الإعتذار السياسى!
تاريخ النشر : 2014-01-18 16:03

الإعتذار السياسى سمة من سمات الحكم الديموقراطى ، والإعتذار يحمل في طياته الخطا ، وتحمل مسؤولية هذا الخطا ، والإلتزام بالقانون ، وهى السمة الثانية سمة سيادة القانون الذي يعلو الجميع بما فيهم الحاكم نفسه. والإعتذار السياسى يتوافق والسمة الثالثة للحكم الديموقراطى وهى ان الحاكم، وكل من يشغل وظيفة عامة هو إنسان وبشر يخطأ ويصيب، وأن الحاكم يحمى نفسه بإكتمال العقول من حوله ، والمقصود بذلك الخبراء والمستشارين الأكفاء وأصحاب التخصصات العلمية المتقدمة ،وهو ما يعنى أن العقل البشرى بما فيه عقل الحاكم لا يتسم بالكمال ، ولذلك الخطا أمر محتمل، ولكن ألأهم من الخطأ هو الإعتذار نفسه، وعلى العكس تماما في النظم السلطوية الإستبدادية التي تتسم بفردانية الحكم وفيها قاعدة الحكم التي تسود أن الحاكم ومن ينتمى إليه من أسرة أو زمرة حكم لا يحاسبون ، ولا يسألون ، بل يعتبروا أنفسهم أعلى من القانون ، الذي من وجهة نظرهم وضع لمحاسبة ومعاقبة المحكومين الفقراء، وليس الأغنياء منهم ، ولذك في مثل هذه نظم يخلو الإعتذار السياسى بكل درجاته، فهو يعتبر من وجهة نظر الحاكم أنه إنتقاص لحكمه، وإنتقاص بل وتحقير لعقله ، فهو ليس مجرد حاكم ـ وليس مجرد إنسان عادى ، بل اعلى درجة من الإنسانية نفسها ، وهى حالة تعرف بالسادية السياسية ، أى ان الحاكم لا ي

فكر مثل البشر، وهو أعلى درجة منهم، وبالتالى لا يجوز محاسبته، ولا يصح إن يعتذر، لأن الإعتذار من صفات البشر العاديين، وليس من صفات الحكام ، هذا الشكل من الحكم هو الذي يفسر لنا غياب القانون، وغياب مبدا المساءلة والمحاسبة السياسية ، وليس من حق اى احد أن يسأل الحاكم وأيا من أبنائه وأسرته عما يملكون ، ولماذا يتصرفون بطريقة معينه، فالكل لديهم رعية ، والرعية ليس لها حقوق ، ولا يحق لها أن تطلب من الحاكم أن يعتذر.

هذه السمة هى التي تقف وراء تدهور الحكم في العديد من الدول ، وهى التي تفسر لنا حالة الحراك والثورات الشعبية التي تشهدها العديد من الدول ، وإذا كان لذلك من دلالة سياسية وهى إن الحكم يفتقد لأهم قاعدة من قواعد الحكم الديموقراطى والرشيد، وهى قاعدة الحاكم ألإنسان ، الحاكم القدوة والنموذج في سلوكياته وتصرفاته فى الإلتزام والتقيد بحكم القانون. هذا هو الفارق الكبير بين الحكم الديموقراطى والرشيد والحكم السلطوى ألإستبدادى وهو درجة القرب من إنسانية الحكم. وال

ذى دفعنى لكتابةمقالة اليوم بعد هذه المقدمة الطويلة والتي أجد ضروريتها هذا الإعتذار الذي تقدمت به رئيسة البرازيل ديلما روسيف لمواطنيها عن مخالفتها لقانون قواعد المرور عندما حملت حفيدها البالغة من العمر ثلاثة أعوام بين ذراعيها وهى تجلس في المقعد الخلفى ،اى إن كل ما فعلنه أنها لم تلتزم بوضع حفيدها في المعقد المخصص للأطفال ، وأعتذرت بصريح العبارة بقولها : كنت أحمل حفيدى بين ذراعى في المعقد الخلفى ، وهذا كان خطأ ، واضافت قواعد المرور واضحة يجب على ألأطفال الجلوس في مقاعدهم الخاصة في السيارة .

تصوروا معى عن ماذا إعتذرت ، وعن حجم الخطأ الذي قد إرتكبته، وماذا لوقارنا بين حالتنا السياسية وبين هذا النموذج في البرازيل التي تعتبر من دول العالم الثالث الذي ننتمى إليه ، لكن الفارق كبير، والمسافة بعيدة جدا بين ثقافتنا السياسية التي تقوم على اللامبالاة ليس فقط على مستوى الحاكم ، بل على مستوى المواطن العادى ، وثقافة الإلتزام وإحترام القانون، والمساءلة التي هى طوق النجاة للجميع ، وهى أساس اى حكم رشيد يعمل في النهاية لصلح الجميع ، وليس صلح الحاكم فقط.هذه االقاعدة ليست قاصرة علي البرازيل بل تنتشر في كل الدول التي تحكم ديموقراطيا ، والتي تقوم على مبدأ أساس وهى انه طالما إن مصدر الحكم هو الشعب ،إذن الكل تحت القانون، ولكل معرض للمساءلة والمحاسبة ، هذه القاعدة التي نحتاجها ونحن نؤسس لحكم ديموقراطى . ولعل ألأهم في هذا الإعتذار والمساءلة أنها تتم والحاكم يحكم ، اى أنه وهو في أعلى نفوذه وسلطاته، والتي لا تعلوها سلطة .

من شأن ذلك أن تجعل الحاكم دائما يبحث عن القرار والتصرف الصواب ، وأن دافعه دأئما هو المصلحة العامة . واشير هنا إلى محاكمة الرئيس مبارك و ما قد تثيره من جدل ونقاش، لكن الأمر الذي قد غاب عن الجميع الدلالات السياسية للمحاكمة هو وأبنائه، وهى دلالة الخطأ والإعتذار عنه، وهذا الإستسلام والرضوخ للقاضى ، وما لفت نظري في كل جلسة عندما يتم النداء عليه وإجابته بنعم يافندم .

لا بد إن نقف عندها وتسجل له. وماذا لوقارنا بالوضع الجديد ومحاكمة الدكتور مرسى . اخلص للقول اننا في حاجة لثقافة الإعتذار السياسى ، التي هى أساس اى حكم ناجح، وإذا ما وصلنا لهذه الثقافة نكون فعلا قد إقتربنا من إمتلاك الثقافة الديموقراطية، والتي هى أساس للتقدم والتطور ، والتغلب علي كل أشكال الإرهاب والعنف.