تدمير مستقبل الأجيال في فلسطين
تاريخ النشر : 2016-05-17 13:25

من  أرادَ أن يرى هذه الظاهرة ، فليراقبْ طلاب مدرسة ابتدائية، أو إعدادية، عندما يخرجون من بوابة المدرسة في غزة؟

منظر خروجهم، يشبه إلى حدٍّ كبير  صورة علبةَ مشروب مملوءة بغازٍ فوارٍ، جرى خضُّها بقوة عدة مرات، ثم فُتِحتْ!

وهم أيضا يشبهون سجناءَ محكومٌ عليهم بالمؤبَّد، وفجأة فُتِحتْ أبوابُ السجن!

رأيتُ المنظر مُكررا بالصورةِ نفسِها في أكثر من مدرسة ابتدائية وإعدادية، وتابعتُ تحركاتِ الطلاب وكيفية سيرهم في الشوارع .

بعضهم يقطعُ الطريق، ويوقف حركة سير السيارات بتحدٍ، غير  آبهين بالسائقين، وآخرون ينهمرون على عربات بيع المثلجات، غير الصحية، يشترون بضائعها، ويشرعون في سحب ألسنتهم بسرعة فائقة يلحسونها بشغف، وكأنهم ينفِّسون عن كربتهم في غرف الدراسة، وعن ضائقتهم النفسية التي علَّبوها، داخل جدران المدرسة!

هناك مجموعاتٌ أخرى من المُفرَجِ عنهم، تنتظم في حلقات مشاجرة، لتصفية الحسابات، والمشاحنات المضغوطة، داخل سور المدرسة، والتي فشل النظامُ التربويُ في تنفيسها.

أما المجموعة الثالثة الخطيرة، فهي تتولى عدة مهمات، تشوية السيارات الواقفة بالمسامير، والآلات الحادة، أو رمي نفايات الأطعمة والعُلب الفارغة في الشارع، أو الاعتداء على بعض الأشجار المتدلية ثمارها من المنازل، يصعدون الجدران للحصول على برتقالة، أو تفاحة غير ناضجة!

الصورُ السابقةُ  لوحةٌ من مآسي التعليم القهري، هذا التعليم الذي أهملناه، أهملنا إعادة تقييم مناهجه كل عام، ليُلائم متطلبات العصر، وأهملنا النهوض بمستوى المدرسين، ماديا وثقافيا، ومعنويا، فوضعنا مرتباتهم في ذيل قائمة المرتبات، وأحبطناهم بأعداد الطلاب في الفصل، وبآليات تقييم الطلاب، وغضضنا الطرف عن أهمية الأنشطة الرياضية والفنية في مدارسنا، حتى أننا اعتبرناها من سقط المتاع، ويجري اليوم اعتبارها عند كثيرين، برامج غير شرعية، كالموسيقى، والمسرح، ومعارض الفنون، وحتى الأنشطة الرياضية!!

إنَّ هذا التدمير المقصود لبُنية الجيل الفلسطيني هو أسوأ جريمة نرتكبها في حق مستقبل أبنائنا، إن هذا التدمير أصعب بكثير من تدمير الاقتصاد والصناعة والزراعة، وأصعب من الانقسام والشرذمة الحزبية والفصائلية، لأن نتيجته تتعلق ببناء الإنسان الفلسطيني.

ولا يمكن أن يبدأ البناءُ للأوطان إلا من الجذر، والجذر الصحيحُ، والبداية الصحيحة، لمن قرأوا تاريخ الأمم، تبدأ دائما   بالتربية!!

فبناءُ الأوطان، لا يتمُّ إلا ببناء الإنسان أولا!