مرحلة تمكين إسرائيل إقليمياً ،، وفلسطين انتقلت من المقدس الي سياق العادي ...
تاريخ النشر : 2016-05-11 13:25

في حركة استباقية ، تليق بمكانة دولة تسعى للسيطرة على العالم ، تنتقل الولايات المتحدة الأمريكية من إنجاز مشروع إعادة بناء أوروبا الغربية ، وبالتالي ، وضعت جدار منيع لأي محاولات تَمددية ، للشيوعية اللينينية ، في أوساط اليسار الأوروبي ، لتتجه بارتياحية نحو دول حديثة المنشأ ، غنية بالموارد الطبيعية ، لكي تصب كل إمكانياتها السياسية والعسكرية في منطقة الخليج ، ويلاحظ أن الأمريكان ، تاريخياً ، كان اهتمامهم في منطقة بلاد الشام ومصر ، أقل شأناً ، إلا أن ، الاستثناء يظهر ، فقط عندما تتعرض إسرائيل لأي محنة من دول الطوق ، وهذا يفسر لنا ، محطتان في سياسة الولايات المحتدة ، الأولى لبنان ، التى أخلت قواتها على الفور ، نتيجة عملية نوعية عام 1983 م نفذتها المقاومة اللبنانية التى أودت بحياة 299 جندي ، والأخرى العراق ، رغم الخسائر المالية والمعنوية والبشرية التى بسببها فقدت الولايات المتحدة الكثير من سمعتها وفقدت أيضاً ، جزء من هيبتها ، وبالتالي ، أتاحت لتجمعات أخرى بالمضي قدماً في سياسة التمرد والاستنهاض القومي ، تكلل ذلك ، بعودة الإتحاد الروسي ، كشريك منافس في أجزاء من هذا الكوكب ، لكن ، لواشنطن محددات وأولويات ، لا تسمح أن يشاركها أحد في إدارتها أو تقبل مجرد التلاعب أو يخطر ببال أحد أن يشكل تهديداً لمصالحها في مناطق تعتبرها خط نووي ، مثل الخليج ومحيطه دون أن يتحول العنصر الراغب في ذلك إلى كومبارس وخيط من خيوطها .

من الطريف متابعة الفِرجار الذي يبدأ برسم دائرته أولاً ودوائر الآخرين ثانياً ، إذا جاز تسمية الحاصل هكذا ، أصلاً ، في منطقة الشام الكبرى ومصر تحديداً ، يلاحظ أيضاً ، أن الأمريكي في هذه المربعات لا يمانع مشاركة ، أطراف دولية وإقليمية ، بل ، يرغب بالتأكيد بذلك ، فإسرائيل ، تُعتبر اللاعب الأساسي والمبتكر لنماذج أقلوية في هذه المنطقة ، بالطبع ، تحت إشراف ورعاية ، وحِماية أمريكية ، وكما يبدو حان الوقت ، أن تتحمل مسؤولياتها بشكل انضج بعد تدمير وإضعاف ركائز اساسية في المشرق العربي ، يأتي الروسي بالدرجة الثانية ، رغم ، تقليص نفوذه لأكثر من عشرين عام ، يعود من جديد ، يتدخل في الملف السوري والفلسطيني ويقيم توازن طفيف مع مصر دون الاقتراب من العراق ، لكنه ، يبقى هو من أشرف على رتوش وهندسة المرحلة الأخيرة للملف الإيراني مع الأمريكان ، كما أنجز الملف الكيمياوي لنظام الأسدي ، هنا ، نرى أن واشنطن وموسكو وتل ابيب ، تعمدوا جميعاً ، عامداً ، تسبيق جمهورية إيران ، الدولة الإقليمية ، الأقلية في المنطقة ، بدرجات ، على الجمهورية التركية ، كان لها الأسبقية ، في تنمية الملف التسليح والتمدد في المنطقة مع ممارسة غض النظر عن المليشيات التابعة لها ، الذي قارب تعدادها 40 ، تنتشر بين العراق وأفغانستان ولبنان وسوريا واليمن ، جميعها رغم ارتكابها جرائم طائفية ، تبقى بلا تصنيف ، معلقة ، وهذا ، يفسر في الحقيقة ، مسألة غاية من الأهمية ، أسباب إطاحة الإخوان المسلمين ، وإبقاء الجماعات المسلحة السنية في الميادين مع توصيف دولي لها ، بالإرهاب ، حيث ، استطاع الأمريكي إخراج الإخوان من الحراك السياسي ، وفرض الجماعات المسلحة على جميع الأطراف الليبرالية ، السنية ، كما تسمي نفسها ، التعامل معها ، حتى لو كانت هناك جهات مازالت رافضة النصيحة الأمريكية ، المبطنة ، حول التعامل والاعتراف بحجمها وتأثيرها ، لاحقاً ستضطر ، لأن ، القادم أخطر من القائم .

ليس عجيباً إذاً ، أن يتعرض العراق إلى كل هذا التدمير ، فالعراق لم يدمر أثناء غزوه ، بل ، بعد أن تمكنت مجموعة ، جاءت وحكمته تحت ظل الاحتلال ، وهكذا ، تكون نجحت واشنطن من تحيد قوة قادرة على ردع أي تغير في المستقبل للخليج العربي ، طبعاً ، شهد كل من السودان وفلسطين ، ذات التغير ، دون أن تتمكن القاهرة من ممارسة أي مقاومة تحمي أمنها القومي الذي يشير عن حجم هشاشة التركيبة الوطنية ، لكن ، ظاهرة الجهل السياسي أو التعامي المقصود بين الصغار والكبار ، تشير أيضاً ، أن في الأمر غرابة ، لأن ، التحرك الأمريكي الروسي الإسرائيلي ، بات واضح الهدف ، فاليوم المنطقة تنتقل من السيطرة على موارد الطبيعية وتأمين المصالح الاقتصادية للدول الكبرى إلى تمكين إسرائيل إقليمياً ، وقد نشهد تغير قريب في القدس والأقصى دون إمكانية ردعه عربياً وإسلامياً ، لأن العرب اولاً ، منهكين بالقتل الطائفي ومحاربة الجماعات المسلحة وأيضاً ، بنتائج وإفرازات الثورات العربية ، فأصبحت ، المسألة الطائفية والمحافظة على النظام ، أولوية تتفوق على أي قضية ، لهذا ، بات الدعم التى توفره إسرائيل من خلال قنوات علنية أو أخرى سرية ، سبيل النجاة ، ثانياً ، أن الأقلية في المنطقة ، مقابل ، حصولها على دولة مستقلة وانفصالها عن المركز ، ستقبل بالأمر الواقع ، وثالثاً ، أن إيران ، أعلت شأن العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية وغيرهم ، على الأصل ، القدس ومكة والمدينة ، وهذا ، يفسر تواطؤ واشنطن وموسكو وتل ابيب على العراق ، كأن ، الذي حصل هو تمكين إيران من العراق ، لمعرفتهم جيداً بالتركيبة المذهبية ، وحجم أهمية العتبات المقدسة التى ابتكرها الكافي والمجلسي في المذهب الشيعي ، مقابل ذلك ، قبول إيران الصريح ، بالانخراط في صراعات طائفية وتحيد إسرائيل من كل صراع جاري ، الذي سيؤمن لإسرائيل خطوتها القادمة في التحرك نحو الأقصى دون أن يفسد عليها طرف من الأطراف المتصارعة صنيعها 

في قناعة كاتب هذه السطور ، ينبغي وضع أكبر قدر يمكن من علامات الاستفهام والريبة ، بأن في هذه المنطقة لا يوجد ، على الأقل الآن ، من لديه إمكانية التصدي للمشروع الإسرائيلي أو للمشروع الأمريكي الأوسع في المنطقة العربية ، لهذا ، فأن فلسطين انتقلت من مكانها المقدس إلى سياق العادي ، تنتظر من يُخّرج الّأمة من نعاسها كي يحيها من موتها