قوة الارادة ومرضها
تاريخ النشر : 2016-05-13 17:41

في المقال السابق تحدثنا عن كوامن العقل الباطن وفي هذا المقال نتناول الارادة احد مقومات قوانين العقل الباطن التي سوف نتحدث عنها في المقالات القادمة على اية حال رغم اختلاف الاراء حول تعريف الارادة فقد يمكن القول بان الارادة تمثل قدرة الانسان على ان يتخذ موقفا يتعلق بحياته . او هي القدرة على ان يكيف علاقاته بالحياة على نحو معين والارادة قد تكون مصدرا للتفاؤل بمستقبل الانسان او مصدرا للتشاؤم حيث يعتبر الكثير من الفلاسفة ان مصدر العذاب في العالم هو الارادة ولو تحرينا المعنى النفسي للارادة لوجدنا ان الانسان مريد بطبعه والارادة عنده تتضمن العقل والعزم وكل ما يدور في خلده وافكاره واتجاهاته وما يترجمها الى حيز الواقع وهناك من يرى ان قسوة العالم الخارجي بما فيه من ناس ومواقف واشياء ومواقف تضيف قوة الى قوة الانسان .

هناك من قسم الاشياء التي نرغب فيها الى قسمين : الاول اشياء نسعى اليها ولا نستطيع نيلها وهي تسمى المرغوبات اما القسم الثاني هي اشياء نسعى اليها ونستطيع نيلها وهي تاتي ضمن نطاق الارادة وهنا يمكن ان نستنتج ان هناك فرق بين الرغبة والارادة وهذا الفرق يتجلى في الصراع ما بينهما صراع ما بين الرغبة والارادة ولكي نفهم هذا الصراع علينا ان نفهم بان الرغبة نداء بيولوجي للشخصية والارادة نداء اجتماعي على سبيل المثال للتبسيط فان المدخن تكون لديه رغبة بيولوجية للتخلص من التدخين لانه يسبب الموت لكنه يعيش ضمن اطار اجتماعي يشجعه على التدخين وهو بمثابة مكون الارادة لديه وهنا اذا امتثل هذا المدخن للنداء الاجتماعي وتاثيراته من مواقف اجتماعية ونفسية مثيرة للتدخين خارت رغبته في التخلص من التدخين وقويت ارادته في عدم الاقلاع والعكس صحيح اذ ان العلاقة ما بين الرغبة والارادة علاقة عكسية فيكون موقف هذا المدخن موقف المريد لا موقف الراغب وما يقال عن التدخين يقال عن معظم المواقف الاجتماعية .

اننا نصادف في حياتنا اناسا يتسمون بالارادة القوية واخرين بضعف الارادة فنتسائل هل ولد الناس مفعمين بصلابة الارادة بينما ولد اخرين مفتقرين لها ؟ ام ان الناس يولدون سواء لا فرق بين واحد منهم واخر ولكن ما يلقونه من خبرات وما يخوضونه من تجارب هو الذي يفرق بين واحد منهم واخر فيصبح احدهم قوي الارادة والاخر ضعيف الارادة ؟

بمعنى اخر للتساؤل هل قوة الارادة موروثة ام مكتسبة ؟ الحقيقة انقسم العلماء ازاء ذلك ما بين اشياع الوراثة والمؤيدين للمقومات الوراثية في تشكيل السلوك وما بين اشياع البيئة والمؤيدين للعوامل المؤثرة بالبيئة في تشكيل السلوك هذا فيما اذا اعتبرنا في النهاية ان الارادة مفادها ان تترجم الى سلوك . والصحيح ان الميل لاحدى المدرستين يعتبر تطرفا واحادة عن الصواب لانه صحيح اننا اسرى ما فطرنا عليه ولكن لابد لنا ان نقول ان لكل نبتة تربة لا تترعرع الا في نطاقها وللتسهيل علينا ان نقول اننا لا نستطيع ان نخلق من الخشب حديدا ولا من الحديد خشبا لكننا نستطيع ان نخلق من الحديد فولاذا ومن الخشب مكتبا اذن التطور الذي يمكن ان ندخله على المقوم الوراثي يكون بالاستمرار والنمو لا بالفطرة حيث ان الغالبية الساحقة من الناس يتمتعون بمقومات وراثية متينة غير ان الناس لا يستغلون من مقوماتهم الوراثية الا الشيء اليسير .

وهناك من يفسر قوة الارادة في ضوء الطاقة الحيوية التي يفعم بها الشخص لكن المجتمع حينما يحكم لشخص ما بانه قوي الارادة انما يبني حكمه على ما يبدو من سلوكه الاجتماعي من تفوق ذلك ان ما يهم المجتمع هو ذلك الاطار الخارجي من سلوك الانسان لكي يحكم عليه بقوة الارادة ام لا . اما عالم النفس المثالي يهتم بتركيز انتباهه على ما يعتمد بدخيلة الشخص . ان الانسان في مواقف حياته المختلفة لا بد ان يتخذ موقفا من ثلاثة مواقف : اما تابع واما ند واما زعيم وناجح وفي جميع هذه المواقف الثلاثة يجب ان تعتمل الارادة في شخصية الانسان بطريقة او باخرى حتى التبعية تحتاج الى قوة ارادة وليس الزعامة او النجاح وحدهما فنحن في جميع مواقف حياتنا نحتاج الى قوة ارادة والى توجيه لارادتنا من اجل النجاح .

اننا في حياتنا اليومية العادية نجد انفسنا في بعض المواقف عاجزين عن اتخاذ قرار او الاقدام على تصرف معين وعندئذ نفسر عجزنا عن اصدار القرار او اتخاذ تصرف بان هناك نشأ في هذا الموقف دافعان متضادان نشأ صراع بينهما حيث ابطل كل منهما الاخر وشل قدرته عن العمل وسنضرب ايضا مثلا على ذلك بالمدخن الذي تتحدى ارادته نزعاته ورغباته ما بين موقفين اما ان يستمر بالتدخين ويسبب له الضعف والمرض والفقر واضرار اخرى كثيرة واما أن يتوقف عن التدخين ويعاني من اعراض الانسحاب ويتخلى عن اللذة المؤقتة التي يحرص عليها من جراء الاستمرار بالتدخين كما يعتقد هو. ان المتوقع من هذا المدخن ان يتوقف عن التصرف في هذا الموقف بحيث تعجز ارادته عن اتخاذ قرار الاقلاع او الاقدام على التدخين وهنا تكون الغلبة لمن له سيطرة اكبر في هذا الصراع ما بين ارادة ورغبة حيث اذا كان الدافع للتخلص من التدخين دافعا قويا كدافع الدين او الصحة او المال يحظى بكبير امل الا ان المدخن ينصاع الى قوة رغبته التي تحقق لذة مؤقته على حساب خسارة اكبر فيما لو احتسبنا مبدا الربح والخسارة ما بين الرغبة والارادة فاستمراره للتدخين اخذ منحى الغلبة للرغبة ذات اللذة المؤقتة وانقطاعه عن التدخين يعتبر انتصارا للارادة بذات الدوافع القوية على الرغبة المؤقتة . رغم ان المعادلة سهلة الحساب الا ان 80 % من المدخنين تنسلب ارادتهم وتنهزم ذات قوى الدفع الثلاثية امام الرغبة الضئيلة الوحيدة ذات اللذة المؤقتة ومن هنا يأتي دور العلاج بالتنويم المغناطيسي لكي يساعد هذه الفئة من المدخنيين لكي ينتصروا على ارادتهم ويستعيدوا لانفسه الثقة والاعتزاز بالنفس

يجب ان نضع نصب اعيننا ان تعديل السلوك لا يقف عند سن معينة بل هو مستمر طالما ان الانسان على قيد الحياة ولكي نقوي ارادتنا علينا ان نتمرن على العصيان الارادي بحيث نعرف النقطة التي يجب ان نعلن عصياننا عليها وان نعرف نوعية العاطفة التي يجب ان نوظفها في الموقف بنجاح لاعلان عصياننا وان نقف على التصرفات الجديرة بالاتباع كل ذلك في شجاعة واقدام ودون تفكير بالفشل او الخوف منه او انسياب التردد الى مكامن نفوسنا حيث لا يوجد احد يمكنه ان يعلمنا كيف نكون شجعانا وانما يجب ان ندرب انفسنا على المواقف الشجاعة ولكي نبدا بعصياننا الارادي علينا أن نغربل ما ترسب في اعماقنا من خبرات سيئة وقيود عقلية ونفسية وسلوكية ونلقيها في سلة المهملات وبعد ذلك التمحيص في حياتنا ومراجعتها علينا ان ناخذ قرارنا برفض ما يجب رفضه وبقاء ما يجب بقاؤه .

ان حياة الجدة افضل من حياة الرتابة وان انتهاج خط جديد افضل من الالتزام بخط قديم فالتامل الذاتي هام جدا للوقوف على الاخطاء ونقاط الضعف بامانة وموضوعية ولا ننسى ان نستلهم ممن يحيطون بنا وممن سبقونا في هذه الحياة وكانوا عنوانا يجب احتذاؤه في سلوكنا اننا يجب ان نعمد الى دراسة الشخصيات الناجحة وكيف نجحت في حياتها واختيار مثلنا العليا