الدولة الفلسطينية :بين التفاوض الفاشل وسيناريوهات التسوية القادمة....
تاريخ النشر : 2013-10-12 12:34

تعود المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية إلى الواجهة مجددا لتحتل الصدارة بعد حراك للدبلوماسية الأمريكية غير مسبوقة فاستطاعت أن تخرق الصمت الذي سيطر على عملية التسوية طوال ثلاث سنوات ،وخاصة بظل التغيرات الجديدة على المشهد السياسي للمنطقة العربية الذي ترافق مع ثورات الربيع العربي وتغيير الأنظمة ، ومحاولة تموضع معسكر الممانعة الذي ابعد إيران عن المفاوضات. و ترافق إطلاق المفاوضات هذه استلام المؤسسة العسكرية في مصر، وتوقيع اتفاق مع سورية يقضي بوضع سلاحها الكيماوي تحت إشراف الأمم المتحدة كإجراء أولي ، إضافة إلى حملة إعلامية تشن ضد التيارات الدينية بما فيها حركة حماس، بظل غزل ايراني مع امريكا يخص ملفها النووي . لقد نجحت الإدارة الأمريكية في إعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في 30 تموز 2013، بعد تنازل الطرف الفلسطيني عن شرطه في وقف الاستيطان. وبعد مضي 22عاماً على مفوضات مدريد، و21 سنة من أوسلو ، لكن لم يتحقق السلام الذي كان شرطه الأساسي "الأرض مقابل السلام"، فهل فشلت عملية السلام في الشرق الأوسط بعد سيطرة نتانياهو وتكتله المتطرف على سياسة إسرائيل والتي كادت أن تحقق نتائج عملية في الأفق.
فالسؤال الذي يطرح نفسه على الجميع ،هل نحن أمام تسوية حقيقية فرضتها التغيرات الحالية ،تبدأ من فلسطين وتنتهي بسورية بناءً لإتفاق اوباما –بوتين الجديد. بظل التنافس الودي بينهما لحماية وضمان امن اسرائيل .
تسيرالمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في جولتها الثالثة بعيداً عن الإعلام ودون تسريبات تذكر، إلا الحديث عن أنها كانت بناءة وجادة وحتى صاخبة أحياناً، وأنه تم التوافق على تشكيل سبع لجان فرعية تتعاطى مع القضايا والملفات محل التفاوض، وهي:" الحدود الأمن القدس الاستيطان المياه الأسرى واللاجئين"، على أن يتم إعطاء الأولوية لملفي الحدود والأمن كون التوصل إلى حلول لها يؤدي تلقائياً إلى حسم قضايا وملفات أخرى مثل "القدس، الاستيطان والمياه.
- وصلت الأزمة إلى ذروتها من خلال سياسة"بوش الابن" في إيصال" عملية السلام إلى مرحلة التأزم من خلال (الدعم الأمريكي المطلق) لإسرائيل، والذي وفر لها خياراً إستراتيجياً تراوغ وتتعنت في إكمال المفاوضات مع الفلسطينيين،عوضاً عن جعلها عنصراً مقبولاً في الوسط العربي، بناءً على دعم عملية السلام الهادفة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة،وقابلة للحياة بجوار دولة إسرائيل، وإنهاء سنوات طويلة من النزاع العربي – الصهيوني عامة والفلسطيني خاصة. فمسيرة أنابلوليس اليتيمة التي لم يكتب لها النجاح سابقا ، والتي انهارت نهاية عام 2008 نتيجة حرب غزة ومن جراء أسباب أخرى . فالمسار الجديد الذي انتهجه "باراك أوباما" قبل سنة من تسلمه زمام السلطة في "الولايات المتحدة" وتبنيه فكرة قيام الدولة الفلسطينية، لإصلاح نهج "بوش ". فالتصريحات الأمريكية التي توالت فيما بعد لمواكبة نهج "أوباما"، حول تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والجهود الدبلوماسية المكوكية لم تفلح بتحقيق إي خرق يذكر ، فالجولة الجديدة التي تقوم بين الإطراف المتنازعة والتي تدفع بها إدارة اوباما من تحريك في المسار السياسي للتسوية ربما من اجل لفت انتباه إسرائيل على حقيقة التغيرات العربية الجديدة.
سعت إدارة الرئيس أوباما منذ بداية ولايته الأولى لإحداث اختراق في عملية التسوية، إلا أن هذه الجهود اصطدمت بالتعنت الإسرائيلي الرافض لوقف الاستيطان،ونمو موجة التطرف الصهيوني التي مكنت نتانياهو من الفوز مجددا ، مما أدى إلى توقف المفاوضات.
وعلى الرغم من استمرار التعنت الإسرائيلي وعدم تنازله عن الاستيطان، إلا أن الجهود الأمريكية استطاعت هذه المرة إحداث اختراق من خلال ست جولات مكوكية لوزير خارجيتها " جون كيري" بين تل أبيب، وعمان، ورام الله، التي أسفرت عن تنازل القيادة الفلسطينية "رام في الله" عن شرط وقف الاستيطان بسبب فقدانها لعناصر القوة في رفض الحوار وخاصة بظل سيطرة الانقسام الفلسطيني.
صحيح أن الجانب الإسرائيلي أقدم على إطلاق سراح 104 أسرى، من الأسرى الموجودين في سجونها قبل توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993 كبادرة حسن النية وهو ما يعد تنازلا شكليا، لكنه لا يقارن بما أقدم عليه الجانب الفلسطيني من تنازل خطير يمس الأسس التي بنيت عليها المفاوضات، وله تبعاته على مسار المفاوضات ومستقبلها
يرى الفريق الأمريكي أن الظروف الإقليمية الحالية مؤاتية للتوصل إلى اتفاق سلام كون دول عربية عديدة كانت معنية بالشأن الفلسطيني، باتت مشغولة الآن بنفسها ومشاكلها الداخلية ولن تشكل عامل معرقل أو ضاغط على الفلسطينيين من الاطراف العربية.
إضافة للقلق الإسرائيلي المتعاظم من العزلة الدولية. فالعزلة السياسية قد تتطور باتجاه مقاطعة اقتصادية شاملة تطال حتى المنتوجات البسيطة والبدائية ناهيك عن الملفات الأكثر تعقيداً مثل التعاون الاقتصادي التعليمي الثقافي وحتى الأمني والعسكري. للعزلة الدولية مخاطر كثيرة تتمثل بتكبيل أيادي تل أبيب وتقييد حركتها في محاربة الإرهاب والدفاع عن أمنها وهذا ما استغله كيري لتطوير معادلة أن التخلي عن المستوطنة نتانز الأشهر في عمق الضفة الغربية، والتي باتت رمزاً للمشروع الاستيطاني برمته مقابل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي، يتضمن إقامة دولة فلسطينية وفق المحددات المقبولة فلسطينياً وعربياً ودولياً لمنع العزلة الدولية.
حافظ جون كيري أيضاً على هواجس و متطلبات تل أبيب الأمنية ، علماً أن العنوان العريض للعمل يتمحور حول تفسير مضمون مفهوم الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح، كما التوصل إلى حل خلاق فيما يتعلق بغور الأردن وإصرار إسرائيل على الاحتفاظ بوجود عسكري فيه ولفترة زمنية طويلة من أجل تأمين حدودها الشرقية أمام أخطار تبدو وهمية في ظل ما جرى ويجري في سورية ومصر والمنطقة العربية عموما.
لكن لبد لنا من الوقف امام اسباب فشل التسوية السابقة والتي لم تتغيير حاليا.
لقد فشلت اتفاقية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ودخلت في سبات عميق، بعدما تقدمت في بدايتها تقدما رائعا وكادت تحقق انجازا تاريخيا ، لكن عدم استطاعة الفرقاء الراعين للتسوية من إجلاس الطرفين على طاولة المفاوضات مجددا تعود للأسباب التالية:
1-من القواعد الأساسية في صنع السلام الحقيقي إن يكون الوسيط حياديا قدر المستطاع ،فالتعاطف المفرط مع هذا الفريق أو ذاك يعوق الوسيط في لعب دوره الحقيقي ، لقد استطاع النرويجيون أن يجمعوا الإسرائيليين والفلسطينيين في عملية سرية أدت إلى اتفاق أوسلو سنة 1993 ،لأنهم كانوا متحررين من المنفعة الذاتية والانحياز ،وما من شك في امريكا حاولت ،في بعض المناسبات ، أن تتفاعل مع الاقتراحات العربية والفلسطينية ،فالإدارات الأمريكية تحاول البحث عن حل سياسي دائم للمشكلة الفلسطينية –الإسرائيلية ، لكن تعاطفهم الزائد مع إسرائيل افشل كل المحاولات ولا يمكن المراهنة على هذه المحاولة الحالية .ولاحقا "لم يستطع أوباما العمل على تجسيد خطابه الواعد بانجاز دولة فلسطينية عام 2011. "
2-الروس راع ضعيف وهش للسلام بسبب مشاكل روسيا الداخلية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتخليهم طوعيا عن مسؤوليتهم العالمية اتجاه أصدقائهم، مما ترك الفراغ للوسيط الأمريكي ،الذي فشل بالواسطة بالرغم من إصرار إدارة الرئيس اوباما الحالية على استئناف المفاوضات مجددا.
3-التعنت الإسرائيلي والإحساس بالقوة التي استمدت من الانتصارات العديدة التي سجلوها ضد العرب والفلسطينيين بمساعدة الحليف الأمريكي ،مما ساعدها على الدخول في مفاوضات مدريد من مبدأ القوة والنشوة بالنصر المستمر لقد تجاهلت إسرائيل القانون الدولي المتعلق بالأرض المحتلة وكل قرارات الأمم المتحدة التي صدرت بعد حرب 1967.
4-ممارسة إسرائيل بمساعدة أمريكا وغياب الدول الاخرى بفرض واقع جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة من بناء المستوطنات إلى الحصار الاقتصادي، وشبكات الطرقات، والسيطرة على مخزون المياه، تطويق القدس بالمستوطنات اليهودية، وتوفير الأراضي المقتطعة حديثا للمهاجرين الروس الجدد.
5-الضعف الفلسطيني من خلال الهزائم العديدة التي تلقاها العرب والشعب الفلسطيني الذي سيطر على ممثلي المنظمة في أول لحظة دخولهم إلى" مدريد واسلوا" ، مما ترك أثاره في بنود الاتفاق وتملص الجانب الإسرائيلي من الالتزام بتطبيقها والتي جعلت المفاوض الإسرائيلي يتمسك بكل الأوراق.
5-الشلل العربي بسبب غياب التضامن العربي الذي ساده جو من الانقسامات والأحلاف بسبب مشاكل خاصة ، والتأثير الإيراني على المنطقة وانهيار الاتحاد السوفياتي واتفاق كامب ديفيد ،مما أفاد إسرائيل وساعدها بممارسة القوة والعنف ضد الشعب الفلسطيني.
7-غياب الإستراتيجية العربية في التعامل مع مفهوم الحرب والسلام وبالتالي خروج مصر والأردن عن الإجماع وثم احتلال العراق،وضع العرب في موقع الدفاع وليس الهجوم.
8-نمو الأصوليات اليهودية والإسلامية التي اجتاحت المنطقة في أواخر القرن العشرين ساهم بتطرف الشارع أكثر فأكثر، والارتماء وراء قوى متعصبة غير جاهزة حاليا لفكرة السلام وتبني مفهوم الدولتين العربية والعبرية.
إضافة إلى مجموعة كبيرة من العوامل التي فرضت نفسها على تعتر عملية السلام والذهاب نحو التسوية الشاملة ، بظل هذه الاسباب التي افشلت عملية التسوبة نرى بان امام المفاوض الفلسطيني ثلاث سيناريوهات أو احتمالات:
الاول : فأما أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام نهائي وحاسم، وهو الخيار الذي يفضله الأمريكيون والفلسطينيون – شرط أن يأتي متطابقاً مع تطلعاتهم، ولو بحده الأدنى.
الثاني : التوصل إلى حل مرحلي يلحظ إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة على أن يتم التفاوض على القضايا الصعبة أو شكل الحل النهائي ضمن مدى زمني معين ومحدد، هذا الاحتمال يرفضه الفلسطينيون بشكل قاطع.
الثالث : يتمثل بفشل المفاوضات من الخروج بحل أو اتفاق نهائي أو مرحلي، وهو ما يفضله الفلسطينيون في حالة عدم تلبية تطلعاتهم في الحصول على دولة مستقلة ضمن حدود حزيران 76 مع القدس عاصمة لها وحل عادل لقضية اللاجئين، ولا يرفضه الإسرائيليون خاصة إذا ما ظل نتانياهو وفياً لقناعاته عن أن الصراع غير قابل للحل، وإنما الإدارة أو المعالجة فقط حسب التعبير الحرفي لحليفه المقرب زعيم حزب إسرائيل بيتنا "أفيغدور ليبرمان.