حظة العبور إلى الذات
تاريخ النشر : 2016-05-20 13:30

دخل بيته وقد أعياه التعب، نظرت إليه، تمعنته تقرأ كل تفاصيل وجهه في لحظة عابرة، فهو كتابها الذي تقرأه صباح مساء، تفسر كل حرف من حروفه وهي تعاين في لحظة تقاطيع وجهه، أنه متعب الفكر والقلب والجسد، لم تتزين له لتأخذه إلى سرير المتعة، ولم تصنع له كوب شاي لتهدأ أعصابه، هي تعرف الطريق لتدخله في عالمها السرمدي، فهي سكنه الذي يأتيها ليرتاح من عناء الحياة، لا تسأله عما به، أجلسته قبالتها، راحت تجول في وجه أكثر، تأمل عينيها، كأنه للمرة الأولى يرى البحر في عينيها، أدركت أنه دخل سكينتها، ابتسمت له كما لم تبتسم من قبل، لم يسأل شفتيها قبلة، بل ازداد تأملا لعينيها، سمع صوتا خفيا يدعوه للمخور في بحر عينيها، لا قارب في هذا البحر سوى شفتيها، هي الموجة تدفعه إلى عرض البحر، مهما كان البحر عميقا لن تغرق في هذا البحر، كانت تلاحظ كيف تتماوج تعابير وجهه وهو يغوص في بحر عينيها أكثر، يكتشف مفردات اللغة التي ضاعت منه في الطريق، أنه الفرح الطفولي وهو يجد في بحر عينيها كل السبل التي تاه عنها ، يعانق ماء البحر، تنطلق من عينيه بسمة فرح ترتسم على شفتيه، تزداد تعابير وجهه حيوية كلما غاص في بحر عينيها أكثر، فتزداد إشراقا وهي تتحسس وجهه الذي راح يسكن إليها، تمتد يداه نحو قاع البحر، فتحتض غرسا تاه عنه منذ أن وهن داخله الحب، يسمع تراتيل قصيدته الأولى التي تاه عنها حيرانا في واد غير ذي زرع، فتشعر بالنشوى التي أرسلها قشعريرة في جسده الذي يولد الآن من جديد، يحط بقاربه على أهداب عينيها، يتلمس كل تفاصيل جسدها ، يدرك الآن خطيئته الكبرى، يتحول ندمه إلى فرح عارم بالعودة إليها، فتحتضنه كأنه وليد اللحظة الأولى، فلا شيء أصدق من لحظة العبور إلى الذات لتعرف حقيقتها ولو بعد حين.