل فى حال عدم تسليمه للجنود المخطوفين فى حرب 2014 ،  والتحريض على فلسطينيي 48 ،  وضد كل من هو ليس يهودى على الأرض وضد  مصر وضد لبنان وحزب الله ، وضد سوريا وايران وأوروبا وكل من يخالف دولة الاحتلال ، وضد الفلسطينيين حيثما كانوا، في الضفة وفي غزة وفي الأراضي المحتلة عام 1948 ، واغراق الأسرى الفلسطينيين فى البحر الميت والاتفاق على قرار الاعدام بحقهم  .

ومن الأفكار المتطرفة لليبرمان ضرب قطاع غزة بالسلاح النووى وتحويله إلى استاد كورة عند أى حرب ، أفكار ومواقف تثير الاستهجان حتى على مستوى الصحافة والكتاب والمحللين وكذلك السياسيين اليهود وغيرهم لشدة غرابتها ورائحة الكراهية والحقد المنبعثة منها ولعل أقرب وأكثر فكرة ارهابية نادى بها ضرب قطاع غزة بالسلاح النووى ، قائلا خلال محاضرة أمام طلاب جامعة بار ايلان ( إن شعب اسرائيل لن يكون في أمان ما دامت الفصائل الفلسطينية في اشارة لحماس والجهاد الاسلامى في السيطرة على قطاع غزة وعلينا الاستمرار في الحرب حتى النهاية والقضاء عليهم ) .

".واضاف " أن الحل موجود، حيث يجب العمل بالضبط كما فعلت الولايات الامريكية المتحدة مع اليابان في الحرب العالمية الثانية وبالتالي لا داعي لاحتلال غزة" ، وذكرت مصادر صحفية اسرائيلية أن ليبرمان يدعو الى القاء قنبلة نووية على قطاع غزة وتدميرها بالكامل والانتهاء من هذة المشكلة نهائياً والتخلص من وصف العالم لاسرائيل انها دولة احتلال ، كما ذكر.

ومن مواقفه  السابقة في حياة  الرئيس الراحل ياسر عرفات  ( أن تقوم طائرة بإسقاط قنبلة وزنها طنين على المنطقة التى يعيش فيها عرفات لتهدمها على رأس من فيها ) ، وقتل السيد  إسماعيل هنية وبقية قادة الفصائل الفلسطينية متذرعا عليهم  الاختفاء والذهاب ، إلى الجنة كما يتمنوا ، ولقد نصح وينصح بقتل حسن نصر الله أثناء أى مهرجان شعبي حتى لو أدى ذلك إلى قتل آلاف الناس الحاضرين .

ومن مواقفه ترحيل فلسطينيي 1948 لتبقى اسرائيل دولة يهودية إذ أنه يرى أن  الفصل هو الحل طالبا من اسرائيل أن تحذو حذو قبرص في حل مشكلة الأقلية العربية ، مضيفاً ان تقسيم قبرص كان يستحق الألم الذي تسبب به "لأنه حل المشكلة"،  ويصر على ان الطريقة الوحيدة لجلب السلام للشرق الأوسط هي بفصل تام لليهود عن العرب، بمن فيهم "فلسطسنيوا ال 48" الذين يشكلون 20 في المئة في الداخل المحتل،  وقال ليبرمان : "أنا أريد اسرائيل أن تكون دولة يهودية صهيونية" كما يمكن تجميع العرب بصورة تتيح فصلهم عن الدولة، وبما أن الجليل هو مكان أغلبية عرب إسرائيل، لا بد من ترحيلهم شمالا، وتضم منطقة المثلث في الجليل الأدنى إلى الضفة الغربية المحتلة، أما يهود كريات شمونة (مع باقى يهود الجليل) فسيحلون محلهم في الجنوب الواسع.

وهدد أفيقدور ليبرمان ذات مرة النائب طلب الصانع بالتصرف معه على شاكلة تعامل دولة الاحتلال مع الفصائل الفلسطينية في غزة والضفة ، كما وأنه نفث سمومه العنصرية تجاه النواب العرب في الكنيست ، وتوعد بأنه "ستأتي حكومة أخرى، وسنعالج أمركم كما يجب". ولم يوفر ليبرمان فلسطينيي 48 من طروحاته، إذ دعا الى سن قانون مواطنة جديد تكون المواطنة فيه مشروطة "بإعلان الولاء لدولة إسرائيل دولةً يهودية، والتعهد بخدمة دولة إسرائيل في إطار خدمة عسكرية أو خدمة مدنية بديلة" ، وطالب بملاحقة زحالقة بسبب مواقفه من المناضل المرحوم د.جورج حبش ومشاركته في جنازته وتأبينه ، علاوة على دعوة زحالقة إلى دفن المرحوم في مسقط رأسه في مدينة اللد ، كما وتهجم على لجنة المتابعة للجماهير العربية في أعقاب إعلان اللجنة لمناهضة الخدمة المدنية المنبثقة عن لجنة المتابعة عن إطلاق حملة شعبية ضد الخدمة المدنية وازدياد التجنيد في الجيش ، ومعروف عن ليبرمان انه يريد الابقاء على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والتخلص من العرب في الداخل، ومن هنا يظهر الخطاب الليبرمانى الذي يتسم بالمزج بين العنف والوعد الإلهي: بفكرة طرده للعرب لحل كل المشاكل من خلال ضربة واحدة ساحقة إلهية، وهكذا تطرح رؤية جديدة لحل العقدة الأمنية.

ومن سخريات مواقفه السياسية لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، قال ليبرمان: "ليس هناك حل عالمي لمشكلة الأقليات ، ففي شمال أيرلندا لم يجدوا حلا لها وكذلك في أسبانيا مع الباسكيين...وأوصي بألا نحاول الإقتداء بالآخرين...ولذا فلا يحق لأوروبا أن تسدي لنا النصيحة القائمة على ازدواجية المعايير- أخبرونا بالحقيقة: إنهم منافقون ولا يحبوننا... كان يتعين علينا أن نقدم لهم أطروحة تفيد بأن معاداة إسرائيل في أوروبا تعد استمراراً مباشراً للمعاداة للسامية- وهذه ليست معاداة لإسرائيل أو للصهيونية بل معاداة كلاسيكية للسامية ولكن في ثوب مختلف...".

ودعا ايضاً  لضرب سوريا وايران في حال أى استفزاز من طرفهما ويجب أن يكون الرد قوياً وشاملًا وحازماً ، مشيراً إلى أن سيطرة حزب الله وباقي الجهات المؤيدة لهما ترفع مكانة حلفائهما  وتزيد من حوافزهم في الصراع مع إسرائيل، وطالب كذلك بتدمير طهران .

فى النهاية أعتقد أن ليبرمان فى المنظور الاسرائيلى يشكل حالة من الرعب غير المحسوبة ، والمفاجئة غير المحمودة وغير المتوقعة ، وتفوق أكثر حسابات المحيط ، لأن أمنهم بات أبعد وفى أيادى غير مسؤولة ومتهورة وغير أمينة .