شكل الدولة ... والتوافق الوطني
تاريخ النشر : 2014-01-21 12:05

يوم السبت الماضي 18/1/2014م شرفني ودعاني الزملاء في " مجموعة فلسطين مستقبلنا " وهي اطار فلسطيني تفاكري حول المستقبل الفلسطيني لترؤس وادارة ورشة عمل نظمتها المجموعة بعنوان " رؤية الأحزاب السياسية الفلسطينية تجاه شكل الدولة الفلسطينية " لمناقشة استطلاع هام أجراه باحثو المجموعة مع الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها فتح وحماس والجهاد الإسلامي حول عنوان الورشة والذي تضمن ستة محاور وهي "موقف الأحزاب من خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية, رؤية الأحزاب تجاه شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية, المناقشات الحزبية لموضوع الدولة ومرونة تطوير أجندتها السياسية, الأولويات الحزبية والوطنية في المرحلة الحالية في ظل متغير الدولة وأولويتها, التحديات التي تحول دون الاهتمام والعمل على موضوع الدولة الفلسطينية, ورسالة الأحزاب للعناصر الحزبية الشابة لتعزيز فكرة الدولة والأدوات المستخدمة" وذلك بفندق السلام (أبو حصيرة) على شاطئ مدينة غزة بمشاركة ممثلين عن الفصائل الفلسطينية والمجتمع المدني وكتاب وأكاديميين ومخاتير .... وغيرهم .

العنوان للوهلة الأولى يبدو لدى البعض موضوع ترف فكري وسابق لأوانه, إذ لا يمكن الحديث عن شكل الدولة الفلسطينية المنشودة قبل تحقيقها على الأرض وتجسيد سيادتها رغم الاعتراف مؤخرا بها كعضو مراقب غير كامل العضوية من قبل منظمة الأمم المتحدة وقبله الاعتراف بها كدولة بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر عام 1988م, أو بمعنى آخر " اللي بشوف الصبي يصلي على النبي " كما يقول المثل الشعبي، ورغم وجاهة هذا الرأي واحترامه إلا أن للحقيقة وجه آخر, إذ لا يمكن الحديث عن مشروع تحرر وطني وحركته الوطنية كمشروع النضال الفلسطيني بمعزل عن العقد السياسي والاجتماعي الذي يربط بين أبناء الشعب الفلسطيني كجماعة وطنية كسائر الشعوب والجماعات الوطنية الأخرى في عالمنا المعاصر، وهذا العقد الذي يتم ترجمته عادةً من الناحية العملية في صيغة وثيقة دستورية كميثاق أو نظام أساسي أو عهد أو دستور... بحيث تتضمن هذه الوثيقة أهداف حركة التحرر ومبادئها وبرنامجها السياسي وآليات تطبيقه ودولتها المنشود انجازها وأسسها وهويتها وشكلها وطبيعة نظامها السياسي وبايجاز بطاقة هوية الدولة بكل تفاصيلها بحيث يكون هذا العقد أرضية للنضال المشترك بين كافة مكونات الشعب نحو الهدف المشترك والمأمول وبمعنى آخر حسب المثل الشعبي دائما "اللي بتوضأ بدري بصلي حاضر "، وبالتالي فموضوع التوافق الوطني حول شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية في محله وفي وقته, بل أهميته الحالية وتوقيته يفرض نفسه الآن في خضم الحراك والمخاض الوطني الدائر حاليا لإعادة صياغة المشروع الوطني برمته على أساس الوحدة والشراكة الوطنية في ظل الانقسام العمودي والأفقي الذي يعانيه شعبنا في الوطن والشتات وضبابية المستقبل الفلسطيني وتباين الأجندات الحزبية الفلسطينية وغياب مرجعية تمثيلية واحدة وبرنامج سياسي موحد ونموذج الدولة التي ينشدها الكل الوطني .

والحقيقة أن ما تشهده دول الربيع العربي اليوم من فوضى وتشرذم سياسي واجتماعي بعد تحررها من أنظمة سياسية شمولية و ديكتاتورية جثمت على صدور شعوبها عقوداً طويلة تحت مسميات ديمقراطية وثورجية جوفاء والتصادم السياسي والاجتماعي العنيف والدامي بين مكوناتها وقواها السياسية والمجتمعية وغياب التوافق على شكل الدولة ونموذجها وبرنامجها وفلسفتها أغرق هذه الدول متاهات سياسية حصادها مر وأتونها علقم أحبطت شعوب هذه الدول وأفقدتهم الثقة في قواهم ونخبهم السياسية وتركت حالة من الفتور لدى الجماهير التي التحمت في معركة الثورة والتمرد على انظمتها السابقة, و لايزال هذا المسلسل قائماً في غياب صورة واضحة ومشهد متكامل لمشروع وطني توافقي ونموذج لنظام سياسي يحظى باجماع الجميع أو على الأقل السواد الأعظم منه ولعل ذلك يشكل ضوءاً احمراً للفلسطينيين وقواهم السياسية ويدق جدران الخزان لأخذ العبر واستلهام الدروس من هذه الاحداث والتحولات لعدم تكرارها فلسطينيا في المستقبل واستنزاف الجهد والوقت وربما الدماء والأهات كما حدث في مشروع سلطة الحكم الذاتي الذي أدى هذا الخلاف بين الفصيلين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية ( فتح وحماس) الى تصادمهما وانقسام السلطة الى سلطتين في قطاع غزة والضفة الغربية يتنافسان الشرعية التمثيلية ويتقاسمان ادارة الشأن الوطني ويتراشقان صباح مساء في وسائل الاعلام وتغلب على علاقتهما المناكفات والمكايدات في مشهد بائس يثير السخرية والاستهزاء للصديق قبل الغريب وللقريب قبل البعيد، فما بالك لو كان الامر في دولة مستقبلية ذات سيادة كيف سيكون المشهد ؟! وكيف ستكون تفاصيله ؟! وبالتالي فان التصدي لهذا الموضوع خطوة اسستباقية تعكس نضجا ومسؤولية وطنية ينطبق عليها " الوقاية خير من قنطار علاج " وح

شكل الدولة ... والتوافق الوطني

د.جميل جمعة سلامة

 يوم السبت الماضي 18/1/2014م شرفني ودعاني الزملاء في " مجموعة فلسطين مستقبلنا " وهي اطار فلسطيني تفاكري حول المستقبل الفلسطيني لترؤس وادارة ورشة عمل نظمتها المجموعة بعنوان " رؤية الأحزاب السياسية الفلسطينية تجاه شكل الدولة الفلسطينية " لمناقشة استطلاع هام أجراه باحثو المجموعة مع الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها فتح وحماس والجهاد الإسلامي حول عنوان الورشة والذي تضمن ستة محاور وهي "موقف الأحزاب من خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية, رؤية الأحزاب تجاه شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية, المناقشات الحزبية لموضوع الدولة ومرونة تطوير أجندتها السياسية, الأولويات الحزبية والوطنية في المرحلة الحالية في ظل متغير الدولة وأولويتها, التحديات التي تحول دون الاهتمام والعمل على موضوع الدولة الفلسطينية, ورسالة الأحزاب للعناصر الحزبية الشابة لتعزيز فكرة الدولة والأدوات المستخدمة" وذلك بفندق السلام (أبو حصيرة) على شاطئ مدينة غزة بمشاركة ممثلين عن الفصائل الفلسطينية والمجتمع المدني وكتاب وأكاديميين ومخاتير .... وغيرهم .

العنوان للوهلة الأولى يبدو لدى البعض موضوع ترف فكري وسابق لأوانه, إذ لا يمكن الحديث عن شكل الدولة الفلسطينية المنشودة قبل تحقيقها على الأرض وتجسيد سيادتها رغم الاعتراف مؤخرا بها كعضو مراقب غير كامل العضوية من قبل منظمة الأمم المتحدة وقبله الاعتراف بها كدولة بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر عام 1988م, أو بمعنى آخر " اللي بشوف الصبي يصلي على النبي " كما يقول المثل الشعبي، ورغم وجاهة هذا الرأي واحترامه إلا أن للحقيقة وجه آخر, إذ لا يمكن الحديث عن مشروع تحرر وطني وحركته الوطنية كمشروع النضال الفلسطيني بمعزل عن العقد السياسي والاجتماعي الذي يربط بين أبناء الشعب الفلسطيني كجماعة وطنية كسائر الشعوب والجماعات الوطنية الأخرى في عالمنا المعاصر، وهذا العقد الذي يتم ترجمته عادةً من الناحية العملية في صيغة وثيقة دستورية كميثاق أو نظام أساسي أو عهد أو دستور... بحيث تتضمن هذه الوثيقة أهداف حركة التحرر ومبادئها وبرنامجها السياسي وآليات تطبيقه ودولتها المنشود انجازها وأسسها وهويتها وشكلها وطبيعة نظامها السياسي وبايجاز بطاقة هوية الدولة بكل تفاصيلها بحيث يكون هذا العقد أرضية للنضال المشترك بين كافة مكونات الشعب نحو الهدف المشترك والمأمول وبمعنى آخر حسب المثل الشعبي دائما "اللي بتوضأ بدري بصلي حاضر "، وبالتالي فموضوع التوافق الوطني حول شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية في محله وفي وقته, بل أهميته الحالية وتوقيته يفرض نفسه الآن في خضم الحراك والمخاض الوطني الدائر حاليا لإعادة صياغة المشروع الوطني برمته على أساس الوحدة والشراكة الوطنية في ظل الانقسام العمودي والأفقي الذي يعانيه شعبنا في الوطن والشتات وضبابية المستقبل الفلسطيني وتباين الأجندات الحزبية الفلسطينية وغياب مرجعية تمثيلية واحدة وبرنامج سياسي موحد ونموذج الدولة التي ينشدها الكل الوطني .

والحقيقة أن ما تشهده دول الربيع العربي اليوم من فوضى وتشرذم سياسي واجتماعي بعد تحررها من أنظمة سياسية شمولية و ديكتاتورية جثمت على صدور شعوبها عقوداً طويلة تحت مسميات ديمقراطية وثورجية جوفاء والتصادم السياسي والاجتماعي العنيف والدامي بين مكوناتها وقواها السياسية والمجتمعية وغياب التوافق على شكل الدولة ونموذجها وبرنامجها وفلسفتها أغرق هذه الدول متاهات سياسية حصادها مر وأتونها علقم أحبطت شعوب هذه الدول وأفقدتهم الثقة في قواهم ونخبهم السياسية وتركت حالة من الفتور لدى الجماهير التي التحمت في معركة الثورة والتمرد على انظمتها السابقة, و لايزال هذا المسلسل قائماً في غياب صورة واضحة ومشهد متكامل لمشروع وطني توافقي ونموذج لنظام سياسي يحظى باجماع الجميع أو على الأقل السواد الأعظم منه ولعل ذلك يشكل ضوءاً احمراً للفلسطينيين وقواهم السياسية ويدق جدران الخزان لأخذ العبر واستلهام الدروس من هذه الاحداث والتحولات لعدم تكرارها فلسطينيا في المستقبل واستنزاف الجهد والوقت وربما الدماء والأهات كما حدث في مشروع سلطة الحكم الذاتي الذي أدى هذا الخلاف بين الفصيلين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية ( فتح وحماس) الى تصادمهما وانقسام السلطة الى سلطتين في قطاع غزة والضفة الغربية يتنافسان الشرعية التمثيلية ويتقاسمان ادارة الشأن الوطني ويتراشقان صباح مساء في وسائل الاعلام وتغلب على علاقتهما المناكفات والمكايدات في مشهد بائس يثير السخرية والاستهزاء للصديق قبل الغريب وللقريب قبل البعيد، فما بالك لو كان الامر في دولة مستقبلية ذات سيادة كيف سيكون المشهد ؟! وكيف ستكون تفاصيله ؟! وبالتالي فان التصدي لهذا الموضوع خطوة اسستباقية تعكس نضجا ومسؤولية وطنية ينطبق عليها " الوقاية خير من قنطار علاج " وحكمة المثل الصيني "ابدأ من حيث انتهى غيرك " .

إن وجهات النظر للفصائل الفلسطينية التي تضمنها الاستطلاع موضوع ورشة العمل والمناقشات التي دارت خلال الورشة تؤكد هذا التخوف وهذا الفراغ في رؤية فلسطينية جامعة أو توفيقية للدولة المستقبلية وشكلها، فالقوى السياسية والمدنية الفلسطينية التي تعج بها الساحة الوطنية يمكن تقسيمها وحصرها في مدارس فكرية أربعة هي ( إسلامية, وطنية, يسارية, ليبرالية )، فالمدرسة الاسلامية التي تنتمي لها حركة حماس والجهاد الاسلامي وقوى اسلامية اخرى تنشد دولة اسلامية سواء كان ذلك تصريحا أو تلميحا, علنا أو باطنا وتستند في ذلك الى أنها كحركات مقاومة رأس حربة المقاومة والتحرير في فلسطين و أن الاسلام المكون الرئيسي لهوية الشعب الفلسطيني وأن الاغلبية المطلقة من شعبنا مسلمة وبالتالي هذا النموذج هو الاولى بالتطبيق, فيما ترى حركة فتح التي تشكل العمود الفقري للمدرسة الوطنية أن الشعب الفلسطيني كجماعة وطنية هو صاحب القرار وسيد نفسه في تحديد مستقبل وطنه فلسطين التي ينبغي أن تكون لجميع أبنائها دولة تعددية يعيش فيها الجميع على أساس المواطنة، بينما اليسار الفلسطيني الذي يشكل المدرسة الثالثة يطمح في أدبياته إلى انشاء دولة علمانية اشتراكية في فلسطين ترعى الشعب سيما طبقة الفلاحين و العمال و الكادحين منهم وقود الثورة في كافة محطاتها و يرفض النموذج الاسلامي الذي ينظر له بالشك و الريبة و ربما العداء الأيديولوجي ، أما المدرسة الليبرالية والتي لم تتبلور بعد كحزب سياسي في بلادنا و التي تترعرع عادة في الدولة و الحكم و ليس في سياق حركة التحرر الوطني الا أن لها حضور متصاعد في المشهد الوطني و تتشكل من قطاع رجال الاعمال و المؤسسات الاقتصادية و بعض مؤسسات المجتمع المدني و النخب الفكرية و السياسية وهي تسعى الى نموذج دولة حرة ليبرالية يكون الاساس فيها الانفتاح و العصرنة و الحداثة و اقتصاد السوق و الملكية الخاصة و تحرير الطاقات و الابداع و الحريات الشخصية و التنوع و العلاقات الدولية المستقرة و السلم الاهلي الدائم و... نحوه .

وهذا التنوع في الرؤى الوطنية ليس غريبا أو حديثاً فهو سمة من سمات المجتمع الفلسطيني و المشهد السياسي الوطني و له صوره المناظرة في عالمنا العربي و الاسلامي وحتى العالم بوجه عام ، وهو حالة صحية و تشكل مصدر اثراء للوطن إذا حَسُن توظيفها و التعامل معها في صيغة تكاملية تشاركية و تكون نقمة و ثبورا اذا اصابها التناحر و التنافس المذموم والصراع، وتنذر بالخراب و الدمار والتشرذم للشعب والقضية على حد سواء .

وهنا يطرح السؤال ما السبيل إلى ذلك؟ وما هو الطريق إلى النموذج الايجابي لهذا التنوع و التعدد الذي ننشده ...؟ ، وفي تقديري فإن المدخل لذلك هو توافر الارادة الوطنية الراغبة في ذلك و الحاضنة الشعبية لتحصينها لرسم حاضر جميل لشعبنا و قضيتنا و خَط مستقبل أجمل لأجيالنا القادمة، كما أن الأداة لتجسيد ذلك هو الحوار و التوافق الوطني فقط ولا سبيل آخر له، ولعل ورشة العمل هذه المصغرة تكون نقطة البداية لورشة عمل وطنية كبرى للتصدي لهذا الموضوع و معالجة كافة تفاصيله و جوانبه المختلفة و أبعاده العديدة نحو صياغة مشروع وطني جديد يحظى بمشاركة و رضا و توافق الكل الفلسطيني .

المطلوب اليوم و بالحاح مغادرة مربع الانقسام القائم و المستمر منذ سبع سنوات المطبوع بصبغة حزبية و فئوية ضيقة الى فضاء الوطن الرحب الذي يتسع للجميع ، الوطن الذي يضم جميع أبنائه اسلاميين و وطنيين و يساريين و ليبراليين .. و غيرهم ، ويشمل المسلمين و المسيحيين و اليهود غير الصهاينة لننتسب جميعاً إلى عائلتنا الفلسطينية الكبيرة و إلى وطننا الواحد لنبحث بهدوء عن القواسم المشتركة بيننا و نعمل على تعزيزها و تطويرها و نحصر نقاط الخلاف بيننا أيضاً و نعمل على معالجتها و تفتيتها و التوافق بشأنها نحو عقد سياسي و اجتماعي جديد بين أبناء شعبنا جميعاً يحدد برنامجنا السياسي و مشروعنا الوطني المشترك و شكل وهوية دولتنا التي نطمح لتشييدها بكافة وسائل المقاومة المسلحة والشعبية و المفاوضات والنظام السياسي المنشود و هياكله و نجسد ذلك بميثاق وطني أو نظام دستوري جديد ، وصدق الله القائل" أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " الملك-22.

تعود بي الذاكرة إلى أزيد من عشرين عاماً حيث كنت طالباً في الجزائر و التقيت ذات مرة بالمرحوم الدكتور بن يوسف بن خدة ، أول رئيس وزراء للجزائر بعد الاستقلال و موقع اتفاقية استقلال بلاده مع الجنرال شارل ديغول زعيم فرنسا الاستعمارية أنذاك المعروفة باتفاقيات ايفيان ، فسألني وكنا يومها في خضم الانتفاضة الأولى عن ماهية الدولة الفلسطينية التي يتطلع إليها الفلسطينيون و ينشدونها، فأجبته اننا لا زلنا في حالة تحرر وطني ولا دولة لنا بعد فلم يعجبه قولي و زجرني و حدثني عن تجربتهم في جبهة التحرير الوطني المعروفة في الجزائر بالـ F.L.N كيف ان هذا الموضوع و التجاذب و التباين بين فصائل المقاومة الجزائرية طفح على السطح أثناء مسيرة التحرير و كيف دفع هو و العديد من رفاقه للتوافق على هوية الدولة الجزائرية المرتقبة و وضع دستور و ميثاق لذلك بشكل وحد الجهد الوطني و نزع قتيل الصدام الداخلي حول شكل الدولة و هويتها و أضاف على الفلسطينيين ان يستفيدوا من تجربة اشقائهم الجزائريين و يوظفونها فيما بينهم .

اليوم ايها الراحل الكبير و الصديق الوفي لقضيتنا المقدسة أنقل الوصية لابناء شعبي و قواه السياسية للاستفادة من تجربة بلدكم المجاهد الشقيق بلد و ثورة المليون و نصف المليون شهيد ..

لروحك الرحمة و المغفرة ، و لنصيحتك الخلود كل الخلود .

 

أمين سر هيئة الوفاق الفلسطيني

 

كمة المثل الصيني "ابدأ من حيث انتهى غيرك " .

إن وجهات النظر للفصائل الفلسطينية التي تضمنها الاستطلاع موضوع ورشة العمل والمناقشات التي دارت خلال الورشة تؤكد هذا التخوف وهذا الفراغ في رؤية فلسطينية جامعة أو توفيقية للدولة المستقبلية وشكلها، فالقوى السياسية والمدنية الفلسطينية التي تعج بها الساحة الوطنية يمكن تقسيمها وحصرها في مدارس فكرية أربعة هي ( إسلامية, وطنية, يسارية, ليبرالية )، فالمدرسة الاسلامية التي تنتمي لها حركة حماس والجهاد الاسلامي وقوى اسلامية اخرى تنشد دولة اسلامية سواء كان ذلك تصريحا أو تلميحا, علنا أو باطنا وتستند في ذلك الى أنها كحركات مقاومة رأس حربة المقاومة والتحرير في فلسطين و أن الاسلام المكون الرئيسي لهوية الشعب الفلسطيني وأن الاغلبية المطلقة من شعبنا مسلمة وبالتالي هذا النموذج هو الاولى بالتطبيق, فيما ترى حركة فتح التي تشكل العمود الفقري للمدرسة الوطنية أن الشعب الفلسطيني كجماعة وطنية هو صاحب القرار وسيد نفسه في تحديد مستقبل وطنه فلسطين التي ينبغي أن تكون لجميع أبنائها دولة تعددية يعيش فيها الجميع على أساس المواطنة، بينما اليسار الفلسطيني الذي يشكل المدرسة الثالثة يطمح في أدبياته إلى انشاء دولة علمانية اشتراكية في فلسطين ترعى الشعب سيما طبقة الفلاحين و العمال و الكادحين منهم وقود الثورة في كافة محطاتها و يرفض النموذج الاسلامي الذي ينظر له بالشك و الريبة و ربما العداء الأيديولوجي ، أما المدرسة الليبرالية والتي لم تتبلور بعد كحزب سياسي في بلادنا و التي تترعرع عادة في الدولة و الحكم و ليس في سياق حركة التحرر الوطني الا أن لها حضور متصاعد في المشهد الوطني و تتشكل من قطاع رجال الاعمال و المؤسسات الاقتصادية و بعض مؤسسات المجتمع المدني و النخب الفكرية و السياسية وهي تسعى الى نموذج دولة حرة ليبرالية يكون الاساس فيها الانفتاح و العصرنة و الحداثة و اقتصاد السوق و الملكية الخاصة و تحرير الطاقات و الابداع و الحريات الشخصية و التنوع و العلاقات الدولية المستقرة و السلم الاهلي الدائم و... نحوه .

وهذا التنوع في الرؤى الوطنية ليس غريبا أو حديثاً فهو سمة من سمات المجتمع الفلسطيني و المشهد السياسي الوطني و له صوره المناظرة في عالمنا العربي و الاسلامي وحتى العالم بوجه عام ، وهو حالة صحية و تشكل مصدر اثراء للوطن إذا حَسُن توظيفها و التعامل معها في صيغة تكاملية تشاركية و تكون نقمة و ثبورا اذا اصابها التناحر و التنافس المذموم والصراع، وتنذر بالخراب و الدمار والتشرذم للشعب والقضية على حد سواء .

وهنا يطرح السؤال ما السبيل إلى ذلك؟ وما هو الطريق إلى النموذج الايجابي لهذا التنوع و التعدد الذي ننشده ...؟ ، وفي تقديري فإن المدخل لذلك هو توافر الارادة الوطنية الراغبة في ذلك و الحاضنة الشعبية لتحصينها لرسم حاضر جميل لشعبنا و قضيتنا و خَط مستقبل أجمل لأجيالنا القادمة، كما أن الأداة لتجسيد ذلك هو الحوار و التوافق الوطني فقط ولا سبيل آخر له، ولعل ورشة العمل هذه المصغرة تكون نقطة البداية لورشة عمل وطنية كبرى للتصدي لهذا الموضوع و معالجة كافة تفاصيله و جوانبه المختلفة و أبعاده العديدة نحو صياغة مشروع وطني جديد يحظى بمشاركة و رضا و توافق الكل الفلسطيني .

المطلوب اليوم و بالحاح مغادرة مربع الانقسام القائم و المستمر منذ سبع سنوات المطبوع بصبغة حزبية و فئوية ضيقة الى فضاء الوطن الرحب الذي يتسع للجميع ، الوطن الذي يضم جميع أبنائه اسلاميين و وطنيين و يساريين و ليبراليين .. و غيرهم ، ويشمل المسلمين و المسيحيين و اليهود غير الصهاينة لننتسب جميعاً إلى عائلتنا الفلسطينية الكبيرة و إلى وطننا الواحد لنبحث بهدوء عن القواسم المشتركة بيننا و نعمل على تعزيزها و تطويرها و نحصر نقاط الخلاف بيننا أيضاً و نعمل على معالجتها و تفتيتها و التوافق بشأنها نحو عقد سياسي و اجتماعي جديد بين أبناء شعبنا جميعاً يحدد برنامجنا السياسي و مشروعنا الوطني المشترك و شكل وهوية دولتنا التي نطمح لتشييدها بكافة وسائل المقاومة المسلحة والشعبية و المفاوضات والنظام السياسي المنشود و هياكله و نجسد ذلك بميثاق وطني أو نظام دستوري جديد ، وصدق الله القائل" أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " الملك-22.

تعود بي الذاكرة إلى أزيد من عشرين عاماً حيث كنت طالباً في الجزائر و التقيت ذات مرة بالمرحوم الدكتور بن يوسف بن خدة ، أول رئيس وزراء للجزائر بعد الاستقلال و موقع اتفاقية استقلال بلاده مع الجنرال شارل ديغول زعيم فرنسا الاستعمارية أنذاك المعروفة باتفاقيات ايفيان ، فسألني وكنا يومها في خضم الانتفاضة الأولى عن ماهية الدولة الفلسطينية التي يتطلع إليها الفلسطينيون و ينشدونها، فأجبته اننا لا زلنا في حالة تحرر وطني ولا دولة لنا بعد فلم يعجبه قولي و زجرني و حدثني عن تجربتهم في جبهة التحرير الوطني المعروفة في الجزائر بالـ F.L.N كيف ان هذا الموضوع و التجاذب و التباين بين فصائل المقاومة الجزائرية طفح على السطح أثناء مسيرة التحرير و كيف دفع هو و العديد من رفاقه للتوافق على هوية الدولة الجزائرية المرتقبة و وضع دستور و ميثاق لذلك بشكل وحد الجهد الوطني و نزع قتيل الصدام الداخلي حول شكل الدولة و هويتها و أضاف على الفلسطينيين ان يستفيدوا من تجربة اشقائهم الجزائريين و يوظفونها فيما بينهم .

اليوم ايها الراحل الكبير و الصديق الوفي لقضيتنا المقدسة أنقل الوصية لابناء شعبي و قواه السياسية للاستفادة من تجربة بلدكم المجاهد الشقيق بلد و ثورة المليون و نصف المليون شهيد ..

لروحك الرحمة و المغفرة ، و لنصيحتك الخلود كل الخلود .

 

أمين سر هيئة الوفاق الفلسطيني