العلاقة مع مصر أكبر من فتح معبر
تاريخ النشر : 2016-05-17 11:21

تمنى رئيس وزراء حكومة الاحتلال السابق "اسحق رابين" أن يصحو يوماً من النوم ليجد البحر قد ابتلع قطاع غزة، وأقدم شارون من بعده على تنفيذ مشروعه القائم على تفكيك مستوطنات قطاع غزة وإعادة تموضع جيش الاحتلال على تخوم القطاع، يومها بقي الشريط الفاصل بين القطاع ومصر "محور فيلادلفيا" حتى اللحظات الأخيرة من الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة في ايلول 2005 محل جدل داخل قيادة الاحتلال بين مؤيد ومعارض للانسحاب منه، إلا أن كفة الإنسحاب منه رجحت في النهاية، ما فعله شارون يومها من إنسحاب إحادي الجانب دون التنسيق مع اي جهة كانت جاء تطبيقاً لأحد السيناريوهات التي أعدها مجموعة من الخبراء في جامعة تل ابيب عام 1988 حول مستقبل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والسيناريو يقوم بالأساس على إلقاء هموم القطاع على كاهل مصر، وسبق لوزير خارجية اسرائيل السابق "ليبرمان" أن تحدث عن ذلك صراحة، لكن بالمقابل ألا يوجد أمامنا خيار سوى ما يخطط له الاحتلال لنا؟.

لنبدأ من حقيقة يجب ألا نغفلها للحظة واحدة وهي أن الاحتلال الذي يحاصر قطاع غزة يتحمل المسؤولية الكاملة عن الأوضاع المتردية التي يعيشها سكان القطاع، ويجب علينا ألا نعفي الاحتلال تحت أي سبب كان من المسؤولية الكاملة عن ذلك، واي عمل نقدم عليه يجب أن يرتكز بالأساس على هذه القاعدة، سيما وأن تواصل قطاع غزة مع العالم الخارجي ليس بأهم من تواصل القطاع مع الضفة الغربية، ومن المفيد أن نستند على هذه القاعدة في حوار معمق مع مصر، حيث لدى مصر تخوفات من مخططات الاحتلال المبنية على إلقاء هموم ومشاكل القطاع على كاهل مصر لإعفاء الاحتلال من مسؤولياته، لكن ذلك لا يحتم علينا الانطواء على ذاتنا خوفاً من السقوط في براثن مخطط الاحتلال، بل يمكن لنا الاحتكام إلى المصالح الفلسطينية المصرية المشتركة في تطوير العلاقة دون أن نسقط المسؤولية الكاملة للاحتلال عن قطاع غزة.

لا شك أن الجانب الأمني يشكل حجر الزاوية في العلاقة، ولا بد من ايجاد آلية عمل مشتركة تشعر مصر من خلالها حرص قطاع غزة على استقرار الأمن المصري، والذي من شأنه أن يشكل أساساً لإنطلاق علاقة منظمة مع مصر تعود بالفائدة على الجميع، المؤكد أن تطوير العلاقة مع مصر لا يمكن له أن يلقي بهموم القطاع عليها، بقدر ما يؤهل لعلاقة تعزز من اقتصاد مصر وتعود بالنفع على قطاع غزة، العلاقة مع الشقيقة مصر يجب ألا يبقى محصوراً في معبر رفح أمام حركة الأفراد، بل في ترجمتها إلى ما هو أوسع من ذلك بكثير، ما الذي يمنع من إنشاء منطقة صناعية بمساهمة مصرية فلسطينية يكون للقطاع الخاص المساحة الأكبر فيه؟، ألا يمكن لمثل هذه المنطقة الصناعية أن تحل الكثير من احتياجات القطاع وفي ذات الوقت تعود بالمنفعة الاقتصادية على مصر بشكل عام وتنمية منطقة سيناء بشكل خاص، ألا يمكن للقطاع الخاص المصري الفلسطيني أن يعمل سوياً في العديد من القطاعات بما فيها قطاع الكهرباء؟.

لماذا نغيب الحوار الجاد مع الشقيقة مصر حول أهمية إقامة منطقة تجارة حرة بين القطاع ومصر، علماً بأن ذلك سيرفع التبادل التجاري لعشرات الأضعاف على ما هو عليه اليوم، والذي يميل بغالبيته لصالح المنتج المصري، ما الذي يمنعنا من تقديم دراسة اقتصادية متكاملة حول أهمية ذلك سيما وأن قطاع غزة ومعه الضفة الغربية يمكن أن يمثل السوق الأهم خارجياً للمنتجات المصرية، ما الذي يمنعنا في ظل تفاهمات جادة لطبيعة العلاقة مع الشقيقة مصر أن نشرع فوراً في إغلاق الأنفاق التي تشكل صداعاً لمصر وفي كثير من عملها صداعا لنا، ألم يعاني قطاع غزة من ظاهرة التهريب وما يصل عبرها من مواد مخدرة للقطاع.

لعل كل ذلك يحتاج إلى حوار معمق مع الشقيقة مصر نشيد من خلاله علاقة قائمة على المصالح المشتركة وبما يعزز دور مصر الحاضن الأكبر للقضية الفلسطينية مع مراعاة عدم الانتقاص من المسؤولية الكاملة للاحتلال عن معاناة القطاع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال في ظل مثل هذه التفاهمات المصرية الفلسطينية أن يخرج من يدعي بأن ذلك يعزز الانقسام أو يخدم الاحتلال، سيما وأن تجربة الضفة الغربية مع االمملكة الإردنية سواء ما يتعلق منها بحركة الأفراد أو البضائع يمكن الاقتداء بها.