مقدمة في قوى النفس البشرية
تاريخ النشر : 2016-05-01 18:29

باعتقادي أن القرن العشرين قد شهد انقلابين هائلين احدهما في بحث المادة حينما اخذ علماء الفيزياء والرياضيات يتغلغلون في اغوار المادة ويستشفون بعض اسرارها المدهشة والانقلاب الاخر في بحث النفس حينما بدا علماء النفس يتغلغلون في اغوار النفس ويصلون الى ما فيها من قوى عجيبة والعجيب ان الانقلابين يشيران الى نتيجة واحدة فبعدما ادرك علماء الفيزياء ان المادة امواج كهربائية اخذ علماء النفس يتلمحون في النفس انبعاثات تشبه تلك الامواج على وجه من الوجوه .

ويخيل لي ان النفس والمادة وجهان لحقيقة واحدة هي الكهرباء ومشكلتنا الكبرى حتى الان ورغم هذ التقدم العلمي الحاصل ورغم وجود تفسيرات علمية للعديد من الظواهر الحادثة حولنا الا ان لا احد حتى الان استطاع ان يتوصل الى ماهية الكهرباء ؟ حيث من مهازل القدر اننا اذ حاولنا تعريف النفس او الكهرباء نعرف مجهولا بمجهول اخر .

انني اتقدم للقاريء بموضوع نتاج قراءة وبحث وتمحيص استنفد مني جهدا ووقتا لا يستهان بهما منذ سنين تقريبا وانا مشغول بتائج هذ الامر وقد اولعت به ولعا كدت اخشى على نفسي منه وقد وصلت فيه الى نتائج ربما يراها اي قاريء انها غريبة او بعيدة عما الف من حقائق ومعلومات .

انني لا اسعى ان اجبر اي احد على الاقتناع بصحة النتائج التي وصلت اليها بل يكفيني اني اقتنعت بها شخصيا بعد شك طويل .

لقد كنت في اول الامر مغرورا بالمعلومات الساذجة التي تعودت على قرائتها في الكتب الجامعية اذ كنت اسخر من كل معلومة لا تطابق في مقاييسها المنطقية وسرعان ما كنت احكم على كل امر يخالف مفاهيمي السابقة بانه مستحيل ثم امط شفتي غرورا واستكبارا الا أن اكتشفت ان المقاييس التي نميز بها بين المستحيل والممكن من الامور هي في الواقع مقاييس نسبية اذ هي منبعثة من العادات والتقاليد الاجتماعية التي تعود عليها الفرد او اوحي بها اليه في بيته ومدرسته ومسجده فالانسان الذي لم ير هاتفا خلويا ولم يسمع بثورة الاتصالات الحديثة شيئا من قبل لا يكاد يصدق اذا اخبره احد بان هناك جهازا يسمع به الانسان صوت غيره وهو يتجول في كل مكان على بعد الالف الكيلومترات .

ومما لا شك فيه ان كل واحد منا يشبه هذا الذي ينكر الهاتف الخلوي لان تركيب العقل البشري يتماثل في جميع الناس لا فرق بين المتعلمين منهم وغير المتعلمين فكل انسان على عقله اطار له منظار ينظر الى الكون من خلاله وهو اذن لا يصدق بالامور التي تقع خارج هذا الاطار ولا يرى اكثر مما يكشف له منظاره .

ان من البلاهة اذن ان نحاول اقناع غيرنا على راي من الاراء او على التخلي عن عادة من العادات بنفس البراهين التي نقنع بها انفسنا , يجدر بنا اذن اولا ان ان نغير وجهه اطاره الفكري واذ ذاك نجده قد مال الى الاصغاء الى براهيننا بشكل يدعو الى العجب .

ان موضوع القوى النفسية موضوع جديد فهو لم يبدا بشكله التجريبي الا في بداية التسعينيات ولعلي لا اغالي اذا قلت ان موضوع القوى النفسية قد اصبح اليوم موضوعا تجريبيا محترما فيه اساتذة من طراز عالمي وتجرى فيه الابحاث والتجارب وتؤلف فيه الكتب الجامعية لكن يؤسفني حقا ان ارى عالمنا العربي بعيدا كل البعد عن مواكبة هذا التطور العلمي او الاقتباس منه والتاثر به فلا يزال اساتذتنا في علم النفس ومثقفونا غافلين عنه ولعل بعضهم لم يسمع عنه الا قليلا او كثيرا .

وانا اعجب حين ارى مثقفا يصدق بالاقمار الصناعية والرادار والاشعة السينية ولا يستطيع ان يصدق بالقوى النفسية فهو يؤمن بآله يخلقها الانسان ولا يؤمن بالانسان نفسه هذا المخلوق العجيب الذي يحتوي بدنه على غرائب لا تحصى .

انني لا اريد ان اعرض على القاريء موضوع القوى النفسية واكتفي به انما احاول ان اطبق نتائج هذا الموضوع على وقائع الحياة اليومية واستضيء به فيما يتصل بالفرد من حيث افكاره واعماله التي تؤثر على مصيره وتؤدي به الى النجاح او الفشل .

اني اعلم ان هذا طريق شائك وقد يسهل فيه الخطا لكن غاية ما اتمناه هو ان اثير في القاريء شيئا من الاهتمام بهذا الموضوع القديم الجديد الذي اظن انه سيلعب دورا هاما في حياتنا المستقبلية .

وانه ليؤسفني حقا ان ارى المكتبة العربية خالية تقريبا من هذه البحوث الحيوية وعيبنا دائما هو اننا مولعون بالحذلقات اللغوية والشعرية في زمن نحن احوج الناس اليه وفيه الى ما ينير لنا سبيل الحياة ويشجع النبوغ والابداع .

وللاسف همنا فقط ان نكتب بحثا عن احد الشعراء البائدين او نؤلف كتابا عن رفع الفاعل ونصب المفعول او نلقي خطابا رنانا عن مجد الاجداد ثم نهتف يكفي اننا عرب ومسلمون وان لنا الجنة

ربما كنت غير مخطيء اذا قلت بان كل واحد منا يشعر باثر قواه النفسية في حياته وبعضنا يميل الى الاعتراف بها اذا خلا الى اقربائه واصدقائه المقربين ثم ينكرها اذا جلس مجالس العلم من التمشدق والنفاق .

واظن ان بحث القوى النفسية ينفع الكثير منا فهو يكشف لنا عما في اعماق نفوسنا من كنوز ودفائن وطالما جرى اغفالنا لها الى خسائر وفشل كبير .

في المقال القادم باذن الله سنتكلم عن احد ركائز القوى النفسية الا وهو الشعور واللا شعور او العقل الباطن والظاهر .