وزير دفاع امريكا السابق غيتس: حذرت "أوباما"من حكم الإخوان .. لكنه كان عدوانياً
تاريخ النشر : 2014-01-18 15:19

 طنطاوي أثناء لقائه وزير الدفاع الأمريكي

أمد/ فى الحلقة الثانية من مذكراته التى تنشرها «الوطن» المصرية، يواصل روبرت جيتس، وزير الدفاع الأمريكى السابق، كشفه لكواليس ما جرى فى إدارة «أوباما» منذ اندلاع ثورة يناير فى مصر، ويرصد فى كتابه الذى حمل عنوان «الواجب»، وصدر يوم الثلاثاء الماضى فى أمريكا، تفاصيل الانقسامات التى كانت تضرب الإدارة الأمريكية فى تعاملها مع «مبارك»، والأسوأ غياب رؤيتها تماماً فيما يتعلق بمرحلة «ما بعد مبارك»، التى كانت كل الاحتمالات الواردة فيها أسوأ من بعضها.

يقول وزير الدفاع الأمريكى السابق، الذى عاصر المشير حسين طنطاوى فى فترة ثورة يناير والمرحلة الانتقالية بعدها: «كانت الإدارة الأمريكية منقسمة على نفسها حول ما ينبغى عمله إزاء حشود الشباب التى اندفعت إلى ميدان التحرير فى 25 يناير. كان أعضاء فريق الأمن القومى المحيطون بأوباما قلقين للغاية من الانتقادات التى يمكن أن يوجهها نشطاء حقوق الإنسان، الذين يتهمون أوباما بأنه كان بطيئاً أكثر مما ينبغى فى اتخاذ رد الفعل المناسب على تطور الأحداث فى تونس، وطالبوه بتقديم دعم قوى للمتظاهرين فى ميدان التحرير».

وتابع: «فى 28 يناير، اتصل بى مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ليخبرنى أن الرئيس أوباما عقد اجتماعاً لمناقشة تطورات الشرق الأوسط وسير عملية السلام فيه، وتحول خط الاجتماع سريعاً لمناقشة تداعيات الأحداث فى مصر. وحكى لى مايك ملخص ما دار فى الاجتماع، قال لى إن أعضاء فريق الأمن القومى جون برينان وبن رودز ودينيس ماكدونوه اقترحوا على أوباما أن يتبنى موقفاً داعماً ومتحيزاً بشدة لجانب المتظاهرين فى التحرير، وأن يطالب بتغيير القيادة هناك فى مصر، لكن جو بايدن، نائب الرئيس، وهيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية، وتوم دونيلون، مستشار الرئيس للأمن القومى، طالبوا بتوخى الحذر فى ضوء التداعيات المحتملة على المنطقة، التى ستترتب على ترك مبارك، الحليف لأمريكا لأكثر من 30 عاماً. إلا أن أوباما كان يميل لاتخاذ مواقف عدوانية ظهرت بوضوح فى بياناته وتصريحاته فيما بعد».

ويضيف: «التقيت مستشار الأمن القومى فى الثامنة والنصف من صباح اليوم التالى، يوم 29 يناير، وذكرته بالدور الذى لعبته الولايات المتحدة فى إيران عام 1979 عند اندلاع الثورة الإسلامية وسقوط الشاه، وعبرت له عن قلقى العميق من أننا ندخل بإرادتنا إلى منطقة شائكة ومجهولة وعواقبها غير مأمونة، وأن أوباما لن يستطيع ببعض التصريحات والبيانات أن يمحو ذاكرة المصريين حول تحالفنا الاستراتيجى الذى استمر لعقود مع مبارك، واقترحت شكل المسار الذى ينبغى أن تسير سياستنا فيه، وهو أن نطالب بعملية انتقال منظم للسلطة، لأنه علينا أن نمنع حدوث أى فراغ سياسى فى السلطة، لأن أحداً لن يملأ هذا الفراغ على الأرجح غير الجماعات الأصولية. وقلت إنه ينبغى علينا أن نكون متواضعين بشأن حجم ما نعرفه وما الذى يمكننا فعله».

عمر سليمان

ويتابع «جيتس» فى مذكراته: «طمأننى مستشار الأمن القومى بأنه وهيلارى وبايدن، نائب الرئيس، يتفقون جميعاً فى نفس المخاوف، وفى قلقهم الشديد من أن الرئيس والبيت الأبيض وفريق الأمن القومى كلهم يميلون بشدة نحو ضرورة تغيير النظام فى مصر، والواقع أن فريق البيت الأبيض كانوا قلقين من أن يثبت التاريخ أن أوباما كان يقف فى صف الجانب الخاطئ، لكن كيف يمكن لأحد أن يحدد الجانب الصحيح والجانب الخاطئ من التاريخ فى الوقت الذى تبدأ فيه كل الثورات بالآمال والمثاليات وتنتهى بالقمع وإراقة الدماء؟ ثم إن السؤال الحقيقى هنا كان: بعد مبارك ماذا سيحدث؟».

ويضيف: «استمر الجدل الداخلى فى قلب إدارة أوباما فى نهاية الأسبوع، وفى اليوم الذى وصل فيه السفير الأمريكى الأسبق فرانك ويزنر إلى مصر حاملاً رسالة لمبارك من أوباما تحثه على بدء عملية نقل السلطة، أجريت اتصالى الأول منذ اندلاع الأزمة مع نظيرى المصرى، المشير محمد حسين طنطاوى، ودعوته إلى التأكيد على أن الجيش سيمارس ضبط النفس فى تعامله مع المتظاهرين، وسيدعم الإصلاحات السياسية التى تحفظ للشعب المصرى كرامته، وكان المشير لبقاً للغاية، ومطمئناً فى كلامه، قال لى إن الجيش المصرى مهمته الأساسية هى الدفاع عن مصر وتأمين المنشآت الحيوية، وليس إيذاء الشعب أو إراقة الدماء فى الشوارع، قلت له إننا قلقون من عدم قدرة الحكومة على القيام بتحركات حاسمة للوصول إلى حل سياسى للأزمة، وأضفت أنه بدون التحرك فى اتجاه انتقال سلمى للسلطة يشمل حواراً فعلياً مع الوجوه المؤثرة فى المعارضة، فإنه كوزير للدفاع سيجد نفسه على الأرجح تحت ضغط عنيف للحفاظ على الاستقرار فى مصر، ورد علىّ طنطاوى قائلاً: أؤكد لك أن مصر لن يصيبها سوء.

وظهر يوم 1 فبراير كان هناك اجتماع آخر لكبار الموظفين مع الرئيس أوباما، ودارت مناقشة حامية حول ما إذا كان ينبغى على الرئيس أن يتصل بمبارك أم لا، ولو أنه اتصل به فما الذى ينبغى عليه أن يقوله فى المكالمة، وقاطعنا الاجتماع لكى نشاهد مبارك يلقى كلمة موجهة للشعب المصرى، قال فيها إنه سيقوم بتعديل الدستور، ولن يترشح للرئاسة لفترة قادمة بعد انتهاء مدته الرئاسية فى الخريف، وإنه سيبدأ حواراً مع المعارضة، وسيعين نائباً له، أى أنه باختصار كان يفعل بالضبط ما طلبت منه الإدارة الأمريكية فعله من خلال رسالة السفير ويزنر.

لكن، كان التوقيت هو عامل الحسم فى ذلك كله، وكنت أتساءل دائماً ما الذى كان يمكن أن يحدث لو أن مبارك قد ألقى خطابه هذا قبل أسبوعين، إذن لاختلفت النتيجة تماماً بالنسبة له. ظل فريق الأمن القومى الأمريكى يجادل حول ضرورة أن يتصل الرئيس أوباما بمبارك وأن يخبره بضرورة تركه لمنصبه خلال الأيام القليلة القادمة. وظلوا يكررون أنه: ينبغى علينا أن نقف على الجانب الصحيح أمام التاريخ. أما أنا وهيلارى وبايدن ودونيلون، فطالبنا بضرورة توخى الحذر، كان علينا أن نناقش تداعيات مثل هذا الإعلان على امتداد المنطقة كلها، ما الذى سوف يأتى لاحقاً؟

وسألت: ما الذى يمكن أن يحدث لو لم يرحل مبارك؟ عندها سيكون الرئيس أوباما قد حقق بعض المكاسب فى مجال العلاقات العامة، لكنه سيكون فى الوقت نفسه قد خسر نفس تلك النقاط مع كل الحلفاء العرب الذين نرتبط معهم فى المنطقة، وكلهم كانوا حكاماً سلطويين بدرجة أو بأخرى، وقلت إن 30 عاماً من التعاون الأمريكى مع الحكومة السلطوية فى مصر لا يمكن أن تمحوها بضعة أيام من البيانات اللغوية المنمقة.

سيدة أمريكية

كما أن الناس فى منطقة الشرق الأوسط لم يعودوا يلقون بالاً لكلامنا، وللدقة أردت أن أقول لأوباما ساعتها: لم يعودوا يلقون بالاً لبلاغتك وبراعتك اللغوية بعد الآن.

وحذرتهم قائلاً: إننا لو قمنا بإهانة وإذلال مبارك فسوف يرسل ذلك رسالة لكل حاكم آخر فى المنطقة بأن يفتح النار أولاً ثم يتفاهم فيما بعد.

وسألتهم: من بعد مبارك إذن؟ هل هى ديكتاتورية عسكرية؟ أنكون قد دعمنا انقلاباً عسكرياً؟ إذا أردنا فعلاً أن نكون على الجانب الصحيح من التاريخ فلنترك مبارك إذن يغادر منصبه بشىء من الكرامة، بعد أن يسلم مهام منصبه لسلطة مدنية منتخبة فى عملية انتقال منظم للسلطة. كان هذا كفيلاً على الأقل أن ينقل رسالة للقادة الآخرين فى المنطقة بأننا لن (نلقى بهم للذئاب)، وقلت مجدداً: علينا أن نكون متواضعين بشأن ما الذى نعرفه وما الذى نقدر عليه.

وفى نهاية الاجتماع، اتفق جميع المشاركين فيه على أن يتصل الرئيس بمبارك، وأن يبلغه تهنئته على الخطوات التى أعلنها، وأن يحثه على الرحيل المبكر، وتدخلت قائلاً إنه لا داعى لأن يستخدم أوباما كلمة (الآن) فى حديثه مع مبارك، وأن يستخدم عبارة فضفاضة أكثر مثل: (عاجلاً وليس آجلاً).. إلا أن اقتراحى قوبل بالرفض.

كل كبار الموظفين فى الاجتماع نصحوا الرئيس بعدم إعلان تفاصيل مكالمته مع مبارك، لكن أوباما تجاهل نصيحة كبار الموظفين (هيلارى ودونيلون ونائبه جو بايدن)، وأخذ صف الشباب فى فريقه حول ما الذى ينبغى أن يقوله لمبارك فى المكالمة، وما الذى ينبغى أن يقوله عنها علناً. واتصل أوباما بمبارك بالفعل، وفى مكالمة صعبة قال أوباما لمبارك: إن الإصلاح والتغيير ينبغى لهما أن يبدآ الآن. وخرج المتحدث الصحفى روبرت جيبس بعدها بيوم قائلاً: إن (الآن) قد بدأ بالأمس.

ويوم اندلعت المصادمات والاشتباكات بين مؤيدى ومعارضى مبارك، تناولت الغداء مع كبير الموظفين فى البيت الأبيض «بل دالى»، الذى لم يمضِ على وجوده فى منصبه أكثر من شهر، كان رجلاً ذكياً، حاد الذهن، منفتحاً وصادقاً، وبينما كنا نتناول الغداء قال لى إنه كان فى لقاء مع مجموعة من الصحفيين والإعلاميين، وكان (يلقى المواعظ) حول ما يحدث فى مصر، لكنه توقف مع نفسه للحظات ليتساءل: ما الذى أعرفه عن مصر بحق الجحيم؟! واعترف أن نفس التفكير انتابه وهو ينظر إلى (بن رودز) فى لقاءات مجلس الأمن القومى التى عقدت قبلها بيوم. وأجبته بأن بن رودز، وهو بالمناسبة كاتب خطبة أوباما الشهيرة التى ألقاها فى جامعة القاهرة، يعتقد فى قوة (بلاغة) أوباما وتأثير التواصل مع الرأى العام، لكنه ليس واعياً للمخاطر التى يمكن أن يخلفها فراغ فى السلطة فى مصر، أو المخاطر التى يمكن أن تنجم عن التسرع فى إجراء انتخابات لا يوجد فيها حزب منظم وراسخ غير جماعة الإخوان، بينما يحتاج الإصلاحيون المعتدلون والمدنيون مزيداً من الوقت والدعم لتنظيم أنفسهم.

قلت لبل أيضاً إن كل حلفائنا فى الشرق الأوسط يتساءلون عما إذا كانت المظاهرات والاضطرابات فى عواصم بلادهم سبباً فى أن تدفعهم الولايات المتحدة لتدهسهم عجلات القطار.

وتواصلت التظاهرات فى ميدان التحرير وازدادت قوة، وانتقلت إلى مناطق أخرى من مصر على امتداد الأيام التالية لموقعة الجمل، على الرغم من الجهود التى راح يبذلها نائب الرئيس عمر سليمان للتواصل مع ممثلى المعارضة. ويوم 8 فبراير، اتصل جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكى باللواء عمر سليمان، وطالبه بدفع عجلة المفاوضات للأمام، وبإنهاء القوانين التى ساهمت فى الإبقاء على الحكومة السلطوية فى مصر، وطلب منه أن يظهر أن مبارك قد تمت تنحيته جانباً عن الصورة.

وبعدها، قال لى بايدن إن عمر سليمان شكا له من صعوبة التفاوض مع الشباب الموجودين فى ميدان التحرير بسبب عدم وجود قيادات لهم. وعاد مبارك يوجه خطابه للشعب فى 10 فبراير، كان غالبية المصريين، ونحن معهم، يتصورون أنه سوف يعلن استقالته، إلا أنه على العكس قال إنه حتى وإن كان سيقوم بنقل بعض صلاحياته لنائبه عمر سليمان فإنه سيظل مستمراً فى منصبه رئيساً للجمهورية. فى تلك اللحظة قلت لنفسى: (لقد انتهى أمره)».