المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع الحيثيات والاهداف
تاريخ النشر : 2014-01-19 00:26

أصدر الرئيس محمود عباس قرارا بقانون رقم 7 لعام 2013 ، نشر في الجريدة الرسمية يقضي بإنشاء المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع كما صدر قرار لاحق بتشكيل مجلس إدارة له برئاسة محافظ سلطة النقد وعضوية بعض المؤسسات ذات الاختصاص وممثلين عن القطاع الخاص والاكاديميين. وقد انضمت فلسطين رسميا إلى الجمعية الدولية لضامني الودائع واختصارها IADI في شهر تشرين الثاني من العام الماضي 2013 وبذلك تكون الدولة رقم 72 المنضوية تحت لواء الجمعية .ومن المتوقع ان تباشر أعمالها هذا العام بعد اكتمال إجراءات تشكيل جهازها التنفيذي وإيجاد مقر لها .ومن المفيد بداية إلقاء الضوء على معنى ومفهوم المؤسسة وأهميتها والدور الهام المتوقع ان تقوم به في استقرار النظام المصرفي والمالي في فلسطين.

تاريخ فكرة ضمان الودائع

تعود فكرة ضمان الودائع وبتعبير أدق جزءا منها او سقوفا محددة معلنة سلفا ومعلومة لكل مودع إلى فترة الكساد الكبير الذي أصاب الاقتصاد العالمي في الفترة 1929- 1933 وأدى إلى وقف الآف المصارف عن العمل في كل انحاء العالم .وقد حصل ذلك بعد مرور نحو 15 عاما على تأسيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وكان اختبارا لمدى قدرة وفاعلية المجلس الجديد على معالجة الازمة الحادة التي عصفت بالانتاج والتجارة الدولية وبالنظام المصرفي والمالي والذي كان يتجاوز عدده 25000 (خمسة وعشرون ألف) مصرف في الولايات المتحدة وحدها .وعلى أثر ذلك قرر المجلس الاحتياطي الفيدرالي تأسيس مؤسسة ضمان الودائع بسقف تعويضي قدره 100 الف $ لكل مودع تزيد ودائعه عن السقف المذكور،بمعنى ان كل صاحب وديعة حجمها دون ال المائة ألف سيستردها كاملة اما من زاد على ذلك فسيحصل على السقف المشار إليه .ثم انتقلت بعد ذلك إلى بقية الدول.فتركيا أنشات المؤسسة عام 1960 ولبنان كان اول بلد عربي يصدر قانونا بتشكيل مؤسسة ضمان الودائع عام 1967 على إثر افلاس بنك انترا عام 1966 ثم كندا في 1967 فاليابان 1971 والمانيا 1974 بعد افلاس بنك هيرشتات فبريطانيا 1979 أما الاردن فقد أصدر القانون رقم 33 لعام 2000 بإنشاء مؤسسة ضمان الودائع وتبعتها الجزائر عام 2003 بعد إفلاس بنك خليفة فاليمن عام 2008 وفلسطين عام 2013.اما بالنسبة للدول العربية الخليجية فهي تعتبرها من اعمال السيادة وعليه فالدولة تضمن الودائع وهذا ما فعلته دولة الامارات في ازمة 2008 حيث وضعت بتصرف البنك المركزي ما يزيد على 133 مليار درهم كاحتياطي لاستخدامه لتعويض المودعين، إن حصل ما يستوجب أو يستدعي ذلك .

الجمعية الدولية لضامني الودائع

تأسست الجمعية الدولية لضامني الودائع عام 2002 بصفتها الجسم التمثيلي لكل هيئات ضمان الودائع،بغرض المساهمة في توحيد وتطوير فاعلية أنظمة وإجراءات ضمان الودائع عن طريق تعزيز التعاون الدولي . وتقوم الجمعية بإعداد البحوث المختلفة والوسائل الإرشادية المتعلقة بضمان الودائع . وقد قررت كل من لجنة بازل للرقابة المصرفية والجمعية الدولية لضامني الودائع في تموز من العام 2008 ، التعاون معا لوضع وتطوير مبادئ أساسية متفق عليها لتفعيل انظمة ضمان الودائع بغرض الوصول إلى مفاهيم وقواعد وتعريفات مشتركة. ولخدمة الأهداف التي من اجلها أسست الجمعية ، تم وضع نحو 18 مبدأ وزعت على 10 مجموعات رئيسة أهمها : تحديد الأهداف والمهام والصلاحيات والحوكمة والتمويل وتعويض المودعين وتوعية الجمهور ووجود شبكة الحماية المصرفية. وقد اشترطت الجمعية ولجنة بازل على ضرورة توفير مجموعة من العوامل الخارجية والمتطلبات المسبقة من ضمنها :

•         التقييم المستمر للاقتصاد وللنظام المصرفي

•         الإدارة السليمة للهيئات والمؤسسات التي تشكل شبكة الحماية المصرفية

•         وجود تعليمات رقابية قوية وصارمة تلتزم بها المصارف

•         توفر إطار قانوني وفعال

•         وجود نظم محاسبية مهنية ذات فعالية

•         تطبيق تعليمات إفصاح سليمة ودقيقة وشفافة

وحتى تكون مؤسسة ضمان الودائع فعالة وتحقق الأهداف المبتغاة منها، فإنه يتطلب أن يكون النظام المالي للدولة مستقرا والبيئة المؤسسية سليمة أيضا وان تكون مؤسسة أو هيئة ضمان الودائع ضمن منظومة مالية واقتصادية ومصرفية وقانونية متكاملة .وهذا يعني أن لا جدوى من تشكيل أو تأسيس مؤسسة لضمان الودائع في دولة لا يتوفر فيها الاستقرار المالي والاقتصادي وتكون البيئة المؤسسية ذات تشوهات متعددة وان يكون تعثر المصارف سمة ملازمة لها. فالعبرة من وراء إنشاء مؤسسة لضمان سقف للودائع يكون من باب الحيطة والحذر وتعزيز إضافي لشبكة الحماية المصرفية ، في حال وقوع أزمة أو تعثر مصرف ما. فالأصل هو في سلامة أداء النظام المصرفي والرقابي.

لقد تمكنت سلطة النقد خلال السنوات الخمس الماضية تحديدا من تحصين النظام المصرفي الفلسطيني وتقويته بما في ذلك تصفية احد المصارف المتعثرة وبيعه كما وضعت تعليمات بشأن دمج المصارف الصغيرة وطلبت منها رفع رؤوس أموالها لتعزيز قاعدة رأس المال بالإضافة لقيامها بتعديل بعض القوانين المتعلقة بالمصارف وإصدار قانون مكافحة غسل الأموال لخلق بيئة قانونية مساندة إلى جانب قيامها بإصدار سلسلة تعليمات بغرض توفير الاستقرار المالي والنقدي، وقد مكنت هذه الخطوات عمليا من توفير المناخ والبيئة المناسبين للبدء بتأسيس أو دراسة قيام مؤسسة فلسطينية لضمان الودائع .

المبررات والاهداف

المبرر القانوني والمهني من إنشاء مؤسسة ضمان الودائع هو ان الدولة سواء من خلال البنك المركزي او وزارة المالية لم تعد تتقبل فكرة ضمان الودائع الضمني Implicit Deposit Insurance الذي تطبقه الدولة عمليا بعد كل عملية إفلاس تتم.كما لم يعد من الممكن اخلاقيا وقانونيا وماليا ان لا تتحمل المصارف جزءا من المخاطر الناجمة عن أخطائها .لذا فيتوجب عليها تحمل مسئوليتها واستقطاع نسبة من ودائعها وتحويلها بشكل دوري ومنتظم إلى مؤسسة ضمان الودائع التي يرأس مجلس إدارتها البنك المركزي او السلطة النقدية بحكم الاختصاص . فمن شأن هذا الإستقطاع الحد من الأخطاء التي تقوم بها إدارات المصارف التي كانت تعتمدأو ترتكز في الماضي على ضمان الودائع الضمني الذي تتولاه الدولة عادة . اما ابرز الاهداف من وراء إنشاء مؤسسة لضمان الودائع فهي :1- حماية صغار المودعين الذين يشكلون الأغلبية 2- تعزيز وتصليب الاستقرار المالي والمصرفي 3- تشجيع وتحفيز الممارسات والأداء المصرفي الصحيح لدى المصارف وخاصة لدى الإدارة التنفيذية العليا واعتماد النزاهة والشفافية وتكريس قواعد الحوكمة الرشيدة وتغليب المهنية عند تقديم الإئتمان والقروض والتسهيلات المصرفية بأنواعها والحسابات الجارية المدينة أوالسحب على المكشوف 4- خلق اجواء من المنافسة المصرفية القائمة على المهنية العالية والأداء ، حيث تتساوى المصارف من حيث ضمان سقوف الودائع أمام جمهور المودعين بغض النظر عن كبر وصغر البنك او عمره المهني لغاية استقطاب الودائع الصغيرة والمتوسطةعلى وجه الخصوص والتي تشكل عادة أكثر من 97% من الودائع 5 - وقف سياسة ضمان الودائع الضمنية من قبل الدولة والتي كان يتحملها دافعوا الضرائب عن اخطاء لم يرتكبوها ولا ذنب لهم فيها 6- تقليل و / أو الحد من خسائر الدولة (الخزينة )أو السلطة النقدية نتيجة لتحملهما التكلفة أو النتائج السلبية المترتبة على تعثر بعض المصارف أو توقفها عن الدفع أو إعلان افلاسها 7- تحفيز صغار المودعين على الاستمرار في إيداع أموالهم في المصارف دون خشية من خسارتها أو فقدانها 8- تشجيع الجمهور على عدم الاحتفاظ بالنقود السائلة في البيوت ما دامت مضمونة بشكل صريح Explicit من خلال مؤسسة رسمية قائمة ومحددة ومشهرة،مما سيؤدي إلى زيادة الادخار وتعزيز الثقة بالمصارف العاملة.

حدود الضمان والتغطية

لا تستطيع أي مؤسسة لضمان الودائع ان تتكفل بإعادة كل الودائع إلى اصحابها لذلك قامت كل هيئة بتحديد سقف للتعويض الفوري .ففي الاردن مثلا وضعت سقفا في بداية تشكيل المؤسسة بلغ 10000 (عشرة الاف) دينارثم ما لبثت ان رفعت السقف التعويضي المباشروالفوري إلى 50000 (خمسون الف) دينار في اول شهر تشرين الثاني 2011 مما يرفع نسبة عدد المودعين المستفيدين إلى نحو 98%. أما في فلسطين فقد أشار القرار بقانون الذي صدر في عام 2013 على التعويض الفوري للمودعين خلال شهر واحد من اعلان سلطة النقد عن توقف(إفلاس) البنك عن الدفع بسقف 10000 (عشرة الآف) دولار،وهذا يشكل تقريبا 93% من مجموع عدد المودعين. وفي الوقت الذي ينحصر فيه الضمان في الأردن على الودائع بالدينار فحسب، وسعت مؤسسة ضمان الودائع في فلسطين تغطيتها التأمينية لتشمل العملا ت المتداولة والمستخدمة نظرا لخصوصية الحالة الفلسطينية ذات العملات المتعددة .ومن الجدير ملاحظته هنا أن كافة المصارف المرخص لها بالعمل في فلسطين ملزمة بالانضمام للمؤسسة بما فيها البنوك الاسلامية. ولعل العبرة من جعل عضوية المؤسسة إجبارية لكل البنوك دون إستثناء هي لإضفاء الشمولية على مظلة التأمين والحيلولة دون انتقال السيولة من المصارف غير المؤمنة إلى المؤمنة وتجنب ان تكون العضوية في المؤسسة متكونة من البنوك الضعيفة فحسب. ومما يتقدم يتضح ان المؤسسة محل البحث رسمية لكن تمويلها يتم بالكامل من القطاع الخاص ،باستثناء رأس المال الذي تدفعه الدولة حين التأسيس. وقد فصل القرار بقانون رقم 13 لعام 2013 آليات الدفع والمشاركة من كل بنك عضو في المؤسسة بشكل تفصيلي بل وسمح بزيادة النسبة المستقطعة على المخاطر المحتملة لكل مصرف وفقا لما يقرره مجلس الإدارة على ضوء تقارير سلطة النقد الفلسطينية ذات الاختصاص بالرقابة على البنوك.

الودائع غير المشمولة بالضمان

نص القرار بالقانون سالف الذكر على استثناء بعض الودائع من التعويض (الضمان) لاعتبارات لها علاقة بنوعية المودعين أوذات علاقة مباشرة بالعضو والتي من المفترض أن يكون لها دورا رقابيا على اعمال المصرف وإدارته مما يتوجب أن تتحمل جزءا من مسئولية توقفه عن الدفع .لقد حددت المادة 24 من القانون محل البحث الودائع غير المشمولة بما يلي:

1-      ودائع الحكومة ومؤسساتها الرسمية

2-      ودائع سلطة النقد

3-      الودائع ما بين الاعضاء (البنوك) بما فيها المؤسسات المالية العاملة والمرخص لها

4-      التأمينات النقدية في حدود سقوف أو رصيد التسهيلات الإئتمانية التي حصل عليها عميل أو معتمد البنك .ولتوضيح هذه النقطة للقارئ فإنه في حال كان لمعتمد البنك شخصا كان أو شركة وديعة بملبغ 20 ألف دولار ولكنه في نفس الوقت حاصل على تسهيلات إئتمانية بمبلغ 15 ألف ففي هذه الحالة يدفع له 5 آلاف فقط .

5-      ودائع الاطراف ذوي الصلة بالعضو والمحددة في قانون المصارف الساري المفعول.

6-      ودائع مدققي حسابات البنك و/أو اعضاء هيئة الرقابة الشرعية للبنوك الاسلامية.

7-      ودائع الاستثمار المقيدة وفق ما يحدده مجلس إدارة مؤسسة ضمان الودائع .

أهمية مؤسسة ضمان الودائع للمواطن الفلسطيني

ما يهم المواطن او الشركة الفلسطينية من تشكيل مؤسسة ضمان الودائع هو أن ودائعه بالسقف المشار إليه باتت الآن مضمونة ومحمية بالقانون .فخلال شهر واحد من إعلان سلطة النقد عن توقف البنك X عن العمل تتولى مؤسسة ضمان الودائع دفع المستحقات لكافة المودعين بدون أن يقتحم المودعون ويتظاهرون أمام مقرات وفروع البنك المذكور. وعليه مراجعة مؤسسة ضمان الودائع وتزويد دائرة الضمان والتصفية فيها بأسم البنك المراد تحويل الوديعة إليه .فمنذ إعلان إفلاس اي بنك تنتقل مسئولية التصفية والدفع إلى المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع وليس وفقا لما كان متبعا في السابق حيث كان يجري تشكيل لجنة إشراف من سلطة النقد لمتابعة موضوع الإفلاس واسبابه وحجز الاموال ريثما تتضح ملابسات التوقف عن العمل.وكل هذا كان يتم على حساب صغار المودعين الذين يشكلون الأغلبية . فمن المفترض أن لا يخشى اي فلسطيني من إيداع أمواله في اي بنك عامل في فلسطين الآن ،بغض النظر عن كبر وصغر البنك.فالمواطن لم يعد يراجع البنك المفلس وليس له علاقة به فمقصده بات معروفا وهي مؤسسة ضمان الودائع في فلسطين وليس البنك الذي أودع أمواله فيه او سلطة النقد او وزارة المالية او الحكومة ولا داع للتظاهر والاحتجاج. ما يهم المواطن هنا أن وديعته ستعود إليه بالكامل إذا كانت عشرة الآف دولار فأقل وخلال شهر كحد أقصى. إن تشكيل مؤسسة ضمان الودائع في فلسطين جاءت لردم الفجوة التي كانت تشكل ثغرة ذات وزن في النظام المصرفي والمالي. وبهذا التشكيل تكون شبكة الحماية المصرفية في طريقها للاكتمال .