نظرية المؤامرة وبؤس التفكيك الساذج للتاريخ
تاريخ النشر : 2016-05-18 11:53

في أحد النقاشات مع بعض الأصدقاء ,حاول أحد الأصدقاء أن يقنعني بنظرية المؤامرة فقال “الحديث عن نظرية المؤامرة يطول ولا ينتهي وإن كنت لا تصدق بوجود مؤامرة على سوريا وفلسطين، وحتى على كل العرب، أنصحك بقضاء يوم واحد مع محطة إم بي سي (السعودية)، ويوم واحد مع الفضائية (السورية) "

قد يكون نتائج اهتمام الإعلام بسردية المؤامرة هو تكثيف خطاب الكراهية والشك اللذان يمتاز بهما أي نظام لديه عدد من الأعداء الوجوديين، ففي هذه البيئة تغيب المصداقية تماما وتبد والمرجعية الموصوفة للمصادر مضللة فيقع الجمهور فريسة الديماغوجيا وعدم التدقيق في المعلومات وتبني وجهات نظر شائعة ورائجة عنصرها الأساسي هو الخوف وعدم الثقة وفقدان الاحساس بالأمن.

يستند الإعلاميون في برامجهم على قناعتهم بأن هناك طيف واسع من الناس العاديين في عصرنا الحالي –على اختلاف انتماءاتهم- يبدون اهتماما بالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها, فيتبنون نمطا أو أنماطا من التفكير تنطلق منهم هم وحدهم فنراهم يستخدمون المعلومات و البيانات و البحث في المكتبات ليحصلوا على أدلة ما ليقوموا بعدها بصياغة نظرياتهم الخاصة وهم لا يبدون أي مانع من التواصل مع الآخرين من ذوي الاهتمامات المماثلة وربما يستثمرون وقتا ومالا لكشف و فضح بعض من المؤامرات التي قد تشكل ضررا على المجتمع و الدولة. ، وكثيرا ما يتم الاستشهاد بنظريات المؤامرة الرائجة باعتبارها سببا للقلق ويختموا محذرين “إن المجتمع على حافة الانهيار بسبب هذه المؤامرة أو تلك" .فنظرية المؤامرة هي “دوامة عدمية من الوهم والخرافة التي تنفي الواقع نفسه" كما يقول الصحفي الكندي روبرت سيبلي. وبهذا عند شرح الأسباب المؤدية للمؤامرة يجب أن يحال الأمر إلى نوع من الثقافة المحلية كمحاولة لتفسير بعض الأحداث، وتنشأ عادة كنوع من النقض والانتقاد لبعض الغموض الذي يرتبط بقضية ما وغالباً ما يتم ربطه بعوامل مفقودة.

غير ان نظرية المؤامرة هي أكثر عمقا من الخوف.

من الواضح أن التشكيك بأحد مؤثرات المؤامرة يؤدي بالضرورة إلى التشكيك في مؤثر آخر، ولذلك يأخذ الناس على عاتقهم شرح الأمور لأنفسهم عندما يصر الآخرون على قول ما هو غير مفيد. حيث يميل الناس بطبيعتهم إلى اختيار تفسير يتناسب مع ملاحظاتهم يفضلونه على أي تفسير آخر حتى لو كان حقيقيا فالتفسير الذي يتوافق مع أكبر نسبة من ملاحظاتهم يكون هو المفضل و المرغوب فيه وهذا هو المبدأ الذي ينبني عليه نظرية المؤامرة ويكون الخوف هو أحد الدوافع العميقة للإيمان بنظرية المؤامرة بما يجعلها متلبسة بالشك و الريبة ،وبكل تأكيد ليس المقصود هنا هو إضفاء مثل هذه الصفات (أي الشك والريبة) على السياق المجتمعي ككل لأنه علينا أن نتذكر أن أصحاب نظرية المؤامرة هم أناس عاديون و سوف يظهرون أوجه قصور عادية أو عقلانية بما يمكن أن نطلق عليه سمة" التحيز المؤكد" بمعنى أننا كلنا منحازون بشكل أو بآخر لرأي يقول أن أفكارنا هي الأفكار الحقة و الصحيحة دون أن يتبادر إلى ذهننا إمكانية وجود أدلة ممكنة تؤكد امتلاكنا لأفكار خاطئة كما تثبت ذلك السياقات المتعددة و المختلفة لحالات الجدل العديدة على مستوى الأفكار و السلوكيات و التصرف و تبني مقولات ذات صور نمطية سائدة بحكم العادة أو العرف أو العداء الظاهر أو المستتر. ومن هنا يظهر خطأ مثل هذا التحيز المؤكد الذي يعتقد به المؤمنون بنظرية المؤامرة كما هو حال العديد من المؤرخين والإعلاميين والمحللين "الاستراتيجيين" وغيرهم

ويعتقد الاعلاميون أنهم قادرين على حشد جمهور مؤيد لهم ولنظرياتهم، لذلك تكثر البرامج الحوارية –ربما تكون في معظمها سخيفة وتافهة وضيقة الأفق – وتنزع وسائل الاعلام نحو تنظير محموم عن المؤامرات وحبكة المؤامرة وإنشاء خطاب مؤامراتي على درجة عالية من التشويق لتهيج مشاعر الجمهور الذي قد لا يكون على دراية بالمصادر او غير مسموح له الوصول لها. ومن هنا الخطورة في قيام الاعلام "بتشذيب “وجهة نظر الجمهور فيما يتعلق برؤيتهم للعالم بطريقة ذكية وبناءة، علما أن مثل هذا الانحياز الإعلامي للمؤامرة يظهر تحيزا أجوفا –سياسيا أو طبقيا - أو سواه لجهة تحويل مشاعر الجمهور. وبقليل من التمحيص يتبين ان معظم ما هو متداول من نظريات المؤامرة يدخل في باب التسطيح والابتذال والاستخفاف بالعقول، فلا توجد أسئلة نقدية جادة، وإن كانت تبدو من الظاهر هي كذلك.

و نظرا لأن الدوافع وراء أبحاث نظرية المؤامرة هي دوافع معرفية واجتماعية فإن تعريفها يختلف باختلاف وجهات نظر أصحابها وللتبسيط يمكن القول بأن المؤامرة تتكون من طرفين رئيسين، هما المتآمر والمُتآمر عليه وهي تحدث في كل مكان وزمان، بغض النظر عن المساحة المكانية والتنفيذية والزمنية لها، فقد تحدث في المنزل وقد تحدث في العمل وقد تحدث في الدولة وقد تحدث على مستوى عالمي، ولا بد فيها من وجود طرف متآمر وطرف مُتآمر عليه، ومن الناحية الزمنية فقديتم تنفيذ المؤامرة بشكلٍ كامل ابتداءً من التخطيط وانتهاء بالوصول للنتائج في ساعة أو يوم أو سنة أو عدة سنوات، وقد يكون أطراف هذه المؤامرة أو أحدهم على علم بها وغالباً ما يكون المتآمر هو العارف بها إلا أنه ليس ضرورياً أن يكون كذلك فقد يقوم بالمؤامرة دون وعي منه بأنه يقوم بها، وقد تتم المؤامرة دون علم المستهدفين بها، كما يمكن أن يعلم المستهدف بوجود مؤامرة لكنه لا يستطيع تحديد أصحابها.

كما يمكن أن تصل النظرية لنتائجها بشكلٍ مباشرة متجاوزةً العقبات من خلال التخطيط المُحكم واتساع الرؤية فيها، إلا أنه ليس بالضرورة ضمان الوصول لنفس النتيجة أو عدم ظهور نتائج غير متوقعة

وتطرح نظرية المؤامرة نفسها عبر أحداث سياسية أو اقتصادية كبيرة يكون لها دور فاعل في تغيير علاقات القوة في المجتمع مما يثير المزيد من القلق والفضول بآن معا لدى العامة من خلال ما يتم ملاحظته من تناقضات في تفسير الأحداث ويتحكم في مسار نظرية المؤامرة شعور عام بأن السلطة تخفي معلومات هامة عن مواطنيها عبر أساليب ملتوية من الخداع والغش وما تقدمه هذه السلطات ليس سوى أدلة ظرفية في حين أن المطلوب هو المزيد من التحقيقات لكشف خيوط المؤامرة حسبما ما يرى الناس ذلك.