«ويكيلكس أو بنما المصرية» التي تحاكي نظيرتها الأمريكية
تاريخ النشر : 2016-05-02 12:07

دعك قليلا من كل مافرضته واقعة ترسيم الحدود المصرية - السعودية من أسئلة حول وقائع جديدة حاكمة. من شأنها، أو طبيعتها، حساب وتقدير، كل قدر ومصير.

من حقك العام ومنه مصدر وفرع حقنا مواصلة البحث والتساؤل، حتى ولو طرأ ماهو أولى. وقد طرأ ماهو أولى ويستحق.

هناك ملامح، أو مظاهر لعراك اجتماعى. بين مجموعات اجتماعية، يجرى فى الشوارع، وفى مدارس، وقبالة ساحات المحاكم، ومواقع أخرى مختلفة.

وقد جرى هذا أخيرا، لا آخرا، فى بعض شوارع العاصمة، وبعض المحافظات، على أرضية سياسية، كما جرى فى شوارع «الفيس بوك»، وساحات «السوشيال ميديا»، والإعلام، وميادين التظاهر والاحتجاج. كما ميادين ومنصات الاحتفال والتأييد ورفع الشارات، التى تشد عزائم الانتصار على بعض، فى كل الشوارع المختلفة.

النتيجة واحدة فى كل الشوارع والمواقع والحالات. حاسمة لصالح مجموعات اجتماعية، مستعملة بفعل أزمتها، تضم بعض فئات متوسطة متدنية الحال، وأخرى مسحوقة، أو معدمة. ضد فئة اجتماعية أقل نسبة فى ميزان التعداد، ولاتحظى بنعمة العقل السياسى، من بعض الشرائح العليا المتعالية، وبعض الشرائح العليا من الفئات الوسطى، قليلة الحيلة، من تعاظم الهموم الحياتية، التى أنزلتها من مكانتها فى قيادة عملية الطعم الحضارى لمصر المتنوعة المتعددة، ذات الخلق الرصين فى المعاملات والنظم والحياة الاجتماعية والسياسية.

لكن الذى انتصر طرف، مشكلته أن مجرد انتصاره أزمة قائمة بحد ذاتها، فقد سادت ثقافة ومعاملة عشوائية مدمرة، تخلط الحابل بالنابل، وليس فيها حرمة لشىء. ولا قيمة لأى قيمة أو أصول.

والأخطر أنه صارت تسكنها، وتتغطى بها، بل وعشعشت فيها، رؤوس فاشية محاربة لن أقول إنها وطنية أبدا. بعد أن انتهت الوطنية إلى مجرد مسحوق غسيل سمعة عند أغلب الأطراف. أو فى أدنى الأحوال تُمسح فى غير موضعه، ولايجب، فهو من مقومات الحرام.

فكيف يكون ابتذالا ما بعده ابتذال. تمارسه ثقافة الابتذال الشائعة الآن؟

تدعو رؤوس الفاشية الاجتماعية- السياسية الجديدة، بوضوح صاعق للإبادة الاجتماعية للخصوم السياسيين. بل وتمارس هذا بالقوة الجبرية فى الشارع.

وأينما امتدت يدها داخل «شوارع الفيس والسوشيال»، والإعلام، وتقبل على نفسها، ولصالح نفسها، وتفرض علينا، الترخص فى استعمال أساليب وأدوات الفضح والتجريس، والإهانة والتجريح، وقلة القيمة، وبهدلة الكرامة الإنسانية للخصوم. وتبادل القذائف القذرة بين الأطراف.

طوال الوقت نسمع من رؤوس وأدوات طرف من الفاشية الجديدة عن امتلاكها أسلحة للفتك، والاغتيال الاجتماعى والسياسى والقانونى، لشريحة كاملة من الخصوم بمنطق «التنظيف أو التطهير الاجتماعى قبل السياسى».

«القضية ٢٥٠»، مثالا، وهى بذاتها، «وثائق ويكيلكس، أو بنما المصرية»، التى، تبدو وكأنها تماثل نظيرتها الأمريكية، فى الاستخدام والنتائج معا، واستعمال أساليب وأدوات الهدم الاجتماعى والسياسى. بكل ما تحمله، أو تتداعى بسببه، نوبات الاضطراب والفوضى، التى تستنزف المجتمعات، وقدرات وإمكانات البلاد، فتلحق بها أوضاع الضعف والمهانة والهوان.

منذ عام ٢٠٠٥، فقد البلد القدرة القدرة على التغير والانتقال الواجب والضرورى والملح والمطلوب كما توقف، أو انفصل، فانفصم «الموتور» المحرك لماكينه الدولة، كمنظم لحركة المجتمع.

وفى يناير ٢٠١١ جرت مراسيم وإعلان الفشل والموت السياسى، وفوضى وانقسام الدولة والمجتمع.

أشهر المجتمع مولودا جديدا. إن لم يكن خلقا جديدا. ينقطع تماما عما سبق. بينما عادت الدولة قديمة. بحجم ووزن ماصارت به بائدة. وقد عادت أيضا غير ماسبق.

انظر إلى كرة النار المتدحرجة بقوة ساخطة متمردة داخل المجتمع. شريحة أولاد فى سن العشرين وما فوقه وما تحته قليلا. لا تعرف سوى السخط والعنف. تركل بأقدامها كل شىء. وتضرب بيدها كل شىء. من المدرس، إلى الآباء والأمهات، وكل رموز السلطة الاجتماعية والسياسية.

جيل صاعد هو بذاته، «الألتراس» الاجتماعى - السياسى الجديد، الذى تدرب على خوض المعارك. فى الشوارع وملاعب الكرة. وبرز بقوة منذ يناير ٢٠١١ وحتى حينه.

فماهو مستقبلنا. وأى حياة نعيش فى بلد أغلبيته الاجتماعية شابة من فئات شعبية ومتوسطة مطحونة، وممرورة من أوضاعها المهينة. تُمارس العنف. وتؤمن بالتمرد المطلق.

وأى صياغة سياسية - اجتماعية صارت مطلوبة، لفتح طريق الحوار والتفاهم معهم، وتفادى انفجار الحاضر والمستقبل، بقوة اندفاع ملاك الحاضر قبل المستقبل؟

لاتنظر إلى العدالة العمومية. فلاتسألوا عن أشياء إن تُبْد لكم تسؤكم.

انظر واسأل عن العدالة، التى صارت تؤخذ باليد. ويجرى المطالبة بها فى وقفات احتجاج بعض قطاعات الأهالى والجمهور فى قضايا جنائية وإدارية واجتماعية وسياسية. وأمام ساحات ومنصات ومقار العدالة والحكم.

«ويكيلكس أو بنما»، ليست، مجرد وثائق وأوراق تحكى أسرار شخصيات ودوّل. إنما طريقة لإدارة علاقات العراك والفوضى الاجتماعية والسياسية فى مصر، التى صارت تحاكى النظيرة الأمريكية.

ولاعجب، بل خوف وقلق.

ليته يكون طارئا وراحلا.

ليته لايكون مقيما مزمنا.

يارب.

عن المصري اليوم