في أي مرحلة تمر الأمة العربية ؟
تاريخ النشر : 2016-05-20 14:51

في لقاء مضى عليه عشرات السنين مع الأستاذ ميشيل عفلق يقول فيه " لقد آن للعرب أن يضعوا مشكلتهم الأساسية في وضع صحيح ، آن للعرب أن يضعوا حداً للأعذار والتهرب من المسئولية وإلقاء جميع التبعات على الاستعمار ، وأن ينظروا إلى مشاكلهم نظرة عميقة من الداخل ، ويعتبروا أنفسهم وحدهم المسئولين عن مصيرهم أولاً وآخراً .فالحكومات العربية تعتبر الخضوع لمطالب الاستعمار أهون وأيسر من تلك الرغبة الجامحة عند الشعب العربي إلى التحرر.

لذلك فهي تختار دائماً الطريق السهل ، وتتحول مرغمة إلى أدوات يستخدمها الاستعمار لعرقلة تحرر الشعب ، وتأخير نهضته ."

لقد أيقن العرب شعوباً وحكاماً أنهم مستهدفون وأنه بغير انحياز الحكام لشعوبهم لن تكون لهم قائمة، وأيقن الغرب أيضاً أن صحوة عربية دينية ، واقتصادية واجتماعية وثقافية وتاريخية تلوح في الأفق بدأت ملامحها تبرز للعيان ، تزداد بين أوساط الشعب عامة والشباب خاصة ، فكان لابد من إجهاض الاثنتين معاً .

يأتي ذلك في وقت استشعر فيه الحكام العرب أن انتماءهم للغرب الطامع في مقدرات بلادهم لا يمكن أن يشكل صمام الأمان لهم إذا ما وجد أن زوال هؤلاء الحكام لا يشكل له خطراً حقيقياً يضر بمصالحه خاصة الاقتصادية منها .

يأتي ذلك في وقت استطاع الغرب بكل أشكاله وصوره المختلفة أن يكون قد أعد الخطط والسيناريوهات اللازمة لوأد تلك الصحوات في مهدها خاصة وأنه كان يرقب تلك الصحوات والفئات المتبنية لها من أوساط الشعب العربي على اختلاف مشاربه، فكان جاهزاً لخلق تيارات دينية مناهضة للصحوة الدينية الحقيقية بل وتشوه صورتها في العالم العربي والغربي على حد سواء ، بل وأكثر من ذلك تشكل بؤر صراع على الأرض العربية لخلق دويلات لها وفق يريد الاستعمار الغربي الجديد للعالم العربي .

نعم لقد نجح الغرب في خلق هذه البؤر الضالة المضلة المدعومة بفلاسفة يتمتعون بقدرة عالية في المحاجة والإقناع لإفساد الصحوة الشبابية والتخلص في نفس الوقت من تلك الروح الشبابية المتوثبة التواقة للحرية والإصلاح .

إن الأسلوب والمنهج التطبيقي الذي رسمه الغرب وطبقه في مواجهة الصحوة العربية والحفاظ على مكاسبه الاقتصادية في تلك الدول فاق تصور وخيال السياسيين أولاً والحكام ثانياً وأخيراً تفكير ذلك الجيل من الشباب اليافع ، بل وأكثر من ذلك نجح في تضليل كثير من شباب ذلك الجيل الطامع في الحرية والإصلاح، وكسب انحيازه إلى جانب تلك التيارات التي صنعها لمحاربة العالم العربي الذي فكر في شق طريقه نحو الحرية والإصلاح .

إن العالم العربي بدوله ودويلاته العديدة المتعددة أصبح يعاني من حروب داخلية ونزاعات إقليمية أعادته عشرات السنين إلى الوراء ، بل ودمرت اقتصاداتها وحضارته وأصبحت العديد من الدول العربية بحاجة لإعادة تأهيل وبناء من جديد ، بل وربما بحاجة إلى مصالحة اجتماعية داخلية بين أبناء شعبها الواحد .

في خضم كل هذه الأحداث والمؤامرات ربما بدأ يستشعر المواطن العربي بأنه استهدف في فكره وعقيدته وتشويه نضاله وتاريخه ، وكذلك بدأ يستشعر الحاكم العربي حجم المؤامرة المحاكة ضده وضد كيانه وحريته ، ولكن نزعة التملك وحب السلطة ما زلا يسيطران على وجدانه وتفكيره ، ويحولان دون إتاحة فرصة التفكير الإيجابي الوطني لديه، وهذه الحالة من أنماط التفكير الهاجسي يحول الغرب دون تمكينها من العقل العربي المحب للسلطة والنفوذ .

نعم هذه المرحلة من التاريخ العربي حافلة بالمتناقضات التي اختلط فيها الخطأ مع الصواب ، والتي يعجز فيها الإنسان البسيط من تنقية مراحل التفكير فيها ، ولكن ما يزرع فينا الأمل أن شعوباً وقادة استطاعوا كشف الستار عن أبعاد وعمق هذه المؤامرات ، ونجحوا في حفظ بلادهم وحقن دماء أبناء شعبهم ، وتجنيبهم ويلات صراعات طائفية وحروب داخلية لا هدف لها سوى تدمير البلاد ، قتل العباد، وليس أدل على ذلك من حكمة قادة تونس ، ومصر ، والأردن، والسعودية.

ونأمل أن يكون القادة العرب على تلك الدرجة العالية من الوعي لحاضر بلادهم وأمتهم ويجنبوا بلادهم ويلات غرقت فيها دول أخرى .